مراجعات

مراجعة مسلسل احلام سعيدة .. أحلام بعيدة عن الشك

مسلسل احلام سعيدة

في عام 2004 قامت هالة خليل بكتابة سيناريو وحوار أول أفلامها الروائية (أحلى الاوقات) قدمت من خلاله مشاعر الصداقة في أجواء مليئة بالدفئ حيث يحكي الفيلم عن ثلاث صديقات يجمعهن الزمن مرة اخرى بعد صداقة فرقتها الظروف والعمر؛ تتعرض سلمي (حنان ترك) لصدمة نفسية بعد وفاة أمها ولكن يلهيها قليلا عن مشاعر الحزن والعزلة ذلك الغموض المرتبط بخطابات ترسل لها من شخص لا تعرفه ومع استمرار بحثها عن صاحب الخطابات تسترجع علاقتها مع صديقات الطفولة ضحى (منة شلبي)ويسرية (هند صبري) ؛ فبمجرد نزولها لحي شبرا يتملكها حنين لاحلام الطفولة وذكرياتها التي عاشتها معهم وتكتشف معهم مرة اخرى شعور الرضا بكل مايمررن به في حياتهم الحالية فكل شيء يمكن تجاوزه مع الاصدقاء حتى لو اختلفت الحياه والاحلام والاولويات.

تعود هالة خليل في رمضان  2022 لتقدم اول نص للتلفزيون من خلال مسلسل احلام سعيدة والذي قد صرحت انه كان مشروع لفيلم قبل تحويله الى مسلسل من تأليفها واخراج عمرو عرفة الذي قدم اخر اعماله التلفزيونية في 2017 من خلال مسلسل لمعي القط.

مراجعة مسلسل بطلوع الروح … عمل متميز افتقد التفاصيل

قصة مسلسل احلام سعيدة :

يحكي العمل عن ثلاث نساء تجمعهن الصدفة والقدر كل منهن لديها واقع من الحب المشكوك في وجوده ؛ كلهن يتجاوزن شعور الخذلان او انهن غير محبوبات بالقدر الكافي بالتجاهل والرضا أو كما يقلن  لا للصعابنيات حتى يتقبلن الواقع.

احلام سعيدة
مسلسل احلام سعيدة

 

ففريدة في الحلقات الاولى تصاب بالعمي بعد حادثة تتعرض لها ؛ يعرض العمل معاناتها مع فقدان البصر بطريقة تلغرافية سريعة فلا تغرق في مأساتها بقدر مايشغلها غموض الفاعل الذي تركها وهرب؛ فهي تتجاهل كل مايشعرها بالضعف او الذل ولكنها تشك في اقرب الناس لها وهو صالح اخوها متأكدة من تعمده ايذائها.

فريدة شخصية تتحرك من خلال ماضيها وانتمائها الى طبقة ارستقراطية؛ تحافظ على لبسها الراقي وكلامها ؛ لا تتحمل الخطأ وتبالغ في النظام ؛

تضع حواجز بينها وبين الاخرين فكل ما تفعله يجعل من حولها دوره هامشيا في رعايتها ؛ ولكن مع الحلقات يتضح لنا انها تبدو وكأنها مصابة ببعض اعراض بالبارانويا على الرغم من ان المسلسل لم يقم بتسميته وتكاد تكون جلسات العلاج النفسي تأتي كدور ثانوي وكخيط يجمع الشخصيات في لقائهن الاول وبعض لحظات الضعف القليلة التي تمرن بها احداهن .

