مراجعات

انتبه هاتفك يسيطر عليك .. عن فيلم JEXI

فيلم JEXI

أصبحنا نقرأ هذه الأيام عن أمور شديدة الغرابة تخص علاقتنا بالتكنولوجيا، منذ أيام قرأت بحث يتحدث عن الكيفية الذي غيرت الإنترنت بها تكوين عقولنا، وقرأت مقال آخر عن كيف يمكننا التخلص من العلاقة الفورية التي تربطنا بجوجل، كلما احتجت شيئا أصبحت الآن لا تكلف نفسك بمجرد التفكير البسيط، البعض الآن يفضلون -ويتساهلون- اجراء عمليات حسابية بسيطة مثل حاصل جمع ٣ + ٥ عن طريق الهواتف وعن طريق الآلة الحاسبة التي يوفرها جوجل! البعض يستخدم الجي بي إس يوميا للوصول لمكان عمله الذي يذهب اليه يوميا منذ ٦ أشهر، والبعض يبحث على يو-تيوب عن كيفية طبخ صينية البطاطس بالدجاج بطريقة والدته!.. وهذه أمثلة من مئات الحالات الطريفة التي تعني أن الهاتف والانترنت أصبح متغلغلين في الدي إن إيه البشري الخاص بنا بطريقة غير متصورة.

عن هذا العالم الجديد المليئ بالاحتمالات اللانهائية، تدور أحداث فيلم الكوميديا “جيكسي” JEXI عن شاب يعمل كاتبا ومحررا في أحد مواقع الانترنت، ويفقد هاتفه في حادث سير فكاهي، ويبحث عن هاتف جديد بإمكانيات متطورة، ويقع بالفعل على نموذج جديد يحتوي علي مساعد شخصي أنثوي مثل سيري (المساعد الشخصي بأجهزة آبل) ولكن اسمها هذه المرة “جيكسي”. ومن اللحظة الأولى تبدو العلاقة المتساهلة بين الشاب “فيل” -يلعب دوره الممثل الكوميدي آدم ديفاين- وبين التكنولوجيا، تطلب منه جيسكي الإطلاع على اتفاقية الاستخدام، فيوافق عليها بأمر صوتي فورا دون أن يراجعها!.. تطلب منه بيانات الوصول لجميع حسابات السوشيال ميديا الخاصة به، وحساباتك البنكية، فيعطيها كل المعلومات وكل كلمات السر دون أن يتردد.

ثم يحدث أمرا لم يكن يخطر على حساب فيل، جيكسي تحتوي خطئا قاتلا في برمجيتها الأساسية، وسوف يدفع ثمنه بشكل فادح.

اعلان فيلم JEXI

يمضي فيلم JEXI وحتى لا أحرق أي من تفاصيله الأساسية التي لا تظهر في الفيديو الإعلاني الخاص به- ليوضح لنا الطبيعية الغير-اجتماعية لهذا الشاب، الذي رغم شخصيته الخفيفة والمسلية والمرحة، يبدو منعزلا في عمله وفي حياته الاجتماعية، لا أصدقاء، ولا خطيبة أو حبيبة. يعتمد طوال الوقت على هاتفه ويستخدمه في طلب الطعام من نفس المكان في كل مرة، وفي مشاهدة الأفلام والمسلسلات، وفي الوصول لنفس الأماكن التي يرتادها يوميا.. الخ. لديه بعض الأصدقاء الافتراضيين على مواقع التواصل، يحاول أن يثير اعجابهم بصور يلتقطها لمدينته التي يقطن بها “سان فرانسيسكو” متلاعبا بالصور عن طريق الفلاتر وإضافة العناصر المشوقة مثل إضافة قمر لسماء المدينة لتبدو أجمل وأكثر إبهارا. لكنه في الحقيقة، ليس لديه سوى “صفر” أصدقاء.

Rose Byrne JEXI

يبدو راضيا بتلك الحياة المنعزلة والبسيطة -والمخادعة وغير الحقيقية لحد ما- حتى تظهر جيكسي، فمن ناحية تحاول أن تساعده لتطوير حياته، وللتعرف على أشخاص آخرين، وتناول طعام صحي، والاهتمام بمظهره ولياقته، ومواجهة رئيسه في العمل الذي يطلب منه مهام تافهه تعطله عن مسيرته المهنية التي يرغب في الوصول اليها (وهو الذي يطمح أن يتطور من مجرد كاتب لمقالات عبثية على الإنترنت هدفها الوحيد أن الانتشار السريع لتحصيل أكبر قدر من الإعجابات والمشاركات، لصحفي حقيقي يكتب أمور حقيقة تغير من حياة الناس).. لكن جيكسي، لا تظل على هذا الوضع الإيجابي فترة طويلة، ويبدأ الخطأ البرمجي القاتل داخلها في الظهور، تظن أنه واقعة في غرام فيل، وتبدأ في التصرف الغريب على هذا النحو، وعندما يقع “فيل” أخيرا في غرام شخص ما (الشابة الجميلة “كيت”، تقوم بدورها الممثلة خفيفة الروح ألكساندرا شيب) ويعرف المعنى الحقيقي للتواصل الإنساني، تبدأ جيسكي حربا لا هوادة فيها لتدمير هذه العلاقة، تستخدم فيها كل إمكانياتها التقنية لتصعيب حياة فيل.

فيلم JEXI رغم أسلوبه الكوميدي، إلا أنك ستجده يلمس أشياء في حياتك اليومية، وشكل تعاملك مع هاتفك ومع الإنترنت بشكل كبير. وسيجعلك تفكر لبعض الوقت هل علاقتك بالهاتف علاقة إيجابية وإنتاجية تصب في مصلحة علاقاتك الأخر الإنسانية؟ أم أنها علاقة إدمان وسيطرة، وأنك واقع تحت قدرات التكنولوجيا المتنامية يوما بعد يوم، ملتهمه حياتنا جزء بعد جزء دون أن نشعر؟

Jexi-Trailer-2

فيلم JEXI نبهني بشكل شخصي، أن لا أثق في التكنولوجيا بنسبة ١٠٠٪، ولا أعطيها شيك على بياض، يجب أن أبحث جيدا وأفهم جيدا كيف يؤثر الإنترنت والهاتف على حياتي، وعلي حياة أولادي كذلك، فكما رأينا في أفلام أخرى -أكثر جدية من فيلم JEXI- مثل The Great Hack (الذي انطلق على نتفليكس من شهور قليلة) كيف يمكن للحكومات استخدام جوجل وفيسبوك للتأثير في إرادة الجماهير السياسية، وتوجيه اختيارات الشعوب نحو أجندات معينة، مسبقة التخطيط. وكل ذلك لأن الشعوب لا تدرك -ولم يسمح لها بإدراك- أهمية خصوصية المعلومات والبيانات الخاصة بها، كلنا نقوم بالنقر على “موافق على اتفاقية الاستخدام” بسهولة دون أن نقرأ المصائب التي ورائها، أعتقد أنه حان الوقت لنرفض بعض تلك الاتفاقيات.

محمد جمال
كاتب ورائد أعمال ومؤسس منصة كتبنا للنشر الشخصي، جائز على جائزة MIT لريادة الأعمال في الشرق الأوسط عام ٢٠١٥. صدرت له روايتين "رولر كوستر" و"أحلام القيامة" ومجموعة قصصية بعنوان "ألعاب عقل مشغول" ورواية مرسومة بالتعاون مع الفنان محمد وهبة بعنوان "يوميات رسام متجول"، شغوف بالسينما وصدر له كتاب يجمع مقالاته السينمائية بعنوان "بوكس أوفيس".