مراجعات

يوم الدين.. عندما يُسلب حق الحياة

يوم الدين
حقق “يوم الدين”، أول فيلم روائي طويل للمخرج المصري أبوبكر شوقي، نجاحات كبيرة داخل مصر وخارجها، وذاع صيته فكان من ضمن الأفلام الأكثر ترقبا من قبل الجمهور التونسي خاصة عشاق السينما ومتتبعيها، فبدا ذلك في عروض الفيلم في أيام قرطاج السينمائية حيث أُفعمت كامل مقاعد مسرح الجهات بمدينة الثقافة وقبلها مقاعد سينما الكوليزي لمشاهدة الفيلم الذي صفق له جمهور مهرجان كان السينمائي مطوّلا. 
 
وترشح الفيلم للمسابقة الرسمية في كان أين فاز بجائزة فرانسوا شاليه، وتُوّج أيضا بثلاث جوائز في مهرجان بلد الوليد بإسبانيا، وهي جائزة الجمهور وجائزة لجنة التحكيم للشباب وتنويه خاص من لجنة التحكيم. كما رُشّح لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي في انتظار إعلان الترشيحات النهائية. ولاقى الفيلم استحسانا نقديا وجماهيريا كبيرين، حيث تصدر الركن الثقافي لعدة وسائل إعلام أجنبية فور عرضه في كان، وفاقت إيراداته المليون جنيه بعد مرور شهر من طرحه في دور العرض.  
مخرج يوم الدين
وامتد النجاح الكبير للفيلم إلى عميد مهرجانات السينما العربية والإفريقية، فترك أثرا في نفوس المشاهدين الذين ملؤوا القاعتين عن آخرهما وامتلأت معهما عيونهم بدموع صادقة غمرت مُحيّاهم معبرة عن مدى تأثرهم بهذه التحفة الإنسانية، فيوم الدين هو حالة إنسانية -قبل أن يكون عملا سينمائيا- مدتها سبع وتسعون دقيقة تتخللها كوميديا خفيفة ينطبق عليها قول “هم مُضحك وهم مُبكي”.
بشاي قناوي، مجذوم مسيحي الديانة، ترعرع وعاش منذ صغره في مستعمرة الجذام بالبحيرة، يتعرض باستمرار إلى التنمر بسبب شكله الذي غيره المرض بالرغم من تعافيه، توفيت زوجته المصابة بنفس المرض لعزلها وتهميشها خوفا من إصابة غيرها بالعدوى، ولم يتبق له رفيق غير الطفل اليتيم صاحب العشر سنوات الملقب ب “أوباما”.. زيارة من والدة زوجته وإخبارها إياه أنها لم تر ابنتها المتوفية منذ سنوات طويلة حفّزا بشاي للانطلاق في رحلة بحث عن عائلته من المستعمرة إلى قريته الأصلية الواقعة بمحافظة قنا، وتصادفه في رحلته مواقف مأخوذة دون تصرف من الواقع المرير الذي يعيشه كل عليل، فيقابل أشخاصا ينفرون منه، وكيف لا ينبذه الغرباء وقد تخلى عنه أقرب الناس إليه في طفولته ! ويقابل آخرين يتقربون منه ويتعاطفون معه ليس لشيء إلا لأنهم يشاركونه نفس الأزمة مع اختلاف الأسباب.. تتواصل الرحلة التي بدأها ثلاث، بشاي وحماره وأوباما، لينهيها الرفيقان بمفردهما بعد موت الحمار في منتصف الطريق.. امتدت رحلة العذاب والقسوة إلى سوهاج عندما ركبا في حافلة نقل وما حدث ليس بجديد، الراكبون ينفرون من بشاي، فمنظار المجتمع السطحي لا يراه إلا بشع الشكل دون وضع ظروف معيشته في الحسبان، ولعله لخّص كل آلامه عندما صرخ قائلا “أنا مش بني آدم ولا ايه !!”، كلمات اهتز معها وجدان الحاضرين في القاعة ليرتفع صوت شهيق بكائهم الذي كان كافيا لتعويض الموسيقى التصويرية للفيلم والتي لم يوظفها المخرج إلا نادرا. ولم يكن مرض الجذام الدافع الوحيد لنفور الناس من بشاي، بل كذلك ديانته المسيحية التي تمثل أقلية في مصر مقارنة بالإسلام، ويظهر ذلك عندما وُضع بشاي في الحجز لعدم حوزته بطاقة تعريف فيقابل أحد المتطرفين الذي يجعله يفر بمعيته ليرافقه إلى مكان اجتماع رفاقه، فيدّعي بشاي أن اسمه “محمد” خوفا من رد فعلهم إذا علموا أنه مسيحي.. يقابل بشاي شقيقه بعد محاولات متكررة من الصغير أوباما لإقناعه بأن أخاه لم يمت، ولكن بشاي بالرغم من تحقيقه مبتغاه بإيجاده عائلته؛ فضل في نهاية المطاف العودة إلى مستعمرة الجذام، فهناك كل الناس يشبهونه ولا ينفرون منه.
 
يوم الدين.. عندما يُسلب حق الحياة 1
أماكن بسيطة أقرب ما يمكن إلى حياة المهمشين اختارها المخرج أبوبكر شوقي لتصوير الفيلم بعيدا عن الاستوديوهات المصطنعة، وقد استوحى شوقي فكرة الفيلم من عمل تسجيلي عن مستعمرة الجذام أخرجه منذ عشر سنوات، ليساهم هذا الديكور الطبيعي مع الأداء الواقعي للإنسان وليس الممثل راضي جمال والطفل أحمد عبد الحفيظ والإخراج البعيد كل البعد عن التكلف والرمزية في تقديم فيلم واقعي جدا يحمل رسالة مفادها أننا نعيش في مجتمع لا يمت للعدالة والمساواة بصِلة، فعيبٌ أو علةٌ كفيلان بحرمان صاحبهما من الحق الأول المنصوص في مواثيق الحقوق، ألا وهو الحق في الحياة، وكما قالت إحدى ضحايا المجتمع في الفيلم: “احنا عايشين على أمل ان يوم الدين كلنا سواسية”.
 
 
Behind The Scene
بيهايند هي كيان سينمائي مصري متخصص فى مجال ترشيحات الأفلام والمسلسلات وتقديم تغطية لكافة الاخبار الفنية في السينما والدراما