فريدة لم تستطع طوال حياتها ان تكون اصدقاء تتشكك فيمن حولها وتبحث عن تأكيد دائم لشكوكها مثل من يعانون من البارانويا اوجنون العظمة فهي تميل للتحكم وسرعة الانفعال على خادمتها وتهين الاخرين وتكون عنهم صور سلبية فالجميع يتأمر عليها وتلك الصور نابعة من شخصية لا تشعر بالامان مما يجعلها دوما بعيدة تفترض الاسوأ

اهتم العمل بتقديم مشاهد الفلاش باك الخاصة بأم فريدة والتي اقدمت على الانتحار مما يجعل الكثير من تصرفاتها مبررة

حيث تعاني فريدة من صدمة طويلة الامد وذلك بعد انتحار والدتها وهو ما يؤثر على الطفل حيث تجعله يشعر ان العالم مكان غير أمن  وقد يتولد لديه احساس بالذنب من انه ربما  السبب في ذلك ؛ أو ما حدث مع فريدة من الميل للعزلة خوفا من الفقدان لان امها تخلت عنها بانتحارها المفاجئ

اما الخط الفرعي الخاص بصالح فهو يقدم شخص يرفض الحب حتى من ابنته وذلك لان تلك المشاعر تؤدي الى الالم في النهاية.

احلام سعيدة
مسلسل احلام سعيدة

 

تقابل فريدة صديقتان ليلي (مي الكساب) وشيرين ( غادة عادل) كلاهما مثالان للطيبة والاحتواء فليلى لديها عطاء بلا مقابل اما شيرين فنكتشف من الثلث الاول  انها الفاعلة ؛ يوضع السيناريو شخصية يقودها الشك في مقابل شخصية تريد التخلص من الذنب وتقدم الكثيرفي سبيل ذلك سواء من التعاطف والفهم الصادق لفريدة او تتركها تقول ماتريد حتى لو كان استهزاء او كلام قاسي. ومع صداقتهم يصعب الاعتراف. وخاصة ان شيرين لا تواجه اي من مخاوفها حتى تصاب بنوبات هلع مفاجئة

رغم ذلك لم تفقد قدرتها على الاختيار؛ فهي تعاني من ضغط اختها نيفين (انتصار) لتزويجها ولكن شيرين لا تتفهم التهويل والمعاناة الذي تحاول اختها فرضه على حياتها خاصة انها مستقلة ماديا وناجحة في عملها ولا تشعر ان الزواج في حد ذاته اولوية لتندفع بسببه وراء اختيار خاطئ.

وهو مانجده في الخط الدرامي الخاص ب ليلي ؛فهي ربة منزل لم تحظى بالقدر الكافي من التعليم كما انها ربما تكون محدودة في علاقتها الانسانية مما يجعلها تتمتع بقدر بسيط من الثقة بالنفس وتكرر انها غبية وعلى الرغم مما تحمله ليلي من مشاعر الحب والود الا انها زوجة لرجل اناني وتشعر ان القليل هو تستحقه ولا تفكر الى اى حد يكون التسامح .

توضع ليلى في مواقف متعددة تدل على ثقتها بالاخرين وعدم لجوءها للحقد .

؛ تصطدم ليلى بالصورة التى رسمتها لزوجها والتى كلما بحثت عنها وجدتها في كلمات حنونة لا اكثر؛ فهو ذهب ليبحث عن سعادته مع زوجة اخرى بعدما فشلت محاولات كثيرة للانجاب فاصبحت ليلى هي ام العيال مصدر الطمأنينة والهدوء عن بيته الاخر على الرغم من عدم انجابها ولكن مايكنه لها انها لا تسعده كزوجة .

وهو ما يبرز ان علاقة ليلي بابوها قد انعكست على ثقتها بالرجل فهى تتوقع منه ان يحبها كأبيها وان يعاملها بالثناء والاعجاب المستمر وبالتالي تصبح متشبثة وصابرة على رجل لا يبادلها نفس العاطفة وقد تقدم الكثير حتى لو لزوجته الثانية من اجل انجاح علاقتها به

ان ذلك لا يتنافي مع صحة علاقة بابوها التي قد تبني بشكل كبير علاقة عاطفية صحية وسعيدة مع الرجل لو كان خيارها صحيحا بدلا من ذلك الرجل الذي يستغلها و لا يساندها في محنتها وهى صعوبة ان تكون ام مع تقدمها في العمر  بل قد يعامل ضعفها بعنف اذا ما حاولت مرة اخرى للحديث في الامر.

