مراجعة فيلم pig
علي مدار السنوات القليلة الماضية، كان ينظر للنجم “نيكولاس كيدج” علي أنه إبن “هوليوود” الضال الذي فقد بريقه الامع منذ أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة حتي 2009 تقريباً نتيجة ظروفٍ عجيبة تسبب بها بتصرفاته الغريبة وأخطائه المتمادية إلي حدودٍ غير منطقية بالمرة.
أفضل أعمال نيكولاس كيدج التي تستحق المشاهدة
“كيدج”،الحائز علي جائزة الأوسكار عام 1996 عن فيلم “leaving las vegas” والمصنف رقم “40” ضمن قائمة أفضل الممثلين في التاريخ بحسب مجلة “إمباير”، راح ضحية التبذير الشديد وإنفاق الأموال التي جمعها هنا وهناك بلا داعيٍ حتي دخل في أزمةٍ مالية جعلته يتجه لنوعيةٍ رديئة ومترنحة من الأعمال المباشرة للفيديو التي كانت مشاهدتها دربٍ من دروب العذاب السينمائي الذي لا يتحمله أحد يبحث عن المتعة من خلال الأفلام.
بالطبع لا يمكن نكران أن “نيكولاس كيدج” نفسه صرح من قبل أنه يريد الإبتعاد عن “هوليوود” من أجل تجربة العديد من الأدوار والشخصيات التي لا يرتاح الكثير من صناع السينما في تقديمها، ولكن ذلك لا يعني بكل تأكيد حصر موهبته في مجموعةٍ من الأفلام التي حتي لا يمكن تصنيفها بالتجارية حتي، بل هي أقل من هذا بكتير ومن الصعب حتي تعريفها بأنها “أفلام” من الأساس.
إلي أن جاء 2021 وحمل معه خبراً ساراً بعودة “نيكولاس كيدج” من جديد إلي دائرة إهتمام النقاد والجمهور، وبأداءٍ دراميٍ ممتاز في فيلم pig تم وصفه علي أنه الأفضل بالنسبة ل”كيدج” منذ فترةٍ طويلة، ولعلها تكون بداية عودة “كيدج” إلي ما كان عليه في بداياته نظراً لكونه ممثل جيد في الأساس لا يعرف إستثمار موهبته بالشكل المطلوب.
قصة فيلم pig
تدور أحداث فيلم pig عن “روب فيلد” الطباخ السابق الذي بات يعمل الآن في جمع الفطريات الزقية ويسلمها لتاجر صغير يدعي “أمير”، ولكن حادثة سرقة لخنزير “روب” الخاص به تجعله يعود من جديد ل”بورتلاند” من أجل إستعادته من جديد ومعرفة من قام بهذه الفعلة من الأساس.
علي مستوي السيناريو، نجح “مايكل سارنوسكي” في أن يمهد للجانب الدرامي بفيلم pig عن طريق إرثاء العلاقة التي جمعت “روب” بحيوانه وجعلته يخترق الحاجز الذي أشاده بنفسه كي يبقي منعزلاً في حياته الإنعزالية يعيش علي أصداء الأحداث المؤسفة التي حدثت له سابقاً، وما ترتب بعد ذلك أعطي الفيلم الكثير من الفرص التي إستغلت من قبل “نيكولاس كيدج” في تعزيز ذلك الشق سواءاً بالحوار أو بالتجسيد.
أيضاً، لعبت الدراما بشكلٍ فعال علي تلك العلاقة التي جمعت بين “روب” والشاب “أمير” الذي يمتلك هو الأخر حياةٍ عصيبة وذكريات ألمت به وتركت آثراً بليغاُ عليه، حتي مع حدوث تحولٍ رئيسي في فيلم pig، بقيت العلاقة في أفضل أحوالها تقوي أكثر فأكثر من العنصر الدرامي الذي إن تم تقييمه في إيجازٍ فهو جيدٌ ومصاغٌ بوعيٍ سردي ممتاز.
إيقاع فيلم pig بشكلٍ عام جيد يضمن عدم هبوط الفيلم في أية فصلٍ من فصوله أو حدوث أية نوعٍ من المط والتطويل، لا يحاول أيضاً اللعب علي كثافة المشاهد الحوارية من حيث ما يتردد في الحديث، حتي حينما يتم ذكر تفصيلةٍ ما بأثر رجعي عن شخصية “روب” لا يؤثر نهائياً علي سير الأحداث بمسارها الطبيعي حتي النهاية، خلاصة القول أن فيلم “pig” نجح تماماَ في المسار المحدد الذي رسمه المؤلف والمخرج “مايكل سارنوسكي” من أجل أن يقدم وجبة درامية إنسانية الملامح ويبرز في الوقت الأخر عنصراً أخراً سنتحدث عنه في السطور التالية.
النجم “نيكولاس كيدج” يقدم أداءاً مطابقاً لما يمكن أن يقال عليه “أوسكارياً” إن وجب التعبير، إستغلالٍ كبير وواضح للمساحة المعطاة للشخصية من أجل التعبير عن ما يدور بداخلها حين مواجهة الأخرين، وإرتجالً إنفعالي موحد يعكس حالة الشخصية العابسة والباحثة عن طوق نجاةٍ في عزلتها عن العالم، والأهم من ذلك الحفاظ علي رتم الأداء تسعين دقيقةٍ كاملة بدون أية مشكلةٍ ملحوظة، بكل تأكيد لا يوجد أدني معرفة عن ما كان بإمكان “نيكولاس كيدج” الدخول ذمن دائرة ترشيحات الأوسكار هذا العام إن تغاضت الأكاديمية عن سقطاته السينمائية المتتالية في الأعوام المنصرمة، ولكن إن حدث ونال ترشيحه الثالث في مسيرته فسيكون عن جدارة وإستحقاق بلا أدني شك.
يقابله علي الجانب الأخر النجم اليافع “أليكس وولف” الذي أظهر تناغماً كبيراً مع “كيدج” في المشاهد التي جمعت بينهما، ولاحت قدراته التمثيلية الجيدة في بضعة لقطاتٍ درامية بسيطة كانت كفيلة بالتأكيد علي أننا أمام موهبةٍ ربما قد يأتي منها الكثير في المستقبل الاحق.
في النهاية، فيلم pig ربما يكون بدايةٍ أخري لتحولٍ كبير في مسيرة النجم “نيكولاس كيدج” السينمائية، ولكن يجب أن يحافظ علي ذلك المنوال في أعماله القادمة، وأن يكون العودة إلي الواجهة الهوليودية هي هدفه الأهم والأوحد، لأنه من المحزن ضياع موهبةٍ كبيرة بحجم “كيدج” في مشاريعٍ باهتة رخيصة لن تضيف شيئاً ما لإسم “نيكولاس كيدج” الذي كان لا يخلو أية إستفتاءاً من إسمه سابقاً.
