مسلسل سره الباتع كان أحد الأعمال التي شهدت ترقب كبير قبيل شهر رمضان، نظرا لكونه عن قصة للأديب الكبير الراحل يوسف إدريس، وكذلك وجود كوكبة من النجوم كأبطال للعمل، والأحداص التي تدور حول الحرية والنضال الشعبي في مواجهة محتل، وأخيرا لكون أول تجربة درامية للمخرج خالد يوسف.
وكل تلك العوامل مجتمعة كانت قادرة أن تصنع من “سره الباتع” عمل لا يُنسى، خاصة وانه من الواضح أن المخرج كان يريد صناعة عمل ملحمي يتذكره الجماهير ويعيش في ذاكرتهم وهو ما ظهر منذ أغنية التتر التي تعد واحدة من أجمل الأغاني التي صناعتها لمصر علىى مستوى الكلمات والألحان والغناء لمحمد منير، فهل نجح المسلسل أن يكون ملحميًا؟؟ .. في الحقيقة العمل لم يتمكن من جذب الانتباه كما هو منتظر ، والسبب في ذلك سنذكره في نهاية المقال لأن السبب لا يتعلق بما تم صناعته بالفعل.
مراجعة مسلسل سره الباتع:
تدور أحداث المسلسل في خطين زمنيين بين الماضي والحاضر، فيتناول في ريف مصر عام 1799 قصة حامد الفلاح البسيط الذي يقرر مقاومة الإحتلال الفرنسي ويصبح زعيم للمقاومة الشعبية ويلتف حوله الفلاحين ويمنحونه لقب السلطان حامد لما يقدمه في مقاومة الاحتلال.
أما الخط الدرامي الأخر يدور في الحاضر حول الشاب حامد الذي ينشأ في قرية بسيطة يجد بها مفام باسم السلطان حامد، ومع وجود أكثر من مقام باسم السلطان حامد، يقرر الشاب حامد البحث عن قصة السلطان حامد خاصة مع عدم علم احد بها، واثناء بحثه عن قصة السلطان حامد يجد نفسه يصطدم بتجار للأثار يبحثون عن كنز مخفي في احد مقامات السلطان.
مراجعة مسلسل مذكرات زوج .. معزوفة كلاسيكية للدراما الاجتماعية
السيناريو والحوار:
القصة تبدو ثرية على الجانبين الماضي والحاضر، وتقدم وعود بدراما قوية خاصة وان القصتين يحملان الكثير من التحديات، فالخط الدرامي الخاص بالماضي يحمل صبغة المقاومة الشعبية للإحتلال وهي من التيمات المحببة لدى الجمهور وكانت غائبة عن الدراما منذ فترة طويلة لذلك فهي تحمل جذب خاص، وعلى جانب الحاضر فإن القصة تحمل العديد من الأبعاد.
ولكن بتناول خط القصة التي تدور في الحاضر والتي بدأنا منها الأحداث، فرعم كون بنائها تم بمنطقية وبشكل جيد، ولكنها لم تكن متماسكة على الإطلاق، فقد عانت من الكثير من القرارات الغير موفقة.
فمع مرور الوقت لم تعد براقة بل صارت أحداثها رتيبة للغاية، كما أن الشخصيات في ذلك الجانب كانت تعاني بشدة، فجميع الشخصيات لم يتم بنائها بإهتمام، حتى شخصية الشاب حامد التي بدأت الأحداث وكانت تحمل تاريخ واضح إلا أن ذلك لم يتم استثماره فيما بعد على الرغم من أن ذلك التاريخ منح الشخصية مبررات درامية منطقية لإهتمامه بمعرفة قصة السلطان حامد.
باقي الشخصيات كذلك أبعادها لم تكن واضحة، وظهرت باهتة، بل تواجدت شخصيات لا أهمية لها على الإطلاق، حتى جانب الشر عانى من ضعف واضح على مستوى الكتابة فكانت شخصيات نمطية مما أثر بالسلب على جانب الشر بشكل كامل الذي ظهر كرتوني ومحدود الذكاء، حتى تسلسل النهاية والطريقة التي تم بها الانتصار على الشر كانت ضعيفة للغاية ولا تحمل أي عامل من عوامل الاقناع.
كما أن اقحام بعض الأحداث الحقيقية في الجزء الخاص بالحاضر لم يكن موفق، على الرغم من كون مبرره واضح ويحمل رمزية ذات معنى جيد ولكن طريقة العرض لم تكن مناسبة وجعلت الارتباك واضح في الخط الدرامي ككل ليكون رتيب ومفكك.
