بعد موسمين رائعين من المسلسل الأسبانى la casa de papel يأتى إلينا الموسم الثالث الذى حصل على شعبية جارفة فى كل أنحاء العالم بعد عرضه على منصة Netflix مما دفع الشركة لإنتاج موسم ثالث و الإستمرار مع أبطالنا فى عملية سرقة جديدة ، فهل كان القرار موفق ؟ أم أن القصة كانت منتهية بالفعل و غير قابلة للإستغلال و التمديد ؟
القصة :
بعد مرور عامين على إنتهاء أحداث الموسم الثانى و نجاح هروب الفريق من إسبانيا ، يستعرض المسلسل حياة الشخصيات بعد العملية و حالة الرغد و الثراء التى أصبح يعيش فيها كل منهم حتى يرتكب الثنائى طوكيو و ريو خطأ فادح يؤدى لكشف مكانيهما و القبض على ريو ، ليجتمع الفريق مرة أخرى و تنطلق الأحداث .
السيناريو :
لمناقشة مميزات و عيوب السيناريو بالشكل الأمثل علينا أولاً تحديد نوعية التحديات الذى واجهها كتاب سيناريو هذا الموسم و كيف قاموا بالتعامل مع كل منها :
1- تقديم بداية جيدة و مثيرة بالإضافة إلى تقديم أسباب منطقية للقيام بعملية سطو أخرى نظراً لكون الجزء السابق ختامى لجميع الخطوط و الشخصيات دون أى تلميح لأجزاء قادمة أو نية من أى منهم للعودة إلى السرقة .
– لنحق القول فقد استخدم كتاب السيناريو طريقة كلاسيكية و لكن آمنة بالقبض على ريو و اجتماع الفريق مرة أخرى لإعادته ، و لكن مع تقدم الأحداث يضيف المسلسل إلينا أسباب أخرى خفية لقيام هذه العملية ، و ليس فقط اختطاف ريو و تحدى نظام الدولة .
2- التغلب على مخاوف الكثيرين من مشاهدة نسخة من العملية السابقة ربما تكون أكثر رتابة و مللاً لكوننا هذه المرة نعرف الشخصيات بمميزات كل منها و ثغراتها أيضاً.
و هنا واجه السيناريو التحدى الأكبر الذى يهدد نجاح هذا الموسم على عدة أصعدة أهمها :
– حل بعض مشاكل الموسمين السابقين و ذلك من خلال التغلب على مشكلة الرتابة النسبية التى عانى منها بالحلقات الخمس الأولى على سبيل المثال لنرى الحماس و الإثارة متواجدين هنا منذ اللحظة الأولى و بشكل تصاعدى ، لتصل إلى مرحلة التفجر فى اللحظات الأخيرة.
– الحفاظ على البصمات الناجحة للموسم الأول دون انخفاض فى جودتها كالإستخدام المستمر للفلاش الباك لشرح الخطط بالإضافة إلى إستمرار تواجد ألعاب العقل و الخدع الذكية التى لا يكف البروفيسور عن إبهارنا بها .
– البعد عن تكرار أحداث أو تتابعات بعينها من المواسم السابقة منعاً للملل و دفعاً للرتابة عن المشاهد .
– اتخاذ مهمة أكبر و أصعب ، بتحديات و مخاطر أكبر ، و نسب النجاح تقترب فيها من الإستحالة ، فهذه المرة لا يطبعون فقط الأموال ، لكنهم يسرقون مخزون الإحتياطى الدولى الإسبانى من الذهب من قلب العاصمة مدريد ، و ذلك يجعل أبطالنا فى مواجهة كل جهاز له علاقة بالأمن الوطنى للبلاد فى إسبانيا .
– رفع معدلات الذكاء و الشراسة لجانب الشرطة بإضافة شخصيات أكثر حسماً و ذكاءً متمثلين فى كولونيل ماتيو و أليثيا سييرا مما يجعلنا نرى كلاً البروفيسور و راكيل فى مواقف لا يحسدون عليها على الإطلاق بالإضافة لزيادة نسبة الخطر المحدق بالفريق و زيادة عدد محاولات الإختراق كذلك .
