لطالما كانت ثقافة الشارع العنيفة التي تسود جنبات “لوس أنجلوس” مصدر إلهاماً للمخرج البارع “ديفيد آير” في فيلميه “Training Day” و “End Of Watch”، وتمكن من ترسيخ اسمه كواحد من صناع الأعمال القريبة من الواقع الموحش التي إفترش مكانه منذ زمن وظل يتوسع علي نحوٍ مخيف إلي درجة كبيرة.
“آير” الذي لم يحالفه الحظ كتميمة نجاح في السينما التجارية بعد إخفاقه المدوي في فيلم “Suicide Squad” و”Bright” مع النجم “ويل سميث” يحاول من جديد تجديد عهده بالنوعية التي تألق بها مسبقاً ووضعته علي خارطة المخرجين الواعدين عن طريق تقديم وجبة سينمائية لعشاق الاكشن يسترجع بها عهده معهم وبعضاً من البريق الخافت تحت راية “WB” الذين لم يعطون المساحة الازمة كي يبدع من خلالها.
لكن على الرغم من الأجواء المعتادة لسينما “آير” و الأدوار متعددة الطبقات لمجتمع التمثيل اللاتيني والأكشن الدموي الذي يقرب فعلياً إلي ما يدور في حروب العصابات ، إلا أن قصة جامعي الضرائب تلك يشوبها العديد من العيوب التي لا يمكن تخيل سينمائي محنك مثل “آير” أن يفعلها بفيلم من رؤيته الخاصة.
نبذة عن قصة فيلم The Tax Collector
تدور أحداث فيلم The Tax Collector عن “ديفيد كويفاس” وشريكه “كريبر” اللذان يجمعا الضرائب لصالح إحدى تجار المخدرات يدعي “الساحر” نظير تركهم يديروا أعمالهم المختلفة بحرية، ولكن مع ظهور مجرمٍ خطير يدعي “كونيخو” يسعى بجد للقضاء على هيمنة “الساحر” على التجارة، يدرك “ديفيد” أن هناك خطراً قريباً يهدده شخصياً و ربما يهدد أهله وذويه في الوقت ذاته.
عند الحديث عن سيناريو فيلم The Tax Collector ، لابد من الوقوف عند جملة قيلت لبطل الفيلم “ديفيد” يذكر فيها أنه “رجل خير”، ولهذه الجملة مقصد تم توضيحه في إحدى مشاهد الفيلم كانعكاس المعني الحرفي لها (لن يتم ذكر تفاصيل اللقطة لتجنب الحرق)، ولكن ما تم سرده ضمن سياق القصة من قبل “دافيد آير” لم يكن مقنعاً أو كافياً بالمرة لتقريب المشاهد من الشخصية بعدما رصد بأم أعينه ميلوه العنيفة ونشاطه الإجرامي المكثف بما يكفي النفور منها وعدم التفكير في كونه خير من الأساس.
ولذلك لا يمكن لأي نص سينمائي ان يحاول نيل تعاطف المتلقي مع شخصية لها خلفية مشينة مثل “دافيد” رغماً عنه، في حالة “دافيد” هذه هو مجرم بطبيعة الحال له طباعٍ خاصة تتناسب مع وصفيته بالميول للعنف وسبل الترهيب الجسدي والمعنوي والأكبر من ذلك العمل في تجارة المخدرات التي تعد من اخطر الأنشطة الممارسة في العالم بأسره.
كان من الأفضل ل”آير” ان يرسم شخصيته علي طبيعتها الخاصة ويحدث من خلال القصة ما يعزز تحولها إلي جانب آخر وتخليها عن ما تفعله من تصرفات، ولكن تصميم الشخصية جعلها تبدو كنت لو كان منافقاً يدعي شيئاً ويفعل عكسه، لذا كان قرار “آير” علي مستوي تصميم الشخصية ودوافعها لا يمكن لها أن تصب في مصلحة الهدف الرئيسي من الحبكة الذي يرمي له ” آير” في الأساس.
النقطة الأخرى التي يجب ذكرها بخصوص السيناريو هي أن هناك تسلسلات طويلة عدة في الفيلم يقضيها “دافيد” بصحبة “كريبر” يجمعا الضرائب بغلظةٍ مفرطة ويتحدثا عن حيواتهما الخاصة وعن طباعهما وطريقتهما في الحياة في إيحاء بأنهم بشراً عاديين يتحلون بصفات عادية وامتثالٍ للدين وخلافه.
هذا لم يساعد علي إدراك ما حدث بالنصف الثاني من الفيلم، لأن المشاهد حتماً سيضل طريقه في استيعاب تلك الأحداث نظراً لعدم منطقيتها، وأن ما يروه ماهو إلا إسناد دور بطولة غير ناجح لشخصيات لا ينظر لها بعينٍ مثنيةً عليهم وعلي ما يفعلوه، خلاصة القول أن رهان “دافيد اير” للعودة إلي ما كان يبرع فيه من الأساس لم يكن مثالياً علي الإطلاق، وبدأ من خلاله “آير” إنه لا يزال متأثراً بتجربته التي لم يكتب له النجاح فيها داخل عالم “دي سي”.
ربما نجح الآداء التمثيلي في حفظ ماء الوجه بعد الشئ، “شيا لبيوف” يتمكن من عكس مظاهر الصرامة والقسوة التي تتمتع لها شخصية “كرييبر” وأيضاً تعايشها الذاتي مه أفعالها وحياتها التي تحلو لها، “شيا” للمرة الثالثة علي التوالي يقدم أداءاً جيداً في دور ربما لن يترك علامة ما عند المشاهد قياساً بالعام الماضي حينما فتن الجميع باطلالتين مثاليتين في “Honey Boy” و “The Peanut butter Falcon”، ولكن علي الاقل يعود به مرة أخري إلي الواجهة من جديد بعد صيامٍ تام عن الاختيارات الجيدة منذ عمله مع “آير” نفسه في “Fury” عام ٢٠٠٩.
تي “بوبي سوتو” الذي يلعب دور “ديفيد” نجح في تقديم أوراق اعتماده موجه جديد يلائم تلك النوعية من الشخصيات مهما بلغب عيوبها وكثرت، وقد لوحظ اريحةٍ تامة في التنقل من حالة إلي أخري بين القسوة والألم والحب والصدمة، كل ذلك في شخصية واحدة لم تكن عائقاً ل”سوتو” لأن ورائه ببساطة مخرج بارع حتي وإن لم يحالفه التوفيق في السرد القصصي، فلا يزال قادراً علي إختيار الممثل المناسب الدور الذي قد يصلح فيه.
بين أحلام العودة إلي الطريقة التي صنعت له النجاح والبعد عن الإخفاق المدني الذي أبعدته عن قصة سكن فيها لوهلة، ظن “آير” أن هناك إمكانية للعودة للتألق حالفه منذ سنين بالشكل الذي بدأ به مسيرته في “هوليوود”، ولكنه أخفق مرةً أخرى في فيلم The Tax Collector الغريب بمعني الكلمة على مستوى الحبكة التي يشوبها عدم المنطقية و المليئة بالعيوب التي لا تحتاج إلى أعين خبيرة لرصدها.