فى بداية مراجعة فيلم Aladdin قد يتسائل البعض: “هل نحن كعشاق ومحبين لأفلام الرسوم المتحركة الخاصة بعالم “ديزني” نحتاج لنسخ حية من تلك الأفلام التي أحببناها وقت صدورها وباتت من كلاسيكيات السينما التي لم ولن تمحي من الذاكرة مطلقاً؟”
تساؤل منطقي في ظل التخوف من إمكانية تواجد بعض العيوب في تلك النسخ الحية والمتمثلة في تغييراتٍ جذرية في التسلسلات الأصلية للحبكة لن يكون في مقدروها أن تضيف شيئاً لتلك الأفلام أو إختياراتٍ ليست بالموفقة لمجموعة من النجوم لن يكون بمقدورهم إحياء الشخصيات بطريقة مناسبة أو عبث مفرط بالمؤثرات البصرية فيكون نتاجها بالغ السؤء وتتسبب هي الأخري في نفور الناس من تلك المشاريع التي تهدف في الأساس لإحياء ذاكرة محبي النسخ الأصلية بهم وجذب عدد كبير من ذوي الأعمار الصغيرة لمشاهدتهم و الإستمتاع بهم.لكن “ديزني” أثبت مع الوقت مقدرتها علي التخطيط الجيد لتلك المشاريع والتأني في اتخاذ القرارات المناسبة التي من شأنها تحقق النجاح ولفت أنظار الجمهور بمختلف أعمارهم، والدليل علي ذلك تحقيق النسخ الحية من كلاً من “Beauty and The Beast-Maleficent-Cinderella-Jungle Book” لإيراداتٍ ضخمة خصوصاً “Beauty and The Beast” الذي تجاوز حاجز المليار دولار أمريكي بعائدات شباك التذاكر بجانب الترشح لعدد لا بأس به من جوائز الأوسكار خصوصاً في تصميم الأزياء والمؤثرات البصرية التي نال جائزتها “Jungle Book” للمخرج “جون فافرو”.
وللمفارقة تلك الإنجازات كانت في فترة وجيزة قدرت ثلاثِ سنوات بين 2015 و 2017 حينما تفردت “ديزني” بما قدمته حينها وصارت رائدة كبري في صناعة السينما لا تقتصر إنتاجتها علي أفلام الرسوم المتحركة فقط.
التعثر جاء هذا العام والتخوفات التي عبر عنها الجميع في البداية قد حدثت بكل أسف في النسخة الحية لواحد من أفلام الرسوم المتحركة الأكثر شعبية في العالم “Aladdin” وقد نتج عنها عدد مهول من التقييمات السلبية أغلبها نقدي وجزء قليل منها جماهيري، لتزيد المخاوف من إمكانية تكرار ذلك في “Lion King” الذي سيصدر في صالات السينما بعد شهرٍ من الآن، وقد فشل “Aladdin” في نيل قطعة من كحكة النجاح التي صنعتها “ديزني” من مقادير خططها الخاصة لتقديم أفلام النسخ الحية من وحي روائعها المختلفة.
فلنتطرق سوياً في التفاصيل و نستعراض أبرز سلبياته وإيجابيات الفيلم :
الفيلم استلهم القصة الأصلية تماماً والتي يعرفها البعض بكل تأكيد عن “علاء الدين” الشاب الصغير الذي يجوب شوارع وطرق بلاد “أغربا” بصحبة صديقه القرد “أبو”، فيلاقي الأميرة “ياسمين” وهي متنكرة في ذي أحد العامة وبقع في حبها، لكنه يسقط في فخ محكم من قبل وزير السلطان “جعفر” ليرغم “علاء الدين” علي إيجاد المصباح السحري له الموجود في كهف العجائب، وحينها يتعرف علي “Genie” او “الجني” الذي يحاول أن يساعده في الفوز بقلب “ياسمين” وكذلك تحرير مملكتها من براثن مخططات “جعفر” الشريرة.