احلام سعيدة
مسلسل احلام سعيدة

 

لذلك كانت الصداقة بين الثلاث تبني عالما تعلو فيه قيمتهن فهن يشعرن بعدم الامان ولا يبوحن بذلك فضعف فريدة يجعل من مشاعرهن تسير على نحوايجابي وهي ان كل واحدة قادرة على التكيف مع مشاكلها الخاصة ومع اصدقائها على الرغم من اختلاف الحياه والمشاكل لكل واحدة .

حيث تميز العمل بجاذبية تقديمه الصداقة دون حسابات التكافؤ فجميع الشخصيات تحتاج للحب الامن والاحتواء على اختلافهن الفكري والثقافي والذي عبرت فيه كل شخصية عن نفسها فبرعت في الربط بينهما دون اقحام احداث او افتعال وذلك في اطار كوميدي اجتماعي به تشويق فمن يشاهد يدرك انه ستأتي لحظة قد تؤكد شيرين لفريدة ان الجميع لا يستحقون .

يأتي الجانب الكوميدي من خلال شخصية الخادمة صدفة  التي تقدمها شيماء سيف التي لديها موهبة واسلوب خاص بها في تعبيراتها وتلقائيتها؛

صدفة على عكس منهم تجد نفسها محط اعجاب الجميع منذ مجيئها الى مصر فهي عفوية ومشاعرها بسيطة لديها رضا عن ماضيها الصعب مع اسرتها ؛ تخاف على فريدة ولكن تأتي المواقف الكوميدية بينهما من انها تستخف بكل ما تخافه فريدة ساخرة من حياتها التي لا تحاول ان تندمج معها فهى عشوائية التصرفات ولا تفهم نظام فريدة .

تأتي خطوط فرعية في العمل لخدمة الخط الرئيسي مثل علاقة ابن فريدة بامه  وحبيبته التي تقاوم كل ما يتعلق بالعادي ؛ ففكرة الاستقلال منحها قدر اكبر من الثقة في البحث عن الصدق في كل شئ دون الحاجة للسخرية من قيم المجتمع او اظهار ازدواجيته.

احلام سعيدة
مسلسل احلام سعيدة

 

كما يقدم العمل نموذجان للمرأة التي تتولي اعالة الاسرة فهناك من تترك كل مشاعرها لاجل طموحها وعلاقة اخرى مثل نيفين وزوجها العاطل عن العمل بعد فصله تعسفيا؛ فتوضح تلك العلاقة ان المجتمع لم تتبدل فيه الادوار بقدر المشاركة ودون ان تتسلط المرأة فهي تتعامل بدافع المسئولية والزوج هنا يساعدها في اعداد الطعام وتنظيف المنزل ويترك في يدها السلطة الاقتصادية او جلب المال لكن دون ان تفقده احترامه اوتلومه على ذلك.

يقدم ايضا مسلسل احلام سعيدة بعض مشاكل الجوهرية في علاقات الحب والتي تجعلها اكثر تفككا ومشكوك في استمرارها من الهروب والانسحاب المفاجئ والانانية وعدم اتخاذ القرار في الوقت المناسب او البطئ مثلما تلقب فريدة حبيبها القديم ومحاميها يحيي (نبيل نور الدين) فهو يثبت دوما احترامه لقيمه ولكنه في الحب رجل بطئ.

كانت فريدة تعاني من الهلاوس والاحلام المزعجة التي تشعرها بالرعب من الاخرين فمشاعرها التي تجدد نفسها ليلا تحولهم لمصدر خطر ولكن بوجود اصدقاءها فقد تتحول احلامها الى احلام سعيدة.

مي امجد

author
ناقدة فنية، حاصلة على ليسانس أداب قسم اعلام ودبلوم النقد الفني من أكاديمية الفنون بالقاهرة ؛ مهتمة بالسينما والفن التشكيلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *