أحد أعظم الكلاسيكيات فى تاريخ السينما العالمية بكل تأكيد ، و لكن لماذا ما زال خالداً كل تلك الفترة ؟ لماذا لم يُعرِض عنه المشاهدون إلى وقتنا هذا رغم أن صورته بالأبيض و الأسود ؟ لماذا أرشحه لكم و بشدة اليوم ؟
هذا ما ستعرفونه فى هذه المراجعة .
القصة :
تدور أحداث الفيلم كاملاً فى غرفة المناقشة الخاصة بالمحلفين و المسؤولين عن اتخاذ القرار فى اعدام الفتى الشاب المتهم بقتل والده و ذلك بعد حكم المحكمة عليه بالإعدام .
السيناريو :
سيناريو الفيلم رغم قلة شخصياته ، فهم 12 فرداً فقط فى غرفة واحدة و فى مدة لا تزيد عن ساعة و نصف ، تميز بقدرة متفردة على التعريف بالشخصيات و طبائعهم مما يجعلك تصنف الشخصيات كمشاهد ،و يجعلك قادراً على التنبؤ بآراءهم و اقتراحاتهم على مدار أحداث الفيلم .
بالإضافة إلى البناء الرائع للشخصيات ، كذلك تطور مواقف الشخصيات كان مميز خاصة أنه يحدث فى نطاق زمنى ضيق جدا على مستوى الأحداث و كذلك نطاق جغرافى محدود .
تميز أيضاً بقدرة رائعة على التشكيك فى الأدلة التى تظهر فى البداية كأدلة دامغة على ارتكاب المتهم للجريمة ، مما يجعلك تعيد التفكير فى مدى تأكيدها على ارتكابه للجريمة ، و تدفعك أيضاً للتشكيك بشكل عام فى الأدلة التى يدعون أنها دامغة فى القضايا بشكل عام .
يعتبر هذا الفيلم من الأفلام التى نجحت و بشدة فى جعلى أتفاعل و أفكر فى تفاصيل الجريمة محاولاً معرفة حقيقة ما حدث ، و هى ميزة يرجع الفضل فيها للسيناريو و الاخراج معاً بالإضافة للحوار المبدع .
الحوار :
الحوار كان مناسباً لكل شخصية حسب بناءها و تميز فى مشاهد تبادل وجهات النظر بين الشخصيات المختلفة مع اختلاف طبقاتها الاجتماعية ، و طبائعها الشخصية ، و هو ما جعلك كمشاهد تتفاعل و تصدق أن حواراً كهذا يمكن أن يحدث فعلا .
الحوار أيضاً تميز بالرقى و البعد عن أى لفظ نابى أو غير لائق ، حتى عندما يصل الحوار إلى أقصى درجات الحدة و العصبية إلا أنه حافظ على المستوى الراقى حتى فى الإهانات ، مما جعلنا نحترم الشخصيات جميعاً مع اختلاف طوائفها و وجهات نظرها .
الموسيقى التصويرية :
كانت جميلة و متناسبة مع الحدث ، و بها تلك اللمسة القديمة التى لم نعد نراها فى موسيقانا اليوم .
الأداء التمثيلى :
عندما يكون لديك كل هذه المميزات على مستوى بناء الشخصيات فبالتالى هذا معناه أن لديك قدرات تمثيلية قوية تحت يد مخرج متمكن لإظهار ذلك ، فكان التجسيد متميزاً بشدة من الجميع بلا أى استثناء و لكنى أود تسليط الضوء على بعض الشخصيات :
جون فيدلر (رقم ٢):
تميز فيدلر فى تجسيد تلك الشخصية المترددة المتذبذبة ذات الشخصية الضعيفة و الحضور الواهن و التى لاتثق بنفسها أو باختيارها ، و أعلم أن الشخصية لم تكن تكن صاحبة الأهمية الكبيرة فى مسار الأحداث لكن جودة تجسيده جعلتنى أصدق تماماً أنه تلك الشخصية بالفعل و ليس أى شخص آخر .
لى . جى . كوب (رقم 3):
الأداء الأفضل فى الفيلم بقدرات تجسيدية مرتفعة و مشهد ختامى مسرحى تم تقديمه بامتياز ، و قدرة على تحريك عضلات الوجه لخدمة الحدث و تصدير الإحساس المطلوب للمشاهد سواء كان عدم اتفاق او كره او تعاطف .
اى.جى.مارشال (رقم 4):
تجسيد رائع للرجل المقتنع تماماً باستحقاق المتهم للعقوبة ، و لكنه قادر على الاستماع لرأى الغير و مستعد للإقتناع اذا كان الاقتراح مقنعاً بالنسبة له لدحض التهمة عن المتهم .
جاك كلوجمان (رقم 5):
يقدم شخصية معقدة تم تربيتها فى بيئة صعبة شبيهة بالتى عاش المتهم حياته بها ، و يقدم صراعاً بين تعاطفه مع المتهم لعلمه بما يمكن أن تؤثر به هذه البيئة على فتى فى عمره ، و إحساسه بأنه من قام بتنفيذ الجريمة لأن كل الأدلة تشير الى ارتكابه لها.