المشكلة ليست في اقتباس القصة برمتها فذلك ليس عيباً علي الإطلاق فالغرض فقط هو إعادة إحياء فيلم الكرتون بأسلوبٍ أخر، بل تكمن المشكلة في المط والتطويل الزائد عن حده لتتعدي المدة الزمنية للفيلم ساعتان وثماني دقائق!!!!!
تخلل ذلك الوقت عدد من اللقطات الحوارية المتكررة بعض الشئ التي تدور في فلك واحد عن تفاصيل تخص الحبكة بجانب وجود بعضٍ من المشاهد الغنائية التي لا حاجة للفيلم بها نظرا لجودتها المتواضعة والضعف الواضح في الأغاني بكلماتها وألحانها، وأتذكر إحدي اللقطات في الفصل الأخير من الفيلم أقل ما يمكن وصفه بأنه “مثير للضحك” للأداء المبالغ فيه والمصطنع من قبل “نايومي سكوت” برغم صوتها الدافئ وبراعتها الفائقة في الغناء بجانب ضعف الأغنية المتضمنة في المشهد.
النقطة الأخري والتي تضاف إلي رصيد الفيلم من السلبيات هو مخرجه “جاي ريتشي” !!!!!!!
صدق أو لا تصدق عزيزي القارئ، “جاي ريتشي” نفسه الذي قدم تحف سينمائية فائقة الروعة مثل “Snatch” و ثنائية “Sherlock Holmes” هو أحد الجناة علي الفيلم نتيجة تنافر المشروع الملئ بتقنيات المؤثرات البصرية والإستعراضات الغنائية واللحظات الدرامية مع فلسفته السينمائية الخاصة به خصيصاً في أفلام الأكشن المعروفة بحدة مشاهدها وتصميم شخصياتها الفريد من نوعه وأجوائها المختلفة عن بقية أفلام الفئة.
المؤثرات البصرية كانت متوسطة الجودة، فمحاولة محاكاة تصاميم “الجني” كما كانت في فيلم الرسوم المتحركة إحدي المهام الصعبة التي قد تشكل عائقا لأي مخرج لإتقان تنفيذها، ولم ينجح “جاي ريتشي” في المهمة لتأتي تصاميم “الجني” كرتونية بعض الشئ وظهر فيها بعض العيوب التقنية البسيطة فأنقصت من شكل الشخصية كما رغب الجمهور في مشاهدتها وإن كان أداء “ويل سميث” ساهم في إنقاذ الوضع كما سنتحدث لاحقا.
ربما كانت تنفيذ مشاهد أغنيات “Friends Like Me” و “Prince Ali” و “A Whole New World” ساهمت في منح “جاي ريتشي” بصيص من الإشادة لإنقاذ إسمه بعض الشئ من الإنتقاد الكامل وساهمت أيضاً حماس الجمهور وتذكر نلك اللحظات السعيدة الي أحبوها في فيلم الرسوم المتحركة.ليس هذا فحسب، بل لم يتمكن “جاي ريتشي” من الحد من المبالغات في أداء “مينا مسعود”، وبما أنه تم ذكر إسم الأخير فمن الممكن تقييمه في هذه الفقرة كذلك، فالفتي الكندي ذو الأصول المصرية عاب أدائه ضعف التعبيرات الوجهية بعض الشئ خصوصاً في الأغنيات ناهيك عن خفوت أدائه الصوتي مقارنة ب”نايومي سكوت” التي كانت تتفوق عليه في التمثيل والغناء في آنٍ واحد (باستثناء المشهد الذي ذكرته سلفاً).
لكي أكون منصفاً فهو يشبه “علاء الدين” بالفعل، و قد برز في مشاهده مع القدير “ويل سميث” الذي سنده قليلاً بخبرته التمثيلية وأظهر معه تناغم ملحوظ نتج عنه لحظاتٍ كوميدية خفيفة الظل،لكن ذلك لم يكن كافياً للمعان أدائه وسط فريق التمثيل خصوصا “ويل سميث” و”نايومي سكوت”.
