في بداية مراجعة فيلم Red Rocket، فإنه بحسب كلام المؤرخ “جيمس تروسلو أدامز” عام 1931 في كتابه “حلم أمريكا” قد قيل عن الحلم الأمريكي بأنه حلم تكون فيها الحياة أفضل علي كافة الأصعدة لجميع البشر بإتاحة لفرصٍ كثيرة لكل فرد حسب مقدرته وسعيه لتحقيق مبتاغه، ولكن بمرور الوقت إكتشفنا جميعاً بأن ذلك الأمر صعب الحدوث، وأن كل من إعتقد بأن الأمر سيتحقق فعلياً في ظل السبل التي تتيحها “أمريكا” لأبنائها للوصول لأحلامهم هو وهم ليس بالحقيقي ومجرد كلمات وثرثرات أصحاب مسؤولية يتعاقبون علي النطق بالأكاذيب والأقاويل التي في ظاهرها الحماس للأخرين ولكنها مجدر أكاذيب تسيل كماء نهراً يواصل جريانه اليومي دون توقف.
الرابط بين كل ما قيل وفيلم Red Rocket يقدمه مخرج العمل “شون بيكر” هو ظهور بعض اللقطات ل”دونالد ترامب” في إحدي حملاته الإنتخابية الذي يصيح من خلالها بكل نرجسية وخداع ب”أمريكا” التي ستتغير من خلاله للأفضل، وأن “الحلم الأمريكي” قادم وسيشعر به الجميع وبالتغييرات الإيجابية التي ستطرأ عليهم، ويؤكد “بيكر” ذلك بطريقتين مختلفتين أحدهما مباشرة وهي خلفية لأحداث فيلم Red Rocket” تنطلي من خلال شاشة تلفاز، والأخري هي شخصية “ميكي سابر” بطل تلك الحكاية التي تعد إنعكاس سينمائي للحلم الأمريكي الزائف.
واقعية سينمائية مختلفة علي “هوليوود” يقدمها المخرج المعروف بأفلامه المستقلة “شون بيكر” ويحمل الرقم سبعة في مسيرته بصناعة السينما يكمل من خلالها ما يحب تقديمه وهو تسليط الضوء علي الفئات المجتمعية المهمشة التي لا يلتفت إليها الهوليوودين ويتغافلون عنها، وذلك المنهاج لقي النجاح وبإستحقاق كبير بداية من فيلم “Tangerine” مروراً بفيلم “The Florida Project” الذي من وجهة نظر شخصية أرثي الإهتمام الكبير بالسينما المستقلة وبلغة الخطاب السينمائي التي ترتكز عليه شكلاً ومضموناُ.
اقرأ ايضًا: مراجعة فيلم The Florida Project
والإبداع يتواجد هنا في فيلم Red Rocket وبتفصيل سردي رائع يتعمد أن يكون صارخاً في فحواه لأنه من وحي أفعال نرجسية لا تحب إلا ذاتها وتتغذي علي التكبر والغرور من أجل تحقيق تطلعتها والعودة لوضعيةٍ كانت عليها في وقتٍ ما.
قصة فيلم Red Rocket
تدور أحداث فيلم Red Rocket عن “مايكي سابيرز” نجم أفلام الإباحية التي يعوض إلي موطنه بولاية “تكساس” من أجل البقاء مع زوجته وأمها، ولكن تلك العودة كانت مجرد بداية لرحلة سعي من قبل “مايكي” لغايةٍ ما لم تكن ناضجة في البداية، وبدأت في النمو شيئاً فشيئاً تسوق إليها عقلية لا تتمتع إلا بكل ما هو خبيث.
مراجعة فيلم Red Rocket
تميز سيناريو فيلم “Red Rocket” في إيقاعه التصاعدي الذي من خلاله يمكن تقسيم العمل إلي فصول متساوية في الأهمية وفي المحتوي، حيث أن قالب القصة يتشكل علي وصول “مايكي” لمنزل زوجته ووالدتها والإنخراط معهم، ثم مرحلة البحث عن وظيفة وظهور فرصةٍ جديدة للعودة إلي مجده القديم، وكيفية التعامل معها، إلي أن تختتم الأحداث بالناتج النهائي الذي نري من خلاله ما إذا تمكن “ميكي” بالفعل من نيل ما يريده أو لا، وقد تمكن “شون بيكر” من فرض زخمٍ من التفاصيل علي كل مرحلة والتأكيد علي طبيعة شخصية “ميكي” المغرورة التي لا تشغلها سوي نفسها فقط وبعدة صورٍ مختلفة.
النقطة المهمة التي تصب في صالح السيناريو هي الطابع الكوميدي الغالب علي الأحداث، والذي يتشكل كليتاً من تصرفات “مايكي” الناتجة عن تصرفاته التي تجع بين عديد الصفات كالمكر والغرور وخفة الظل وغيرهم، هو ليس بالكيان الشرير الذي يفتعل المبالغات التعبيرية والإنفعالية كي يبدو أنه نرجسي بالفعل ونسخة شعبية من “دونالد ترامب”، بل نجده يتصرف بتلقائية وحماقة لا تثير فعلياً سوي الضحك رغماً عن الجميع، وهذا يدل علي وعي “شون بيكر” بأن في أية عملٍ سينمائي تظل الشخصيات هي القلب النابض الذي عليه يتحقق النجاح من عدمه.
بالطبع سيجد الجميع فيلم Red Rocket ممتلئ بعديد المشاهد الغير لائقة التي تشبه ما يتم تقديمه بالأفلام الإباحية الرخيصة، ولكن ذلك العنصر علي وجه التحديد يخدم غايةً في السيناريو تتعلق بالرغبة التي يتحلي بها “مايكي” من أجل إعادة شهرته في تلك النوعية من المحتوي وكبريائه الذي تحطم فجأة وعاد علي إثره لزوجته، و”شون بيكر” لا يطيل تلك اللقطات فلا تتعدي حتي دقيقة، فإن الأهم هو إستيفاء أغلبية تفاصيل الحبكة للفكرة وهو ما حدث بالفعل، ولا يوجد أية مبالغة في التأكيد علي أن هذا العمل مرأة لما يسمي بالزيف الأمريكي وليس بالحلم الذي (وإن كان ذلك ينطبق فعلياً علي طوائف كثيرة في العالم) من خلاله يصيير هناك إمكانية بلوغ أقصي مكانة يكون هناك قدرة علي الوصول إليه.
إلي جانب إبداعات “شون بيكر” التصويرية من ناحية الكادرات والألوان المستخدمة التي تبروز الأجواء العامة والساخرة للأحداث، يبقي إنجازه الأكبر هو إختيار الممثل المغمور “سايمون ريكس” في دور “مايكي” الذي إستلهم أدائه من واقع ما عاصره في “هوليوود” وطبيعة العاملين بها حتي لو كان بعيداً عن الصورة، فنجده يتحلي فعلياً بهوية “مايكي” الطاوسية (والطاووس يشكل رمزية الغرور نظراً لجماله) بخلاف كونه متسماً بالإطلالة الهوليوودية المعتادة من بشرةً بيضاء وقامة طويلة رشيقة وملامح واثقة الخطوات تعتز بكيونتها دون أن تأبه لأية نقد موجه إليها.
وإستطاع “ريكس” أيضاً التفوق في الجوانب الكوميدية التي تسود جزئياتٍ كبيرة من السيناريو، وإرتجال الطريقة المناسبة التي قال عنها “ريكس” أنه لا تروقه في “هوليوود” وأداها ببراعة فلا يمكن الإحساس نهائياً بأنه غائب عن التمثيل لفتراتٍ طويلة، ولهذا في الختام يمكن القول بأن فيلم Red Rocket تأكيد حقيقي علي التطور الكبير الذي يطرأ علي السينما المستقلة، ووجود صناع أفلام متميزين كحالة “شون بيكر” إستمروا في تدبير الأفكار والرؤئ المناسبة من أجل تجانس تلك المدرسة السينمائية مع نظيرتها الفنية والتجارية.