جاك واردن (رقم 7):
يقدم شخصية بلهاء لا يهمها حياة المتهم من عدمه ، إدانته من اعدامه فالحقيقة أن كل مايهمه هى تلك المباراة التى راهن على احد لاعبيها ؛ و قدم تجسيداً ممتازاً لها كذلك .
هنرى فوندا (رقم 8):
الشخصية المحورية التى تبدأ التشكيك فى الأدلة و تحريك الأحداث ، الشخصية الذكية الحيادية قدر الإمكان و الذى يقدر قيمة الحياة الإنسانية و مدى حجم مسؤولية الحكم بإعدام روح بشرية بريئة ،،
قدم الشخصية بأسلوب بسيط لكن متقن و محبب بالنسبة إلى شخصياً و استخدم نظرات العين كأداة أولى للتعبير عن مراده .
جوزيف سوينى (رقم 9):
يقدم ببساطة شخصية الحكيم الذى خبر الزمن طويلاً ، و رأى أنواع البشر ، و يعلم خبايا الإنسان جيداً ، و كانت شخصية محببة لى طوال فترة الفيلم و أفترض أنه كان محبباً للجميع.
إد بيجلى (رقم 10):
شخصية مقززة و من أكثر النوعيات التى أكرهها شخصيا من البشر بشكل عام ؛ تلك الشخصية المتهكمة ذات الصوت المرتفع و المدافعة عن المبدأ الباطل دون أى دليل يستند عليه أو يرجع اليه ، و لكن فقط لأهواء شخصية بحتة ؛ و حديثى هذا يدلل على مدى المشاعر التى تكونت بداخلى كارهة لتلك الشخصية مما يدل على نجاحه فى التجسيد و بامتياز .
الإخراج :
لابد أن يكون خلف الكاميرات التى أخرجت كل هذا الإبداع مخرج يعرف جيدا كيف يبرز كل تلك المزايا على الشاشة ؛ هنا أتحدث عن العظيم سيدنى لوميت .
يبدأ لوميت فى مشهد افتتاحى للفيلم بلقطة طويلة متصلة دون قطع ، فيستخدمها فى التعريف بالشخصيات من خلال حوارات سريعة و بسيطة و قريبة من الواقع أيضاً ، و كأنه يستعرض قدراته فى هذا المشهد و يخبرنا كمشاهدين أننا على أعتاب عمل عظيم لمخرج عظيم .
اختار لوميت أيضاً أن يقدم عمله باللونين الأبيض و الأسود مع العلم ان الفيلم من انتاج عام 1957 و حينها كانت الأفلام قد تم انتاجها بالألوان ، و كأنه يؤكد أن الفكرة و الأداء فى هذا الفيلم هم أكثر أهمية من جمال الصورة و تلوينها .
قدم أيضا بالإضافة لكل ما سبق من أداء للممثلين و عرض للأحداث كادرات رائعة جداً خاصة تلك التى تجمع عدد كبير من الشخصيات فى لقطة واحدة .
التقييم:
الفيلم بالنسبة لى و للكثيرين هو من الكلاسيكيات الخالدة ، و التى لم و لن تفقد قيمتها الفنية و يعتبر هو واحد من ثلاثة أعمال رأيتها فى حياتى و أخذت منى العلامة الكاملة إلى الآن .
تقييم الفيلم هو بالتأكيد 10/10 .
الآن انتهت مراجعتى للفيلم فنياً و لكنى أود مناقشة أفكار الفيلم معكم قليلاً :
– نرى أن الفيلم هدفه الأول و الأخير هو توضيح قيمة الروح الإنسانية ، و أن الحكم عليها بالموت لابد أن يكون عن طريق أدلة دامغة و موثقة لا مفر منها للإقرار بإرتكابه لجريمة تستحق عقوبة الإعدام ، مما يعيد إلينا قيمة الروح الأنسانية و مدى صعوبة تسليمها لشبح الموت بسهولة .
– الفيلم يوضح ما يمكن أن تصنعه البيئة الفقيرة القاسية ، و الإفتقار للحياة الكريمة ، و الجوع المضجع فى البشرية ، و أن علينا أن نحتوى هذه الفئات ، و أن نوفر لها الخدمات محاولين تعويضهم عن ما قاسوه فى حياتهم بدلاً من سجنهم أو الحكم عليهم بالإعدام .
– الفيلم أيضاً يركز بقوة على مشكلة الطبقية و احتقار نوعية معينة من المجتمع و اتهامها بأنها سبب الفساد فى الحياة و غض البصر عن الأخطاء التى تقوم بها الفئات الأخرى .
– من روائع الفيلم أنه لم يعلن بنهايته براءة أو إدانة الفتى المتهم ليوضح أن هذا ليس المقصد ؛ المقصد أسمى من ذلك ؛ المقصد هو تنوير عقلك أيها المشاهد لا أكثر .
شكراً لكم على القراءة و أعتذر عن الإطالة .