بقلم .. عبد المنعم أديب
يعيب الإنتاج العربيّ دائمًا عيب النمطيَّة؛ وهو أنْ نصنع إنتاجًا -أفلامًا أو مسلسلات- على نمط مضمون النجاح أو نستطيع فعله وننجح في تكوينه. مثلاً عندما نجح إسماعيل ياسين في نمط البساطة والسذاجة صارت كل أفلام على النمط نفسه، وعندما نجح فريد شوقي في نمط البطل الشعبيّ صارت كل أفلامه على النمط نفسه، ولم يختلف الأمر بعد عقود مع محمد هنيدي كالأول، وأحمد السقا كالثاني. وعندما تشاهد الحلقة الأولى من مسلسل “لعبة النسيان” قد تتيقن من أننا في طريقنا لنرى نمطًا جديدًا -قديمًا في الوقت نفسه- للممثلة “دينا الشربيني”.
المسلسل يدور حول قضيَّة غامضة فيها “رقية” (دينا الشربيني) زوجة لابن أحد رجال الأعمال الكبار يُدعى “يحيى” (محمود قابيل). وحينما تنجب رقية مولودها الثاني الذي يُسمَّى “يحيى” على اسم جده تسقط من فوق السرير. وينتقل المشهد بعدها إلى استيقاظها وهي تحاول إدراك ما حولها؛ فإذا بها تكتشف أنْ قد مرَّ عليها أربعة شهور في غيبوبة، وأنَّ عُمر ابنها “يحيى” الآن ستّ سنوات، وأنَّها دخلت الغيبوبة في إثر حادثة مريعة. حيث اكتشف زوجها في أحد الأيام خيانتها وصوَّرتْه كاميرات المراقبة في البيت وهو يدخل ثائرًا عليها وهي جالسة مع الذي يظنّ أنَّه عشيقها على المَسبح في القصر. ويبدو أنّ العشيق صديق للعائلة وعندما تتصاعد المشاحنات بينهما يقتل كلٌّ منهما الآخر.
تعرف “رقية” كل هذه الأحداث من ضابط الشرطة الذي يحقق في الحادثة والذي انتظرها طويلاً لتفيق من الغيبوبة ليكمل التحقيق معها. ونعرف من الطبيبة “إنجي المقدم” أنّها مصابة بفقدان جزئيّ في الذاكرة، وأنَّها ليست في حالة تؤهلها لأي تحقيق. ونرى على الجانب الآخر الجد “يحيى” وهو يصطحب حفيده “يحيى” ويحاول نسيان مقتل ولده بعد أن صار الحفيد كل أمله في الحياة. ونرى أيضًا ابنة “رقية” الكبرى “تمارا” وهي لا تطيق سماع أيّ خبر عن والدتها بعد أنْ صارت مصدر فضيحة تلاحق الجميع.
وواضح أنَّ الصراع سيدور فيما بعد على محاور: السعي للاحتفاظ بالحفيد بين رقية وجد الولد، والسعي للمّ شمل الأسرة ولو معنويًّا بين رقية وتمارا المتمردة، ومحاولة الخروج من الفضيحة والقضية التي قد تتورط فيها رقية. مع بعض المفاجآت التي قد تطرأ في الأحداث لمزيد من التشويق وصنع الغموض.
المسلسل من تأليف تامر حبيب، ومن إخراج هاني خليفة، ويشترك فيه الكثير من الممثلين مثل: أحمد داود، إنجي المقدم، محمود قابيل، رجاء الجداوي، علي قاسم. والمسلسل من تصنيف غموض، إثارة، دراما. لكن لِمَ قلنا عليه إنَّه تأكيد على نمط؟!
كل شيء في المسلسل يذكرك بمسلسل “دينا الشربيني” في الموسم الرمضانيّ الفائت “زي الشمس”. أولاً القصة التي أخذت من مسلسل أوربيّ، وفي هذا الموسم من مسلسل إيطاليّ كما الموسم السابق تمامًا حينما رأينا المسلسل مقتبسًا أيضًا. ولا أدري ما دور تامر حبيب إذا كانت القصة في الأصل مقتبسة، وإذا كان هناك فريق مكون من ثلاثة يكتب السيناريو والحوار إلا أنْ يكون دوره إشرافيًّا فقط. وهذا هو المرجح؛ وللأسف هذه الظاهرة سيطرت على الإنتاج منذ سنوات حيث يأتي الكاتب ذو الاسم بفريق يكتب المسلسل ثم يطبع اسمع عليه ليظهر جليًّا في كل الصحف وتظهر أسماء الكتاب الحقيقيين بين ثنايا الشارة في لحظات تعد على أصابع اليد الواحدة.
كذلك تصنيف المسلسل حيث يطابق تصنيف مسلسل الموسم الفائت تمامًا؛ كلاهما غموض، إثارة، دراما. والعجيب أن تنفيذ الغموض والإثارة تمَّ بالطريقة نفسها حيث تظهر مشاهد دراميَّة في أول الحلقة الأولى ثم يبدأ الغموض في الدخول إلى جو المسلسل العام، ثم يطغى على روح المسلسل مع أجواء دراميَّة لملأ مساحة الثلاثين حلقة. والملحوظ أنَّ مشهد الاسترجاع (الفلاش باك) الذي يغذي الغموض ينتهج نفس النهج في المسلسل السابق أيضًا؛ حيث به الموسيقى نفسها أو ما يشابهها، ثم ينتهي إلى أن يكون حلم أحد أشخاص المسلسل.
ويطابقه أيضًا تركيبة الدراما في العمل. فهناك شابة “دينا الشربيني” وهي المضطهدة التي يسعى وراء ظلمها جميع من حولها. وهناك أولاد ما بين سن المراهقة “تمارا”، وبين الطفولة والبراءة “يحيى”. وهناك أطراف اجتماعيَّة “الجد يحيى” للجوانب الدراميَّة في المسلسل. وهناك القضيَّة بغموضها وذكرياتها التي ستعود لنا في كل حلقة لتشوقنا للمزيد من المشاهدة.
هكذا تصنع النمطيَّة عند نجاح أيّ تيمة مع ممثل معين. كما أنَّ “دينا الشربيني” ممثلة ماهرة في الأداءات الميلودراميَّة، وهي تريد الخلطة التي ستبرز ما لديها من تمثيل، وتخاطب ما يصنع التفاعل بينها وبين الجمهور. لكن بالعموم وقبل كل شيء هي نمطيَّة تخلو من عيوب كثيرة يفعلها غيرها. فلننتظر ولنرَ ما ستأتي به الحلقات القادمة.