سيلاحظ القراء أني قد نسيت ذكر إسم “مروان كنزاري” والذي جسد شخصية “جعفر” وزير سلطان “أغربا”، وهناك تعمد لذلك فما قدمه “مروان كنزاري” يضعه ضمن فائمة نجوم عام 2019 المحبطين ، فالفتي الهولندي ذو الأصول التونسية لم يكن مناسباً علي الإطلاق للشخصية لما بأدائه من سطحية شديدة بعيدة كل البعد عن جبروت الشخصية في فيلم الرسوم المتحركة بالإضافة لكون أدائه ملئ بالمبالغات الحوارية وضعف الموهبة المنعكس في عدم قدرته علي عكس فلسفة الشر الذي يعتنقها.
أنظروا معي للصورة السابقة، هناك أيضاً فرق شاسع بين هيئة “جعفر” هنا وفي فيلم الرسوم المتحركة الذي كان محراكاً كبيراً للشر ،يكفي وجهه الملئ بالتأفف والوحشية التي يتمتع بها أية شخصيةٍ علي ذلك الجانب المظلم، فكان من الأفضل إختيار ممثلٍ تضاهي نجوميته نجومية “ويل سميث” ولديه الموهبة والخبرة المناسبة في تقديم أدوار الشر بسلاسة ويسر، لكن “جاي ريتشي” كان سئ التصرف في تلك النقطة بالتحديد.
لكننا يجب أن نحمد الله أن ل”ويل سميث” وجود في الفيلم، فذلك النجم الهوليودي العظيم لديه كاريزما خاصة به لها مفعول السحر علي المُشاهد تجعله يقع في حب الشخصية الذي يقدمها مهما كانت جودة العمل الذي يشارك به، فهو الأفضل هنا بلا منازع بكل ما قدمه من حيوية وخفة ظل منقطعة النظير تحمل بصمته الخاصة وتمحي ما أثير من قبل الجمهور من مخاوف تخص أداءه ومدي قدرته علي تجسيد الشخصية بنجاح أسوةً بالراحل “روبن ويليامز” في فيلم الرسوم المتحركة.
بالطبع هو برئ كليتاً من خروج الشخصية بمستوي متوسط بصرياً، فهو قد نجح بتجسيده المتقن في الجانبين المتضادين للشخصية سواءاً وهو جني المصباح أو كان شخصاً عادياً (والسبب بات معروفاً الآن)، ولكن قد يحب البعض الجانب الثاني منها (والقصد هنا وهو في الهيئة البشرية) وذلك الرأي مفهومٍ تماماً نظراً لنفاوت جودة الCGI وكذلك البراعة في تقديم بعض الإستعراضات الغنائية كما كان الحل في لقطات أغنية “Prince Ali”.بالتأكيد المدح الزائد ل”ويل سميث” لن يقلل أبداً من حجم الأداء المتميز للحسناء “نايومي سكوت” صاحبة الوجه السينمائي البشوش بجانب صوتها العذب في الأداء الصوتي للمشاهد الغنائية، وللمعلومات العامة فهي قد قدمت بعضاً من الأغاني المنفردة بداية من عام 2014 وحتي العام المنقضي وحققت نجاحاً كبيراً وقتها.
إجمالياً، لم يكن وجود “ويل سميث” بمجهوده الذي يشكر عليه كافياً لإبقاء الفيلم علي حافة بدايات التقييمات الإيجابية علي المواقع المتخصصة بتقييم الأفلام، فالعوامل السلبية كانت كثيرة بحق واكتسحت جنباتٍ كثيرة في العمل جعلته من أقل ما قدمته “ديزني” علي مستوي أفلام النسخ الحية، ولنأمل جميعاً أن يطل فيلم “Lion King” علينا بطلة مميزة تنسينا خيبة أمل “Aladdin” وتعطينا عملاً استثنائياً حتي وإن كانت إعلانته الترويجية قد رسمت معالم الخوف علي قلوب الكثيرين من التجربة البصرية خصيصاً.