الفن أو الفنون هي نتاج إبداعي إنساني، وتعتبر لونا من الثقافة الإنسانية، لأنها تعبيرٌ عن الذاتية، وليس تعبيرا عن حاجة الإنسان لمتطلبات حياته رغم أن بعض العلماء يعتبرون الفن ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام.
ويُعتبرُ الفنُّ نتاجٌا إبداعيّاٌ للإنسان حيث يشكّل فيه الموادَّ لتعبّـر عن فكره، أو يترجم أحاسيسه، أو ما يراه من صور، وأشكال يجسدها في أعماله.
فيقولُ العالم الفيزيائي آينشتاين (لو لَم أكن فيزيائيّاً، مِنَ المُحتَمَل أن أصبِحَ مُوسيقيّاً، غالباً ما أفكّر بالمُوسيقى، أحلامُ اليَقَظةِ لَدِي مُوسيقى وأنظرُ إلى حَياتي بدلالَةِ المُوسيقى، أجمَلُ أوقاتي هِيَ تلكَ التي أقضيها بالعزفِ على الكَمَان).
لأنّ الفُنونِ الجَميلة دائِماً تِلعَبُ دَوراً مُهِماً فِي المُجتمع الإنساني، وتجعَلُ الإنسان أكثر رقياً، لأنّ الحيوانات لا تَعرِفُ الفنون ولا تُتقِنها سِوى البشر، فَهِيَ حالة من حالات الرّقِي الإنساني.
يعتقد الكثير أنّ الفنون لا مَعنى لها أو لا أهميّة لها، ولكِنهم لا يدركون أنّ الفنّانُين يُعَبّرونَ عَن مَشاعِرِهِم تجاه مجتمعهم والطبيعة وما تظهرهُ الحياةُ لَهُم مِن خِلالِ استخدامِ وَسيلَةٍ فَنيّة؛ فعلى سبيلِ المثال عندما نُشاهِدُ لوحَةٌ فَنيّة أو قِطعَة مُوسيقيّة فَهِيَ تُحرّر الفنان مِنَ الحالةِ التي يعيشُ فيها سواء كان الخوف، أو القلق، أو الغضب، أو أي مشاعِر مكبوتَةٌ فِي داخلهِ يُخرِجها لِكَي تقودهُ بعدَ ذلك إلى الاستقرار النفسي، لأنّ كَبتِ المشاعر والأحاسيس لفتراتٍ طويلة تُسَبب الكثير مِنَ العُقَد النّفسِيّة، و من هنا تأتي أهَميّةِ الفَن فِي حَياةِ الإنسان إنّ العالم الذين نعيشُ فيهِ فِي الوقت الحالي يَعتَمِدُ على الجانِب المادّي (المال والمادّة)، والفُنون ليسَ لها أيّ علاقَةٍ بهذِهِ الجوانب فَهِيَ تعمل على إقامة توازُن بين المَظاهر الروحيّة الداخليّة للإنسان مَع الجوانب الماديّة فِي الحياةِ الإنسانيّة، فَعلى سبيلِ المثال عندما يقوم الرسّام برَسمِ لوحَةٍ فَنيّة فَهُوَ يَستَخدِمُ مَشاعِرهُ المَكبوتة ويحاول أن يوصلها مِن خلال رسمتهِ إلى العالم باستخدامِ أدوات رسم بسيطة تجعل مِن هذِهِ اللوحة ذُات قِيمَةٍ مَادِيّة، فالفن دائماً يرتبط بالإبداعِ والعبقريّة، لذلِكَ أهميّة الفنون تكمن في حياةِ الإنسان بـ: إشباعُ الرّغباتِ الرُوحِيّة : الغَريبُ أنّنا فِي الوقتِ الحالي الجميعُ يَركُضُ وراءَ المَادّة وينسَى الجانِب الرُوحِي مِن حَياتِه فَيُصبحَ إنسانٌ بِلا مَشاعِر، وَيَجِب أن تُشبَع الرغبات مِن خِلالِ الفنون الجميلة مِثلَ سماعِ الموسيقى، وكتابة الشعر، والعزف، إلخ… أي فن من الفنون تَجِدُ فِيهِ القُدرَةِ على إخراج أجمَلَ ما فِي داخِلِك لكي تُشبِع حاجاتُكَ الرُوحِيّة مَعِ الحِرصِ على الجانب المادّي، لأنّ كُل إنسان لَديِهِ ألم صامِت في داخله ولا يَجِب أن يبقى طويلاً، والفَن وسيلة مِن وسائِل إخراجِ و التعبير عن هذا الألم على شَكلِ فَن.
و كُل إبداع تُبدِعَهُ اليد البشريّة يُطلَقُ عليهِ فَن طالَما يُحقّق قِيمَة جماليّة جوهَرُها الأساسي إرادَةِ الإنسان، فَعَلى سبيلِ المثال من يقوم بتصمِيمِِ السيارات ويطبّقُها على أرضِ الواقع هُوَ فَنان، والمصوّر، والمصمّم، والمبدع فِي العَمَل كلّ هذه الأمور هِي فنون؛ فحاول أن تَجِدَ الفن فِي حياتك لأنّ الفن يلعب دوراً هاماً فِي المَجال الذي تَعيشُ فِيه وتستطيعُ مِن خِلالِ خَيالك أن تَبنِي الحياة التي أنتَ تريدها، فالخيالُ والعَمَل هُم أساسُ الفَن والحياةِ بأكمَلِها.
فيسعَد الإنسان عند سماعه لصوت جميل، أو عند رؤيته لآية من آيات الجمال سواء كانت مخلوقة من الله – عز وجل -، أم كانت مصنوعة ابتدعها البشر فكانت من نتاج عقولهم وقلوبهم معاً، فالفن هو الإبداع وهو الجمال المتجسد بشكل مادي، فلا يمكن أن تصنف الأعمال البشرية على أنها فن من الفنون سواء المرئية أم المسموعة أم الملموسة، إلا إن كان الجمال صفتها الغالبة عليها، فالإنسان يحتاج لوجود الجمال في حياته، وهو بالتالي يحتاج للفن أيضاً الذي هو الطريق إلى الجمال وإلى الراحة النفسية.
الموسيقيون والأدباء والرسامون والشعراء والسينمائيون وغيرهم، كل واحد من هؤلاء يستطيع خلق الفن الخاص به، فالموسيقي يغني أرواح من يستمعون إلى موسيقاه، والأديب يغني الخيال عند المتلقي، أما السينمائي فيستطيع عن طريق فنه أن يعمل على إغناء العين والروح والأذن لدى من يشاهد الفيلم، إضافة إلى أن الفيلم يستطيع يدخل إلى العقل خصوصاً إذا كان الفيلم يتمحور حول موضوع فكري مطروح في القديم أو الحديث مما يجعل المشاهد في قمة تفاعله مع ما يشاهده فالفيلم أداة سحرية عجيبة من نوعها.
إن تواجد الفنون في حياة الجماعات، هو بالقطع ظاهرة صحية وجميلة تشير إلى ثقافة المجتمع ونوعيته واهتمامته التي ينصب تفكيره عليها، حيث أن الفنون تعمل على اطمئنان النفوس وسكونها، وراحة العقل من عناء التفكير في القضايا المختلفة، خصوصاً عندما تكون هذه الفنون مربوطة بالنواحي الروحانية والوجدانية، فالموسيقى الصوفية على سبيل المثال تنقل الإنسان من عالم إلى عالم آخر ملئ بالروحانيات مما يعطيه طاقة عجيبة وقدرة على البقاء والمقاومة. وظهور الانحرافات المسلكية والخلقية والتطرف في مجتمعاتنا قد يكون إحدى أسبابه انعدام الفنون التي تهذب النفس من مجتمعاتنا عن طريق تحريمه على أيدي من يسلبون الناس حرياتهم كعلماء الدين ومن والاهم من رجال السياسة.
