مراجعات

رؤية اخرى لفيلم There will be Blood

فيلم There will be Blood

هل فيلم There will be Blood عظيم حقا ام مملا كما يقول البعض… عن نفسي شاهدت فيلما من أعظم ما رأيت حقا .. ولكني أشفق على أصحاب رأي أنه “ممل” فلو كنت متخيلا أنك أمام فيلما اعتياديا فأنت متوهم… الفيلم عظمته لا تكمن في أداء داي لويس فحسب … بل هو فيلم ملئ بالرموز حتى أنك كمشاهد لا تكاد تفسر رمزا في مشهد ليلاحقك رمز آخر في تناغم بديع .. فنحن أمام عمل يوازي مسرحيات شكسبير وروايات ديكنز وتوماس هاردي .

تقع أحداث الفيلم في بدايات القرن العشرين بعد فترة مفصلية حرجة في تاريخ أمريكا وبعد أن استقرت الدولة تماما وشفيت من آثار الحرب الأهلية … وهذه الفترة هي بداية الانطلاق نحو مجتمع رأسمالي جشع لا مكان فيه للقيم الإنسانية … بل هي نار الرأسمالية التي تأكل إنسانية أبناءها

بطل الفيلم هو دانيال بلينفيو DANIEL Plainview والاسم نفسه به رمزية خطيرة… فدانيال هو اسم عبري يعني “الله هو الحكم” … نعم البطل يؤله نفسه فهو كما جاء على لسانه أنه هو الكنيسة وليس مضطرا لتوضيح أفعاله .

I am the Church of Revelation … to rule and never ever explain myself

هو يحكم على الآخرين بألوهيته المصطنعة لذاته دون التعمق فيهم … رؤية سطحية للآخر فلا يرى سوى أنهم أدوات لديه ليصل إلى مبتغاه … وهذا مغزى اسمه الأخير Plainview …

-هذه الشخصية هي رمز للرأسمالية التي تتحكم في العالم كما لو كان عروسة ماريونيت فلا يبالي لمصرع عامل لديه … ولا يبالي لإصابة إبنه … المهم هو البترول والعمل … والمال … هو رمز لأمريكا ذاتها وسياستها عندما تأتي لبلاد النفط لتسحب البترول في مقابل الاحتلال المقنع … هو رمز للجشع المتواري وراء رمز رأسمالي جذاب …

هذا الرجل لا ينتمي لأية كنيسة فهو يرى نفسه أكبر من ذلك … هو يملك قدرة خلابة على الخطابة ويأسر عقول الآخرين بالكلام المعسول والوعود البراقة … فلا حاجة له للاستعانة بكلام الدين ليستحوذ على الآخرين…

وبالتوازي مع شخصية “بلينفيو” تطالعنا شخصية أخرى وهي شخصية القس Eli Sunday وهو اسما دينيا كما يتضح بطبيعة الحال ويعني “يا الله” … والأحد هو يوم الصلاة عند المسيحيين … وهو أبعد ما يكون عن الله وعن الصلاة … يمثل هذا الرجل أسوأ أمثلة رجال الدين … فهو الاخر كل همه البترول وعوائده .. وكيف سيستفيد ماديا ومعنويا من بلينفيو … هو يريد أن يستغل حفر آبار البترول ليباركها … ولكن هل حقا يريد مباركتها أم يريد بسط نفوذه المعنوي ؟!!

تطل علينا الرمزية بقوة منذ بداية الفيلم …فتمر علينا حوالي ١٥ دقيقة دون أية كلمة على لسان الأبطال فقط صوت الآلات التي تنطلق لاستخراج النفط وتأوه العمال في إشارة واضحة لسيطرة الرأسمالية فوق أية إنسانيات…

في علاقة محورية مع شخصية “بلينفيو” يطل علينا الابن H.W واسمه هذا مشتق من الاسم العبراني YHWH (يهوه) ويعني الله … هو سماه هكذا لأنه يرى نفسه بجبروتها ممتدة في الابن … ولم لا وهو يعتبر نفسه إله … ولكن هذا الرمز هو الناج الوحيد من مطرقة الرأسمالية وسندان الدين المزيف … فهو فقد سمعه فأصبح لا يسمع مسرحيات القس ولا خطب الرأسمالي …

يجتمع شخصية الرأسمالي والقس في مشهد عظيم تتجلى فيه معاني بيت الشعر “أقول الاه كي أشفي غليلي … وتجرحني وأحسبها دوائي” يستيقظ بطلنا على حقيقة أنه آثم ويريد الخلاص ويعترف أمام الجميع … ولكن أتراه اعترف لله حقا بخطاياه أم انها وسيلة ليصل لغايته؟!!!

تمر السنون ويتغير الوجه الحضاري لأمريكا ولكن يظل العفن متأصلا … فيلتقي الرأسمالي والقس وتتبادل الأدوار ولكن يظل المال هو الثابت الوحيد لديهما … وتسيل الدماء انتقاما وثمنا لاعترافات قديمة نساها الجميع إلا صاحبها …

– يتلخص الصراع هذا بجملة واحدة كانت بمثابة رصاصة الرحمة لكل شئ I am finished … ولا يدري المشاهد هل يقصد قائلها أنه انتهى من مهمته أم أنه انتهى إنسانيا وقصاص الله قادما عاجلا غير آجل …

فيلم يستحق الضجة المثارة عليه … ولم لا وهو يمثل ماض وحاضر ومستقبل لأفراد ودول وأيديولوجيات … شاهدت ٣ ساعات من التفكير المتواصل في تفصيلات استوقفتني كثيرا وبحثت وراءها طويلا فلم أشعر مطلقا انه يقترب من الملل على الإطلاق .

Behind The Scene
بيهايند هي كيان سينمائي مصري متخصص فى مجال ترشيحات الأفلام والمسلسلات وتقديم تغطية لكافة الاخبار الفنية في السينما والدراما