مراجعات مسلسلات

مراجعة مسلسل جزيرة غمام – الحمد لله على الحمد لله

مراجعة مسلسل جزيرة غمام - الحمد لله على الحمد لله 1

بعد موسم رمضانى سابق غير موفق يعود عبدالرحيم كمال من جديد هذا العام بمسلسل جزيرة غمام والذى رفع آمال الجمهور مع الإعلان عن طاقم البطولة ومخرجه المميز حسين المنباوى مع الحذر من خيبة أمل جديدة مماثلة للقاهرة كابول فهل استطاع عبدالرحيم كمال أن يستعيد ثقة جمهوره؟

قصة مسلسل جزيرة غمام:
مع وفاة الشيخ مدين وقدوم طرح البحر بقيادة خلدون ورفيقته العايقة تبدأ محاولات خلدون للسيطرة على الجزيرة وأهلها مشعلاً بها الفتن والصراعات بينما يحاول عرفات والعجمى حماية الجزيرة من الزوبعة المنتظرة فهل سيكون بمقدورهم العبور بالجزيرة إلى بر الأمان؟

https://www.youtube.com/watch?v=1fX8OeM8vCU

مسلسل جزيرة غمام تدور أحداثه فى جزيرة غير معلوم مكانها الفعلى فهى فى مصر ولكن لا نعلم أين، كذلك زمن المسلسل رغم تحديده بعام ١٩١٧ الا أن أحداثه شهدت تحرر نسبى من القيود الزمنية فهى حكاية يمكن أن تحدث بأى زمان ومكان مما فتح لعبدالرحيم كمال مساحة واسعة لضخ الأفكار والرمزيات منذ الدقائق الأولى إبتداءاً من أسماء الشخصيات إلى أكبر الأحداث.

أجواء المسلسل تقع فى المساحة المريحة والمفضلة لعبدالرحيم كمال فهى أجواء صعيدية ممتزجة بالروحانيات والتصوف كما أن المسلسل أكد منذ البداية أنها مجرد حكاية مما فتح مساحة كبيرة لخيال المؤلف وعدم الاعتماد الكامل على الواقعية وهو أكده منذ تتر البداية بجملة “واقع يصنعه الخيال”.

سيناريو المسلسل ببداية هادئة استطاع ترتيب قطعه بأناقة استعداداً للعب وبدأ المباراة، مباراة ذات أطراف متعددة ومتغيرة وتم تقديمها جميعاً بامتياز فى الحلقات الأولى ومن خلال أساليب مختلفة ومن الجميل أن مرحلة رص القطع لم تستمر طويلاً فسرعان ما بدأت تلك القطع بالتحرك خاصة مع تقديم أكثر من معضلة مع الحلقة الأولى كلغز جريمة قتل سندس و وفاة الشيخ مدين مما أعطى حرية أكبر فى تقدم الأحداث على عدة خطوط وزاد ذلك من كثافة الأحداث بشكل عام.

كثافة الأحداث بكل حلقة لم تكن ضخمة إلا فيما ندر ولكنها دائماً ما كانت كافية لتقديم الجديد من تقدم بالأحداث أو معرفة تفاصيل أكبر عن خلفيات ودوافع شخصياتنا المختلفة مع وعى الكاتب الشديد بأهمية التصاعد ومتى يكون التصاعد والتفجر مفيداً ومتى يحتاج المشاهد الى فترة راحة ليلتقط أنفاسه إستعداداً لمواجهة أكبر، تحكم رائع برتم المسلسل يُشاد عليه كلاً من كاتب المسلسل ومخرجه.

النصف الثانى من المسلسل شهد عدد من الحلقات التى وصلت إلى الذروة، أحداث قوية وحاسمة لمواجهات محتدمة تم البناء من أجلها على مدار حلقات طويلة ودائماً ما كانت تنتهى بشكل جيد مع تطور واضح للشخصيات من بعدها مما يأخذ المُشاهد إلى المواجهة التالية.

أغلب تلك المواجهات كانت جيدة للغاية على عكس مواجهة وحيدة بين عرفات و خلدون بتسلسل النهاية والتى تم تقديم فيها قوى جديدة لخلدون لأول مرة مما جعل التساؤلات تتردد فلماذا لم يستخدم خلدون مثل هذا السلاح من قبل وهو خطأ يقع فيه عبدالرحيم للمرة الثانية بعد أن فعلها مع ونوس بحلقاته الأخيرة كذلك.جزيرة غمام - طارق لطفى - خلدون

على عكس ونوس الذى كانت حلقاته الأخيرة مفتوحة الاحتمالات وحابسة للأنفاس وذلك بتركه لأهم صراعين حتى النهاية ليتم حسمهم فى الحلقة الأخيرة؛ صراعات كانت الإجابة عليها تحتمل فوز الخير أو الشر مما جعل الحماس فى أوجه عكس الحال بجزيرة غمام فبالرغم من قوة الأحداث وضراوة الصراع إلا أن شيئاً فى نفس المُشاهد مطمئن لفوز عرفات وهو ما قلل من حماسى الشخصى للنهاية.

شخصيات المسلسل اتسمت بكونها متعددة الطبقات مما جعلها مثيرة للاهتمام وهى مهمة ليست بالسهلة خاصة مع العدد الكبير للشخصيات وحقيقة أن عدد منها يُمثل فخاً للنمطية تقع فيه أغلب المسلسلات الرمضانية كشخصية العجمى أو محارب  وبالرغم من ذلك فبعض الشخصيات قد تعرضت للظلم على مستوى دقائق ظهورها والتركيز عليها على حساب شخصيات أخرى.