فغياب الفنون من حياة الناس يفقدهم الإحساس بالجمال، وفقدان الإنسان للإحساس بالجمال هو مدعاة قطعاً إلى العنف وطغيان الحياة المادية على الحياة، ودمار النفسيات وتحطمها، و غياب الأخلاق القويمة الحسنة التي تساعد على الارتقاء بالمجتمعات والنهوض بها، وتحسين الذائقة العامة عند المجموع، وزيادة الحب والعلاقات الاجتماعية بين الناس.
فالفن من أهمّ ما تركه الإنسان على وجه الأرض وساعد على تطوير البشرية للأفضل، من أفكار الفنانين ظهرت الابتكارات والاختراعات التكنولوجيّة التي سهلت الحياة على الإنسان، كما ساهم بعض الفنانين بالفعل في ذلك التطوير من خلال ابتكارات مباشرة. ومن خلال الفنون تقاس حضارات الشعوب ومدى تقدّمها، فالثابت أنّ الحضارات القديمة كان من أبرز ما تركته للبشرية هو الفنون التي تمثلت في النحت والتصوير وغيرها.
ولعلّ الوظيفة الرئيسة للفن هي تهذيب النّفس البشريّة، و الارتقاء بها إلى أعلى مراتب التعبير الجماليّ.
وفي معظم المجتمعات القديمة الكبرى كانت تُـعرف هوية الإنسان من خلال الأشكال الفنية التعبيرية التي تدلّ عليه كما في نماذج ملابسه, وطُـرُزها، وزخرفة الجسم، وتزيينه، وعادات الرقص، أو من الاحتفالية، أو الرمزية الجماعية الإشاراتية التي كانت تتمثل في التوتم (مادة) الذي يدل علي قبيلته أو عشيرته. وكان التوتم يُـزخرف بالنقش ليرويَ قصة أسلافه، أو تاريخهم. وفي المجتمعات الصغيرة كانت الفنون تعبر عن حياتها، أو ثقافتها.. فكانت الاحتفالات، والرقص يعبران عن سير أجدادهم،وأساطيرهم حول الخلْـق، أو مواعظَ، ودروس تثقيفية.
و الكثير من الشعوب كانت تتخذ من الفن وسيلة لنيْـل العون من العالم الروحاني في حياتهم.
وفي المجتمعات الكبرى كان الحكام يستأجرون الفنانين للقيام بأعمال تخدم اتّجاههم السياسي، كما كان في بلاد الأنكا بأمريكا اللاّتينية؛ فلقد كانت الطبقة الراقية تُـقبل على الملابس،والمجوهرات، والمشغولات المعدنية الخاصة بزينتهم
إبان القرنين 15م. و16 م.
لتدل على وضعهم الاجتماعي، بينما كانت الطبقة الدنيا تلبس الملابس الخشنة والرثة.
وحاليا نجد أن الفنون تُوظّف في المجتمعات الكبرى لغرض تجاري، أو سياسي، أو ديني، أو ثقافي.
إن قيمة الفنون في حياتنا ليست موضع شكٍّ، أو خلاف..فكلّ إنسان مفطورٌ بطبْعه على محبّة الفنون، فهو يشعر في أعماقه بالانجذاب إليها، على أساس أنها مجلبةٌ للذّة والسّرور، والنفس ميّالةٌ بفطرتها إلى الخير،والجمال، والحقّ، والفضيلة..
والفن هو محاكاة الجمال الطبيعي وصناعته، فالفن أداة السّموّ والإمْتاع..ووسيلة لحفْظ الهويّة.
المراجع:
[1]أ.أحمد محمد عوف.موسوعة حضارة العالم/فنون.
[2] ــ د.عمار طالبي.النزعة الإنسانية والجمالية عند ابن باديس.مجلة الأصالة العدد السابع.السنة الثانية.ماي/أفريل 1972
[3]ــ د.عبد العزيز عتيق.في النقد الأدبي.ط2 1972 دار النهضة