– في مفاجئة مدوية ضربت السودان العالم أجمع بفيلم سيلتفت له من لا يبالي وسيعيش فينا طويلا وسيضيف كثيرا بالفعل، حالة شاعرية واقعية امتزجت فيها دموع الحالمين بفنهم وجموع المستعضفين بأرضهم، مزج عبقري من مخرج فنان بكل ما تحمل الكلمة من معني، وكوميديا سوداء يضفي عليها السحر وكأنك تحلم بفيلم تتمني أن تراه، إبداع لا محدود بإمكانية لا تذكر وذكري مشاهدة ستخلد ويحيا الشغف ما دامت السينما تتنفس فلا غير الموت يحكمنا!.
– يحكي فيلم Talking About Trees قصة ٤ مخرجين بمدينة أم درمان بالسودان حيث انحدار الفن لدرجة اليأس، يعملوا جاهدين لإحياء إحدي دور السينما والتي تحمل إسم “الثورة” والتي بدورها تفتح المجال لعقولنا لإتجاه الفيلم الأخر وهو حال السودان سياسيا واجتماعيا وماديا و و و و ، وبين هذا وذاك يتلاعب المخرج بكل ما اوتي من قوة بمشاعرنا في تجربته الفريدة.
اعلان فيلم Talking About Trees
– بداية من اتجاه الفن وما قد أصبحت عليه الأمور في السودان والتي لم يعد بها دار عرض تعمل وهو الأمر الذي أطاح بذوق الجماهير من الأساس لنري أقصي طموح الشعب أن يري فيلم مثير يحمل ف طياته بعض المشاهد التي تحتوي علي حركة لغرض الإمتاع وليس إلا، ولا يهم ما كتب بالسيناريو ولا يضر إن كان الإخراج مبتذل ولا بأس بممثل ضعيف يقوم بشخصية الفيلم!.
– وبناء علي النقطة السابقة والتي انحدر فيها الفن يتماشي مع ذلك انحدار في أمور الدولة بشتي منظماتها وقد تم عرض ذلك بشكل توثيقي من أرشيفات الإعلام لمشاهد حية من ذكري احوال البلاد في السودان وكيف كانت الأمور سوداوية تعتريها الكوميديا السوداء والتي تطغي بدورها علي الفيلم الذي حينما عرض فيه مشهد حقيقي من الماضي كان المشاهدين مدركين خير إدراك إنه مطمل لفيلم ساخر من حاضر ذو ماضي يرثي له وما ذلك إلا عرض تكميلي للمأساة التي نعيشها جميعا في أوطاننا التي لم نعش يوما فيها ولن يحدث إلي أن نستفيق!.
– رحلة مأساوية يطغي عليها ابتسامة المحارب الذي يعلم أنه سيظل يحارب إلي الأبد رغبة في الحرية لا تقبلا للعبودية، ماض مؤلم لصفوة صناع الفن في بلد لا تلحظ شعبها فلا شئ ملحوظ في تجاهلها لرواد فنها، ذكريات ساحرة تحيي في أشخاص رحلتنا كما ستعيش فينا رحلتهم ما دمنا نحيا!.
– اتربة وحشرات ، حسرة وآهات ، نهار يتخلله الظلمات وليل قاتم يعيش في نهار سكانه ، استسهال في الحياة وتقبل الأمور أقرب للإستعباد من غيره، آمال وأحلام ، طموح وإجتهاد ، واقع مرير حتي الممات! أم سنذيق المر يوما لصانعه، وتمر البسمة ليلا بمن أحق بها!، ونعيش حياتنا ونوثق ذكرانا لا أن نمر مرور الكرام وكأن شئ لم يكن!.
– وبين سطور الشعر الواقعي الذي قدم في عرض ايقوني قد غازل مخرجنا السينما كما قال الكتاب وقد انصف سينما بلاده التي تقبع في قلبه ومن يعود كل الفضل لها ولها سيحاول جاهدا أن يكون وقد أصبح لها، كمان أنه متأثر جدا بشكل ملحوظ بكلاسيكيات هوليوودية مثل “Modern times” والذي قدمه ليسقط به منذ البداية علي الرأسمالية التي سادت بلاده والتي لا تبالي بشأن الشعب ولا الفن فهم ذاهبون أجمعين إلي الحضيض ما دام الظلم مستمر، أما في افتتاحية فيلم Talking About Trees فقد حاكي مشهد من ايقونة بيلي وايلدر “ Sunset Blvd” والذي مثل فيه أحد مخرجيه الأربعة الوضع العام للفيلم كمان كانت نجمة الفيلم متألقة في وقت ما حتي زال ذلك وهو يرثي سينما السودان علي ما كانت عليه سابقا وما قد باتت فيه الأن وقد قدم ذلك بعبقرية بعد مشهد أكثر عبقرية كان فيه شخصياته الرئيسية يمكثون في الظلام بحركة بسيطة تنقيبا عن أمل لا مسالمين للموت.
– وبمحاكاته المميزة لمشاهد يرثي بها للسينما و حال النظام معا فقد حاكي مشهد لبناهي من فيلم سابق له حينما صور مشهد في دورة مياة ويمثل أحدهم بأصابعة ضرب رأس الأخر ببطء وكأنه خرير المياة علي الأرض يذهب بتعثر من مصدره في الظلام ويجعل من جوائط الحمام ممر كأنه يبتلع ما بداخله ليرمز لماهية مشكلاته بالنسبة للغير وكيف يتعامل هنا معها ويراها فهو أولا وأخر غير ملحوظ لأحد سواه ، بالإضافة إلي استخدام لفيلم بجودة دجانجو ليسقط به ع الذوق العام لا أن يقلل من شأن السينما بشكل عام وإلا لم يكن يبدأ في رثائها كما هو الوضع في سخرية القدر التي كانتت تتبعه بتعدد أمكنة مآذن المساجد في المكان مما يتوقع عن عرض فيلمه وكأنها الفساد الأوحد في البلاد!.
– ” أي زمن هذا الذي يكاد فيه الحديث عن الأشجار أن يصير جريمة، لأنه يعني الصمت عن جرائم أخري “
•”برتلوت بريخت“.
يبرهن صهيب قسم الباري علي مقولة الشاعر الألماني أن الصمت في حد ذاته هو جريمة لا تغتفر في ظل ظلم سائد لا غير الثورة سوف تجدي ولا غير النور لنا طريق فكفي بالقلب إخفاق علي ما يملك فما نملك يتسرب كالسنين!.
– تجربة لن انساها ما دمت أحيا وأحد أفضل ما شاهدت في السينما وربما كان سبب في ذلك عدم توقعي لشئ بتلك الروعة، سيناريو ممتاز وإخراج مبتكر وتصوير شاعري ويحتوي الفيلم علي كادرات close up من اجمل ما رأت عيني يحتوي كل كادر فيها علي حياة منفصلة واكاد اجزم أن الفيلم لو اقتصر عليها لكان تحفة أيضا، تمثيل غاية في البساطة والروعة ومناسب لحالة الفيلم وباقي عناصر فيلم Talking About Trees قد كانت في منتهي الجمال.
• الحديث عن الأشجار ٢٠١٩ فيلم ل صهيب قسم الباري.
• Talking about trees 2019 by Suhaib Gasmelbari .