حتى الجانب الرومانسي كان ضعيف، فقصة الحب التي نشأت بين حامد وسارة تطورت بشكل غريب وغير مبرر ولم تتمكن من أن تكون محل تعاطف المشاهد.
أما الخط الخاص بالماضي والمقاومة الشعبية بين السلطان حامد والإحتلال الفرنسي فقد كان أفضل بكثير في التسلسل الدرامي وفي كتابة الشخصيات التي كانت متماسكة واضحة الدوافع، وكل شخصية منذ إطلالتها الأولى تتمكن من فهم أفكارها وخلفيتها دون أن يكون ذلك بشكل مباشر.
كما أن تسلسل الأحداث في ذلك الخط الدرامي كان جيد في معظم اوقاته، على الرغم من بعض الأخطاء التي نالته في بعض الأوقات ولكن ما كان يتم تقديمه في ذلك الخط الدرامي يشفع كثيراً لأي أخطاء، وخاصة في الحلقتين 28 و 29 اللتان تعدان الأفضل على الإطلاق في العمل، وكل الحلقتين كانا لذلك الخط الدرامي فقط.
وعلى الجانب الرومانسي في ذلك الخط الدرامي فإن قصة حب السلطان حامد وصافية كانت رائعة حملت العديد من الابعاد والتحديات وكانت مؤثرة للغاية.
الأداء التمثيلي:
الأداءات التمثيلية في الخط الدرامي المعاصر لا يمكن الحكم عليها لأنها تعرضت لظلم بسبب سوء كتابة الشخصيات على الرغم من الاجتهاد الواضح من أحمد فهمي وريم مصطفى ولكن كتابة الشخصيات لم تجعلهم يتمكنوا من إبراز قدرات تمثيلية كبرى.
ولكن كانت هناك أداءات سيئة بالفعل ولا علاقة لذلك بسوء رسم الشخصية بل إن التمثيل بالفعل كان في مستوى ضعيف، وهما بالتحديد شخصيتين فقط.
أما في الخط الدرامي الماضي فحدث ولا حرج عن الأداءات المميزة فقد كانت معظمها في أفضل حالاتها، فقدم أحمد السعدني أداء رائع للغاية حتى الجمل الخطابية استطاع ان يقدمها بشكل مؤثر، ومنح شخصية المناضل قوة واضحة، وكذلك قدم مع حنان مطاوع أداء رومانسي رائع، واستطاعت هي كذلك تقديم أحد افضل ادوارها والذي تجلى في المشاهد الاخيرة.
أحمد عبدالعزيز قدم أداء مختلف تماماً عنه لشخصية شخص منافق متسلق، ولكن أداءه كان ممتع، وكذلك أداء خالد الصاوي ومفيد عاشور اللذان قدما أداء رائع، ورغم قلة ظهور هالة صدقي إلا أن مشهدها الأخير واحد من افضل المشاهد الرمضانية بالفعل.
الإخراج:
كان الجميع ينتظر أداء اخراجي قوي من خالد يوسف خاصة وان العمل مليء باللحظات الملحمية والمعارك المختلفة التي كانت تحتاج إلى مجهود كبير.
وتجدر الإشارة إلى المجهود الكبير الذي تم بذله مع ذلك العدد المهول من المجاميع في مشاهد متعددة، ما بين مشاهد للجيش الفرنسي ومشاهد الفلاحين ومشاهد المعارك ومشاهد الثورة، فقد كان ذلك حمل إخراجي كبير.
ولكن للاسف المعارك لم تخرج بالشكل المطلوب سوى في الحلقة 28، ولكن العمل ككل اخراجيًا عانى من التسرع بشكل واضح من أجل اللحاق بالسباق الرمضاني.
التقييم النهائي:
مسلسل سره الباتع يستحق تقييم 4\10، فقد حاول صناعة عمل ملحمي كبير، ولكن النتيجة لم تكن مرضية نظراً لأن العمل اهتم بالتواجد في السباق الرمضاني باي شكل كان، وبالتالي كانت النتيجة هي تسرع واضح على مستوى الكتابة والإخراج.
فعمل بضخامة سره الباتع كان بحاجة إلى أن يتم صناعته بتأني حتى لو كانت النتيجة عرضه خارج السباق الرمضاني، لأن النتيجة حينها كانت ستكون أفضل بكثير مما ألت إليه الأمور في النهاية، فالمسلسل لم يحقق المطلوب ليس بسبب ما قدمه ولكن بسبب ما لم يقم بتقديمه.
