قبل الحديث عن فيلم Decision To Leave ، يمكن القول أنه علي عكس ما قدمه بثلاثية الإنتقام “Vengeance” الشهيرة ، يعود المخرج “بارك تشان ووك” من جديد بتوليفة دسمة من الدراما والرومانسية والغموض تركز في مضمونها علي جانبٍ معين مثلما فعل “تشان ووك” من قبل بتركيزه علي الإنتقام كعنوانٍ رئيسي محرك لأحداث جميع الأفلام، هنا يختلف الأمر كليتاً من ناحية المباشرة في أسلوب الطرح وكذلك بناء الحبكة مستندة علي منظورٍ أخلاقي و إجتماعي ويتسم بالواقعية قبل ما سبق ذكره.
في فيلم Decision To Leave الذي ترشح لجائزة السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي هذا العام وفائز في الوقت ذاته بجائزة الإخراج ، يرتكز “بارك تشان ووك” علي الجوانب السامة من العلاقات الإنسانية بطريقةٍ تركز الفيلم ناحية الجانب الرومانسي ، و تتداخل معه عناصر الأخري بما يخدم صالح الفكرة التي يُصيغها “تشان ووك” بإبداعية واضحة قد يصعب الوصول لنصف جودتها وتعقيداتها و العمق الكبير من ناحية القصة المكتظة بكل هذه العناصر في آن واحد وبلغة سردية متجانسة التفاصيل والأحداث.
مراجعة فيلم Broker – ميلودراما كوري إيدا الجديدة بفلسفته السينمائية المعتادة
إضافة جديدة للسينما الكورية التي باتت علي درب الشهرة الكبيرة علي مستوي الوسط السينمائي العالمي، ولا عجب أن تربعت علي عرش الأفلام الناطقة باللغة الأجنبية في موسم الجوائز هذا العام، ونالت العديد والعديد من التكريمات المستحقة علي هذه الميلودراما الشاعرية التي تتسم بالعاطفة والحوار المنمق والأحداث الصادمة وكذلك التحولات الكبيرة للشخصيات علي مستوي الأقوال والأفعال والمبادئ الخاصة وغيرها من عناصر.
قصة فيلم Decision To Leave
تدور أحداث فيلم Decision To Leave عن محقق يقع في غرام أرملة غامضة بعدما أصبحت مشتبه بها في إحدي الجرائم التي يحقق فيها.
مراجعة فيلم Decision To Leave
من الأكيد أن ما كان يشغل بال “بارك تشان ووك” في تكوين المعالجة الخاصة بفيلم Decision To Leave هو مزج الخطوط الدرامية والرومانسية والتشويقية في عملٍ واحد وبتأثيرٍ متبادل يضمن سلاسة الأحداث خدمةً للقصة والغاية المنشودة منها، وهذا ما حدث بالفعل حينما كان يتصدر جانبٍ معين من القصة المشهد يقدم الإضافة المناسبة التي تفك رموز الأحجية التي إبتدعها “تشان ووك” ويسلط الضوء من خلالهم لا بعيداً عنهم علي العلاقة بين بطلي الفيلم كمحورٍ أساسي له.
والقصة مباشرة تماماً لا تتعمد إحداث أية نوعٍ من التعقيد أو الغموض الزائد إلا علي الجانب الفلسفي في بعض الأحيان، ولكن ذلك الأمر تمت معالجته من خلال ترسيخ الجانب الحميمي والعاطفي بين الشخصيات علي مدار الفترة التي جمعت بينهم منذ بدايتها وبتنقلاتها الزمنية وبختاميتها، كما أنه راعي “تشان ووك” الشاعرية كوسيلة تواصلٍ للمشاهد مع القصة وفهم حقيقة الكثير من الأمور أو القرارات التي إتخذتها الشخصيات إن صح التعبير بكل مبرراتها وتحولاتها الكبيرة علي مدار البعض من الأحداث.
المثير للاهتمام أيضاً تشكيل “تشان ووك” القصة في صورة مرحلتين مختلفتين زمنياً ومكانياً وكذلك علي مستوي الشخصيات وأوضاعهم المتغيرة من شأنٍ إلي آخر ، والإثنان يتداخلا مع بعضهما البعض في ذكاءٍ شديد يحسب لمخيلة “تشان ووك” الإبداعية التي تلعب علي التنقلات التي حدثت بين هنا وهناك لتوطد العلاقة بين الشخصيات ، و توصف بلغة سينمائية رائعة تطورها بمرور الكثير من الوقت ، وتأثير الماضي علي الحاضر ، و أفعالٍ معينة علي أفعالٍ آخر ، والشئ الأهم تأثير الحب علي المنطقية الذي أعطاها “تشان ووك” المساحة المناسبة كي تتجلي بالكثير من المظاهر داخل سياق القصة.
كل ما سبق يتجسد فنياً من خلال إدارة “بارك تشان وونج” الذي إستحق الفوز بجائزة الإخراج في مهرجان “كان” ، تجلي ذلك من خلال عدسات كاميرا “كيم جي يونج” التي كانت تضفي إحساس الشاعرية من خلال تعدد زوايا إلتقاط المشاهد سواءاً قريبة أو واسعة، و مونتاج “كيم سانج بوم” الذي ساهم في سلاسة التنقلات الزمنية و إبراز الصراعات النفسي التي تمر بها الشخصيات بترتيب مناسب للقطات يوحي بذلك، والموسيقي التصويرية التي كانت تحرك العواطف مثلما كانت تبعث الحياة خلال اللحظات التي كانت تجمع بين الشخصيات.
و بالطبع لا يمكن عدم الثناء علي الأدائات التمثيلية لكلاً من “تانج وي” التي قدمت أداءاً هادئاً لا يحتوي أية مبالغاتٍ درامية أو إفتعالاتٍ إنفعالية، وكذلك “بارك هاي إيل” الذي إستطاع عكس الحالة الحسية للشخصية و التقلبات التي يعيشها ويحكم بها علي من حوله و تغير من مبادئه، والأهم من هذا تكوين ثنائية متناغمة بينه وبين “تانج وي” ساهمت في بروز مواطن علاقتهم سوياً كعنصر أساسي ورمزي تشير إليه القصة وتهتم بتقديمه.
في الختام ، لن ينتهي فيلم Decision To Leave دون أن يكون مثار حديثٍ ومناشقات فنية مكثفة، وهذا ما يجعل التجربة مثيرة للاهتمام لمن لم يشاهدها حتي الآن، و تصنف ضمن طليعة الأعمال الفنية رفيعة المستوي ضمن القائمة المميزة لأهم أعمال السينما الكورية بشكلٍ عام ، و سنة 2022 علي نحوٍ خاص.
