لابد أن الموت هو الرحلة القصوى
هتكلم اليوم عن واحدة من أكتر التجارب جنوناً في تاريخ السينما، فيلم أشبه برحلة هلوسة إلي الجحيم ومابعده، رحلة مضاءة بأضواء النيون، بل يمكن ان يكون كابوس ملئ بالاباحية والجمال والجنون، فأما ان تعشق هذا الفيلم او ان تكرهه.
الفيلم بيقدملك تجربة روحية وبشكل حرفي فأنت تتبع رحلة روح انسان مابعد الموت وهو ينظر لأخطاء ماضيه وقسوة حاضره ويشاهد احبابه وأصدقاءه وهم يتعاملون مع حقيقة موته، وهو أمر صادم بطبيعة الحال، تجربة إنسانية بمعني الكلمة.
غاسبار نوي (مخرج الفيلم) هو واحد من القلائل في عصرنا الحالي ممن يخرجون عن المألوف ويجربون أشياء ثورية ترتقي بمستوي السينما، فـ Enter The Void هو فيلم متفرد وفريد من نوعه، ونوي قد تفوق على نفسه في حركة الكاميرا والتصوير فكيف يمكنك ان تصور حركة شبح او روح تراقب العالم من بعد الحياة، وهذا ما استطاع جاسبار ان يحققه في هذه التحفة تري الكاميرا او بالآحري هذه الروح المتمثلة في الكاميرا تتحرك من خلال الجدران، تطير وتراقب العالم من مختلف الزوايا، تدخل من خلال الثغور، تري عوالم جديدة وفريدة لايمكنك حتي ان تستوعبها، تري ألوان وأشكال لم تتصور انها موجودة، وهذه الحركة لا تقتصر فقط على المكان بل هي حركة خلال الزمان أيضاً فالروح تنتقل من الماضي للحاضر وإلي المستقبل كما لوكانت تتحرك من غرفة إلي الغرفة الأخري في لوحات جمالية غير مسبوقة في السينما.
نوي استطاع ان يشكل عالم الفيلم اولاً من خلال الصورة من خلال تصميم إضاءة الفيلم بشكل أشبه بالانفجارات والألعاب النارية واستخدم أنوار النيون بشكل غير مسبوق ليوضح لك جنون هذا العالم، استخدم خفقان الضوء في كثير من الأحيان ليوضح حالة من عدم الاستقرار مابين العالم الفيزيائي والعالم الميتافيزيقي، استخدام الجنس الصريح والعنف الهائل اللقطات الصادمة ليس فقط من أجل ان يشعرك بعدم الراحة بل من أجل إيصال فكرة ان هذا هو العالم الواقعي ليس العالم المثالي الذي يحاول الكثير من المخرجين ان يصوروه لنا ولأن هذه هي رحلة انسان ورحلة روح خلال هذا العالم حتي لايقلل من أهمية هذا الحدث، وثانياً تصميم الصوت والصخب الشديد وتداخل الأصوات وعدم معرفة مصدرها فأنت الان شبح تتناقل مابين العوالم تري كل شئ والأهم انك تسمع كل شئ من الجانب الآخر.
رؤية مثل هذه العوالم من خلال أعين رجل ميت او بالآحري روحه تحمل في طياتها مشاهد من الرعب التي لانهاية لها، والعنف، والألم الشديد، ومع ذلك نحن نشعر بهذا البعد الروحي والديني، فهذا الفيلم هو عن الحياة مابعد الموت وهو أمر يزعجنا جميعاً كبشر حتي الملحدين ولادينيين يفكرون في هذا الأمر، فحياة البشر في هذا العالم مليئة بالمشاغل والحزن والبحث عن المعني وأعتقد ان هذا الفيلم هو محاولة من جاسبار نوي ان يجد مثل هذا المعني.
التقييم النهائي : 8 من 10
بقلم : باسم عماد