– خطة البروفيسور هذه المرة ليست من صنعه ، لذلك صنعت على عجلة و لم يتم مراجعة كل احتمالية فيها بالشكل الكافى كما بالعملية الماضية ، لنرى فى هذه المرة بالعديد من المرات وقوع أحداث غير متوقعة دون أن يجد البروفيسور لها حلول مكتفياً بالمشاهدة و الترقب .
3- مخاوف من طريقة إعادة شخصية برلين إلى المسلسل بعد موته مع نهاية أحداث الموسم الثانى .
– يعود هنا السيناريو للطريقة الكلاسيكية مرة أخرى للجمع بين المنطقية و إرضاء الجماهير كذلك ، ليعيد برلين فى مشاهد فلاش باك تعود بنا إلى أحداث ما قبل كل شئ ، و توضح ان هذه العملية من تخطيط برلين و ليس البروفيسور ، لنعود من فترة إلى أخرى إليه ليشرح أجزاء من خطته فى محاولات لإقناع البروفيسور بالخطة التى كان يراها فى ذلك الوقت خطة يستحيل تحقيقها .
ربما من السلبيات التى يجب ذكرها هى سذاجة بعض الخدع فى هذا الموسم و ربما أوضحهم هى طريقة دخول أعضاء الفريق إلى المكان من الأساس ، و التى احتوت على قدر كبير من الكسل و الاستسهال بنقطة حساسة للغاية يصعب على المشاهد إهمالها .
سلبية أخرى تتمثل فى إعادة شخصية أرتورو “المزعجة” بشكل غريب غير مقنع و غير مبرر ، و محاولة تكوين صراع نفسى لشخصية مونيكا مرة أخرى لكونها أماً لابنه و حبيبته كما يدعى .
يبقى السيناريو بشكل عام مميز و ممتع و استطاع اختتام الموسم بشكل استثنائى و متفجر لمرحلة لا أظن أننا قد وصلنا إلى ما هو مقارب منها على مستوى الإثارة فى أى من الموسمين السابقين.
الحوار :
أغلب حوارات هذا الموسم كانت جميلة جداً بعضها قد يصل إلى مرحلة التفرد و الإمتياز كحوار باليرمو مع نيروبى عن الحب ، أو حوار البروفيسور مع برلين ببداية الحلقة الأخيرة .
استطاع الحوار أن يتلون بلون كل شخصية و التعبير عن تطور الشخصيات و علاقاتهم بنجاح تام .
لم يعانى الحوار إلا من مشكلة بسيطة تمثلت فى بعض الحوارات التى لا تحمل أى معنى أو هدف و رغم ذلك تستغرق فترات أطول من المطلوب .
أود التقدم بشكر خاص لصناع المسلسل على الحوار الجميل الذى جمع بين موسكو و برلين فى فلاش باك يعود لفترة ما قبل العملية الأولى و الذى يختتمه برلين قائلاً لموسكو :
” إن دخلنا معاً ، إذن فسنخرج معاً “ فى إشارة جميلة على ترابط مصيريهما و موتهما معاً .
الشخصيات و الأداء التمثيلى :
قدم la casa de papel الموسم الثالث مجموعة من الشخصيات الجديدة لمحاولة تعويض الشخصيات التى خسرناها بالموسم السابق و على رأسهم موسكو و برلين فهل نجح فى ذلك ؟
الإجابة هى نعم و لكن بشكل جزئى ، فالإعتماد الأكبر كان على إرتفاع عامل الإثارة و المتعة الذى سبق و شرحته ، فلم تصل أى من الشخصيات لكاريزما برلين أو قدرة موسكو على التجسيد الدرامى المتناغم مع الكوميديا الجميلة ، و لكن ذلك لا يقلل أبداً من الإضافة التى قدمها كل منهم للموسم ؛ لذا دعونا نحلل كل شخصية بشئ من التفصيل .
أليثيا سييرا : المحققة الجديدة و التى تمتاز بالقسوة و الذكاء الحاد ، و التى تمثل الإضافة الحقيقية لجانب الشرطة على مستوى الخطورة ، أداء الممثلة كان جيد و لكن يعيبه بعض المبالغات التى لم تكن لصالح الشخصية برأيى .
بشكل عام شخصية هامة و أتوقع أن يكون ظهورها أكبر الموسم القادم مع توغل محتمل إلى حياتها الشخصية و التى لا نعرف عنها شئ الا كونها حامل إلى الآن .
كولونيل تامايو : شخصية جديدة أخرى تزيد من ثقل جانب الشرطة نظراً لوضعه تحت ضغوط كبيرة تدفعه هو الآخر لإتباع كل الخطوط و محاولة ايجاد أقل ثغرة للإقتحام مما يجعله مصدراً للخطر على الفريق كذلك ، تجسيد الشخصية كان ممتاز للغاية سواء على مستوى اظهار مدى خطورته أو كذلك تأثير ألعاب ذكاء و خدع البروفيسور عليه و التى منها ما يهدد حياته و مصير الدولة بالكامل .
باليرمو : الشخصية التى أثارت الجدل هذا الموسم و التى قال البعض أن Netflix أرادت تعويض بيرلين به ؛ و هو ما كان صحيح نسبياً بالمناسبة ؛ و بالرغم من جمال الشخصية و كذلك التجسيد الممتاز لها إلا أنها عانت من التشابه الكبير فى بناءها مع شخصية برلين ، و جعله بمركز القيادة كذلك مما جعله فى مقارنة مباشرة مع الشخصية الأقرب لقلوب محبى المسلسل ، مقارنة لن تنصفه و بالتأكيد لن يفوز بها أبداً .
نيروبى ، دنفر ، طوكيو : أداء جميل من الثلاثى ،فقد شهدت الشخصيات الثلاثة تطور ملحوظ على مستوى العلاقات و على مستوى الصفات كذلك ؛ فأصبحوا أكثر جدية و أكثر خبرة و شعوراً بالمسؤولية مع الحفاظ على الصفات المعروف بها كل شخصية كذلك فى توازن يستحق الإشادة و الإعجاب .
راكيل : نرى راكيل هذا الموسم فى غرفة العمليات بجانب البروفيسور لتصبح رسمياً عضواً فى الفريق ، أعجبتنى التطورات و التقلبات التى تحدث فى علاقتها مع البروفيسور ما بين الاستقرار و التذبذب و التى استطاعت أن تجسده ببراعة و مدى تأثير هذه التقلبات على مسار العملية ككل .
البروفيسور : الشخصية الأفضل هذا الموسم و التى شهدت أكبر قدر من التطور و التغيير الذى يمكن وصفه بالجذرى أحياناً ، لنرى تغيير العديد من معتقدات البروفيسور و كسره لكثير من قواعده ؛ فنراه يقود العملية بخطة ليست متكاملة رغم علمه بذلك ، نراه يقود العملية و بجواره حبيبته رغم نصيحته لبرلين بأن وجود المشاعر فى هذا العمل أمر غير مقبول .
تجسيد ممتاز كالعادة للشخصية و التى حصلت على أكثر من مشهد للإنفجار تمثيلياً و ينتهى الموسم بذروة التطور و التغيير و التى استطعنا قراءته من نظرات البروفيسور .
– ظهور جميل لبرلين يمكن القول أنه كان كافى له أن يسرق الأضواء فى كل مشهد متاح له ، شخصية رائعة بكل تأكيد و أداء مميز يستحق الإشادة .
الإخراج :
كان عنصر الإخراج مميزاً بشكل كبير هذا الموسم على كل المستويات ؛ فاستطاع نقل مشاعر القلق و التوتر إلينا بكل طريقة إخراجية ممكنة من حركات الكاميرا إلى زوايا التصوير و الإضاءة .
نجح فى تقديم مشاهد أكشن ممتازة أيضاً بكفاءة أعلى من التى شاهدناها بالموسم الماضى الذى عانى من مشاكل إخراجية بهذه النوعية من المشاهد .
يجب الإشادة أيضاً بمستوى الإنتاج المميز لدى نتفلكس و التى استطاعت من خلاله رفع مستوى المسلسل إنتاجياً بشكل واضح و كذلك ساعد الإخراج على تقديم مشاهد أفضل و أكثر إحترافية .
الخلاصة :
la casa de papel الموسم الثالث مميز تعدى توقعاتى شخصياً و استطاع التغلب على كل مخاوفى ليقدم تجربة غنية بهذا الكم من المتعة و الإثارة و التجديد .
تقييم الموسم الثالث هو 9/10 .