فيلم Nightmare Alley عندما يصدق الإنسان أكاذيبه يعمي تماماً عن الحقيقة ، تزداد قناعته بأن ما يعتقده صحيحاً لا غبار عليه ، فيكذب أكثر ويجعل تلك الكذبة كبيرة وبسيطة ويكررها ويسهل علي الجميع من المغيبة عقولهم تصديقها في نهاية المطاف، والأسوء من ذلك أنه لا يدرك قدر الورطة التي من الممكن أن يوقع نفسه من خلاها فيما بعد ، ومن الممكن أن تكون العواقب وخيمة يخترع علي إثرها عشرين كذبة وكذبة من أجل النجاة من جحيم النتائج المترتبة علي ذلك، ولكن للكذب حبلٌ قصير وسرعان ما سينكشف ويقع الإنسان ذو الوجهين ضحية حصائد أعماله الملتوية.
شرور إنسانية يعكسها المخرج المكسيكي “جيلرمو ديل تورو” المتيم بالحكايات الخرافية والرعب كما شهدت مسيرته الحافلة بالأعمال من تلك النوعية، ولكن هذه المرة يقدم “ديل تورو” نفسه هذه المرة في إعادة إحياء لفيلم Nightmare Alley عام 1947 المنتمي لفئة الإثارة والتشويق و”الفيلم نوار” ذلك التصنيف الكلاسيكي الذي يتميز بأجواءْ من الدراما والجريمة والدوافع السوداوية لغالبية الشخصيات.
مراجعة فيلم A Hero – تجلي جديد و رفيع المستوي للسينما الإيرانية الواقعية
عملٌ سينمائيٍ يبرع فيه كالعادة “ديل تورو” في إستخدام أدواته الإخراجية بشغف عامر للسينما كما جرت العادة، ولكن ربما لم يمتد ذلك الإبداع في السيناريو الخاص بالعمل، والذي كان يحتاج إلي إنضباط أكثر في لغته السردية تلافياً للعيوب الذي سنتحدث عنها داخل تفاصيل تلك المراجعة المفصلة لفيلم Nightmare Alley.
قصة فيلم Nightmare Alley
تدور أحداث فيلم Nightmare Alley عن “ستانتون كارلسلي” الذي يرتحل لإحدي الكرنفالات المتنقلة التي يتمكن خلالها من كسب المعرفة الازمة التي مكنته من أن يصبح بارعاً في الخداع والإحتيال علي ذوي الطبقات العليا، وتساعده في ذلك طبيبة فاتنة و مختصة في الأمراض النفسية.
مراجعة فيلم Nightmare Alley
يقسم “جيلرمو ديل تورو” العمل لنصفيين متساويين نتتبع من خلاله رحلة صعود شخصية “ستان” منذ البداية وحتي وصوله لتلك المكانة الكبيرة وسط شريحةٍ معينة من الناس بما يتضمن ذلك التحديات الصعبة التي واجهته في الوقت ذاته، وإستطاع “ديل تورو” مع “كيم مورجن” بناء الأحداث بطريقة تصاعدية كأنهم درجات سلمٍ يصعد بالمشاهد حتي النهاية الحاسمة التي نتعرف عن طريقها علي مصير الشخصية وما سيترتب عليه نتيجة أفعالها وقراراتها المتخذة.
ذلك العنصر الإيجابي يقابله خللٍ كبير في الإيقاع العام للفيلم وخصوصاً في النصف الثاني منه، فقد بدي وجود الكثير من البطئ والهدوء في الفصل الأهم للقصة بعدما تم التمهيد بعناية وبتفصيل واسع في الأحداث لشخصية “ستان” والركيزة التي إعتمد عليها ليكون ما هو عليه لاحقاً، لم يستفيق الفيلم سوي في آخر ربع ساعةٍ منه وذلك بعدما مر ما يقارب الساعة وقد غلبت اللغة الحوارية علي طبيعة الأحداث نفسها وصار فقدان الإهتمام بالتفاصيل فاترٌ للغاية.
علي الجانب الأخر ، يعوض “ديل تورو” ذلك الإخفاق بإرثاء الفكرة العامة للعمل بطريقتين سواءاً كانت مباشرة علي لسان الشخصيات أو من خلال المواقف التي نتعرض لها من خلال شخصية “ستان” وأفعاله المبنية علي الكذب وخداع الأخرين، مجملاً لا يعرف أحد ما إذا سينال سيناريو “جيلرمو ديل تورو” و”كيم مورجن” ترشيحاً في الأوسكار القادم أم لا، ونحن علي مقربة من إعلان الترشيحات لاحقاً حينها سيكون هناك إجابةً شافية لهذا السؤال.
إخراجياً ، لا يزال “ديل تورو” يعتمد المؤثرات العملية دون إستخدام التكنولوجيا والمؤثرات الحديثة في تقديم تكوينات بصرية معدلة بأحدث الأساليب والتقنيات الجديدة ، بالإضافة إلي الإختيارات الدقيقة للديكورات والملابس التي تناسب الفترة الزمنية للأحداث، وكذلك إختيار الألوان ودرجاتها المختلفة والكادرات التصويرية القريبة التي تبروز بسهولة إنطباعات الشخصيات وأحوالهم الحسية سواءاً منفردين أو في تعاملاتهم مع بعضهم البعض.
يمتاز الفيلم بفريق تمثيلي علي أعلي مستوي وبدرجاتٍ كبيرة من الموهبة والإتقان في التجسيد، أفضلهم وعلي رأسهم بطل العمل النجم “برادلي كوبر” الهادئ والقادر علي التعامل مع الشخصيات التي يقدمها بجدية تامة وإبراز ما تمر به من لحظات إنفعال وحب وخبث ودهاء بتباين كبير بينهم، والنجمة الكبيرة “كيت بلانشيت” التي تبرع للمرة الثانية في أدوار الشر بإجادة مثالية للتعبيرات المريبة التي تتمتع بها شخصية دكتورة “ليلث”، وكذلك النجمة الحسناء “روني مارا” التي كونت ثنائية جيدة مع “كوبر” في لحظات معينة سواءاً رومانسية أو درامية.
في الختام ، ربما لا يعد فيلم Nightmare Alley من أفضل أعمال 2021 ، ولكن علي عكس عمل “جيلرمو ديل تورو” الأخير “The Shape of Water” ، هناك إهتمام كبير بتقديم فكرة سينمائية جيدة لا تحمل أية أجندةٍ سياسية أو عوامل من تلك التي تضعها الأكاديمية معايير محددة لها في ترشيحات الأوسكار، وتتسبب في فوز إصداراتٍ سينمائية قد لا تستحق التتويج بالجازة الأهم في صناعة السينما علي الإطلاق.