أبرز الشخصيات التى ظُلمت برأيى كانت شخصية يسرى التى تم حصرها بوجه واحد ثابت يسهل التلاعب به من الجميع رغم كونها مادة دسمة كان بالإمكان استغلالها وتطويعها لخدمة الأحداث بشكل أفضل، وعلى مستوى أقل من الظلم كانت شخصية محارب التى استحقت برأيى متابعة أكثر تدقيقاً لتطوره وتحوله خاصة بالنصف الأول من المسلسل.

ردود فعل أهل الجزيرة ولحظات تكوين الرأى العام أيضاً كان بحاجة إلى دقائق أكثر على مدار المسلسل فكان الناس فى كثير من الأحيان أقرب للكرة يتغير مكانها مع كل قرار او تدخل من احد الشخصيات وتلك الدقائق كان بالإمكان إقتصاصها من مشاهد عرفات الطويلة والكثيرة والتى كان الكثير منها غير مفيد درامياً.

جزيرة غمام - احمد امين - عرفات

الأداء التمثيلى بالمسلسل وصل إلى ذروة التفوق فبالرغم من عدد الأبطال الكبير فجميع ممثلى العمل قدموا أداءات مميزة ابتداء من ثلاثى الصف الأول فلدينا أحمد أمين الذى يتفوق على نفسه مرة أخرى فى دور عرفات الذى كان بالإمكان وقوعه بفخ التكرار مع الوقت ولكن سماحة وجهه ونقاء عينيه رفعوا من قدر شخصيته التى يمكن اعتبارها الأهم والمحور الذى تدور حوله أحداث المسلسل وأفكاره، طارق لطفى بدور خلدون الذى يمكن اعتباره معالجة جديدة ومختلفة للشيطان عن ونوس فيقدم طارق الدور بنطاق غير محدود من التعبيرات بتطويع كل خلية من جسده لخدمة كل معنى مطلوب منه بالمشهد، رياض الخولى فى دور للتاريخ يحمل بثناياه الكثير من التعقيدات والتناقدات التى يقدمها بسلاسة تامة وبتعبير يغطى عليه الهيبة والفخر وربما يكون دور العجمى هو أحد أفضل أدوار العمدة التى رأيتها مؤخراً بالدراما المصرية.

مراجعة مسلسل جزيرة غمام - الحمد لله على الحمد لله 2

على مستوى أقل من الاهتمام والمساحة على الشاشة لدينا فتحى عبدالوهاب الذى تفجر أداؤه بالقسم الثانى من المسلسل، مى عز الدين الذين تبرز إمكانياتها ومدى نضجها فنياً، محمود البزاوى الذى يتحرر أخيراً من الأدوار الصغيرة والنمطية ويحصل على المساحة التى تستحقها موهبته وخبرته ليبدع ويتألق بين النجوم الكبار ولم يكن وحده من تحرر فلدينا أيضاً ضياء عبدالخالق الذى حُصر كثيراً بأدوار الشر والإرهاب النمطية ليقدم أفضل أداء بمسيرته الفنية بالمسلسل رغم حقيقة أنه مجرد ضيف شرف.جزيرة غمام - فتحى عبدالوهاب - محارب

على المستوى التقنى فالمسلسل شهد تميز واضح بعناصر السينماتوغرافى من التصوير المتميز والاستغلال الرائع لطبيعة أماكن التصوير المفتوحة إلى الإضاءة التى تتسق مع مشاعر كل شخصية والحالة العامة لكل مشهد واستمر ذلك حتى الثلث الأخير من المسلسل الذى ظهر فيه تراجع تقنى واضح على كل المستويات وبعضها أساسى كمشاكل مونتاج ومكساج واضحة أو ظهور أجهزة الاستوديو ببعض الكادرات نتيجة ضغط الوقت والظروف الانتاجية السيئة برمضان.جزيرة غمام - احمد امين - عرفات

هذا التألق على مستوى العناصر المختلفة لم يكن محض صدفة ولكن هناك مايسترو ينظم الإيقاع ويرتب النغمات لتخرج لنا بهذه الصورة وهو المخرج الرائع حسين المنباوى الذى يثبت نفسه كأحد أقوى المواهب الإخراجية على الساحة حالياً مما يزيد الترقب لما هو قادم له من أعمال.

اقرأ أيضاً: مراجعة مسلسل المداح 2 – مخاطرة درامية أتت بثمارها

مسلسل جزيرة غمام هو رحلة روحانية ورمزية جميلة بالمقام الأول حاول بها عبدالرحيم كمال تقديم أفكاره الصوفية بشكل أقرب للحياة العملية وإعادة تقديم الدين وروحه الحقيقية وما يعنيه فالأهم عند كاتبنا هو أن يؤمن القلب ويحب أولاً وحينها فقط ستأتى الطاعة والشعائر، لن يحتاج المرء إلى من يحاسبه فالحب الواصل بينه وبين ربه سيكون كافياً للحساب والعتاب ، ربما نظرة عبدالرحيم متفائلة وقد تختلف معها أو تتفق ولكن يمكن الاتفاق على جمال جوهرها ومعناها المطلوب إيصاله.

تقييم مسلسل جزيرة غمام هو 8.5/10

محمد هشام
كاتب بموقع بيهايند و طالب بكلية الطب جامعة عين شمس من مواليد المنصورة، محب للسينما وكرة القدم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *