نقدم لكم مراجعة فيلم the Furance، ولكن قبلها يجب ألقول أن هناك من يقول أن التاريخ قد يصمت ويتجاهل الأحداث لكنه لا يموت بتاتا ، ولا تزول معالمه مهما مرت الأزمنة وتوالت الأعوام واحدةً تلو الأخري، ولهذا لم يتناسي البعض ذاك الماضي المظلم التي عاشته “أستراليا” خلال فترةٍ زمنية حيث تشعبت فيها الكراهية والعنصرية، وأمتد أيادي البيض تفتك بسكان الأرض الأصليين بكل وحشية غائرة ودوافع غوغائية للبطش والإهانة بهؤلاء الناس دون أدني مبرر لمثل هذه الأفعال.إن تذكر مثل هذه الأحداث لم يتكرر تقديمه داخل صفحات كتبٍ ومذكرات أو كمواد ثقافية وعلمية تتردد علي أسماع الناس في الندوات وما شابها، بل تناقلته عدة وسائل مرئية ووثائقية علي رأسها ،وهي المحببة عند جموع الناس، السينما وشاشة العرض التي تفيض بصورٍ من وحي واقعٍ أو تعود بالزمن إلي الوراء وتنور ما لا يعرفه أحد،صراعاتٍ ومشاهد ويومياتٍ مثقلة بالقصص تحترق فيها بشرية ليس ذنبها أنها جائت الحياة بتلك الهيئة وبمشيئة آلهية لا يمكن أن يتدخل فيها أعتي صانعي القرار في هذه الدنيا الخراب.
افضل افلام مقتبسة من روايات في التاريخ
مراجعة فيلم The Furance
فيلم The Furance يعد التجربة الأحدث للسينما الأسترالية التي تروي، علي شاكلة أفلام مثل “The Nightingale” أو “Sweet Country” قصةً ذات لغةٍ درامية عنوانها الشجن، تتكلم بلغة الضياعٍ الموحشة حيث تحكمها أحكام السيطرة المطلقة وما تفعله من أجل أن تتصدي لرغبة هؤلاء الذين يرغبون الحياة كسائر البشر، وتتألم في الوقت الذي يحدث فيه ما يبرر الصدمة المطلة علي محيا من يعاصر المواقف العصيبة مثلما يعيشها البطل، رحلةٍ سينمائية بطلها “أحمد مالك” بملابسه الرثة ووجهه شاحب الذي يلطخه الغبار،وعيناه التي تناشد النجاة في ظل تهاوي من حوله علي نحوٍ مأساوي.
افضل افلام دراما 2020 التي ستشاهدها على الإطلاق
قصة فيلم The Furance
تدور أحداث فيلم The Furance عن فتي شاب يدعي “حنيف” تقتاده الظروف لمقابلة أحد لصوص الذهب الأستراليين ويدعي “مال” والذهاب معه صوب إحدي الأفران السرية من أجل إعادة ضبط سبائك الذهب وإزالة علامة التاج الملكي من عليها، ولكن طريقهما لا يمكن أن يكون غير محفوفةٍ بالمخاطر في ظل التحرك المستمر من قبل إحدي رقباء الشرطةٍ بصحبته مجموعةً من الجنود وسط الصحاري المقفرة التي تداعب سفرائها الحالمين في طريقهما نحو تحقيق هدفهما.عَمِل المخرج وكاتب السيناريو “رودريك ماكاي” علي توازن القصة بين كونها إستعراضاً لماضي حدث بالفعل وبين كونها رحلة بحثٍ عن ذاتٍ وهوية قد تحدث تغيراً ملموساً في حياتها، حيث نشهد تواجد عدة شخصيات من السكان الأصليين يمنحهم السيناريو الفرصة للتعبير عن ما يدور في أذهانهم، وأيضاً يقدم لمحاتٍ عن ما قد يتعرضون له فجأةً من إبتلاءات تصل لحد القتل وسفك الدماء.
كما أن “ماكاي” أدرج قصته داخل إطار سردي أشبه بقصص الغرب الأمريكي ولكن بإختلاف الشخصيات وطبيعة الأحداث وتفاصيلها، والأهم من ذلك أنه لم يجعل من الفيلم مادة رسائل مباشرة أو دروسٍ من وحي التاريخ، بل كان هناك ضمانٍ بأن العمل سيحمل صفات فيلم الويسترن الذي يعطي لأحداثه طابع المغامرات التي تسمح بومضاتٍ من الدراما والعلاقات الإنسانية مثلما هو موجودٍ في “The Furance” في نواحيٍ كثيرة.يتمثل عيب الفيلم في إيقاعه البطئ في الكثير من الأحيان والمط الذي أصاب بعضاً من المشاهد علي المستوي الحواري خصيصاُ، وهذا لأن السيناريو يكفيه تماماً أقل من ساعتين كمدة عرض زمنية لتقديم ما يلزم من أجل تغطية كافة جوانب الحبكة والنظرة العامة علي تاريخ “أستراليا” المظلم،ولكن تتعدل الأوتار بالقرب من النهاية حينما تصل الأحداث لنقطة مفصلية في سياق القصة ترتب عليها بضعة أحداثٍ رفعت من نسق الفيلم ولو بالقليل، والذي يعتبر طرحاً شافياً ووافياً لتلك الفترة من سجلات الماضي التي يعاد إكتشافها واستخراج المجهول منها.
علي المستوي الإخراجي، يستفيد “رودريك ماكاي” ومدير التصوير “مايك مكديرموت” من البيئة الصحراوية ل”أستراليا” من خلال الإعتماد علي التصوير من علي بعد بينها وبين الشخصيات من أجل أن يدرك المشاهد وحشة هذا المكان القاطب في القسوة والجفاف والموات،ما يلفت الانتباه أيضاً هوا اللجوء للقطات الواسعة أو ما تعرف بإسم “Wide Shots” تعكس بدورها مدي وعورة الموقف الذي قد يتعرض له ضعاف البشر ضد معادييهم، تجلي ذلك في إحدي اللقطات في النصف الأول من الفيلم نجح رغم دمويته في إثبات تلك المعضلة والتي تشكل بدورها الفكرة الرئيسية للعمل برمته.ربما يشكل الفيلم فرصة للثناء علي التطور الكبير في أداء النجم المصري الشاب “أحمد مالك” ، وهو الذي يقدم هنا تجسيداً يتتبع فكرة التعبير بلغة الجسد، حيث نجح في التعبير فقط بعيناه الواسعتان عن الحالة الحسية للشخصية والتحول بنفس النمط والطريقة كما يريد السيناريو الذي يرسم شخصية “حنيف” في هيئة الرجل المصممً بسذاجة على صنع حياة لنفسه في “أستراليا” إلى أن يحدث ما لا يجب ذكره لتجنب الحرق.حتي حينما تتصاعد حدة الأحداث، يبقي “مالك” ايضاً علي درجة الإنسانية التي تتمتع بها الشخصية منذ البداية ،مما يمنم أداءه رونقاً خاصاً وهو في هذا السن الصغير، يقابله علي الجانب الاخر الممثل الاسترالي “ديفيد وينهام” الذي بدأ يظهر تقدماً ملحوظاً في التمثيل في الادوار المساعدة الذي يظهر فيها ، وذلك بفضل تصميم شخصية “ماد” التي يفصلها بين الموت شعرة ستودي بحياته البائسة التي يملؤها الماضي سواداً لا يحتمل.“وينهام” الذي يعد من نجوم الصف الثاني أو الثالث بهذا الاداء يقترب خطوة هامة في مسيرته لما قدمه من ارتجال انفعالي يناسب طبيعة شخصية “ماد”، وصلابة ملحوظة في التعبير الدرامي، ولعل ذلك النجاح يشكل دافعاً له وصناع الأفلام من أجل إعطاءه المزيد من الفرص لما يمتكله من إمكانيات عالية.
في الختام، يعد فيلم The Furance فرصة جيدة تبرز رغبة صانعه في لفت الانتباه إلى الجوانب التي يتم تجاهلها عادةً من التاريخ، وخصوصاً حينما يتعلق ذلك بالحياة الاستعمارية الاسترالية التي تزخر بعديد الأحداث الحقيقية، فيلماً نجح في إكساب شخصياته الرئيسية والمساندة الكثير من الأهمية، وأضفي الحس الدرامي القصة بعدسة كاميراته واختياره المثالي للمكان والزمان، فكل ذلك عوامل تجعل الفيلم بالرغم من عيبه الوحيد تجربة سينمائية تستحق الإشادة والتقدير.