في بداية مراجعة فيلم cherry، لا بد من ذكر أنه علي مدار سبع سنواتٍ كاملة، تمكن الإخوة “روسو” من فرض أنفسهما كأحد أبرز المخرجين الواعدين اللذان تمكنا من ضمان إستمرارية عالم “مارفل” السينمائي في تحقيق النجاح وبأعلي درجات الإتقان الفني والبصري وخلافهما من عناصر سينمائية، ولكن ماذا بعد “مارفل” كان هو السؤال المطروح من قبل العديدين عن التحديات الجديدة التي سيخوضاها الإخوة “روسو” بعيداً عن أجواء عالم الابطال الخارقين.
معركة إستعادة المفقود – مراجعة فيلم Avengers Endgame
مراجعة فيلم cherry
إلي أن جائت الأخبار سريعةً تعلن عن مشروعٍ جديد يدعي cherry يشاركهما فيه شقيقتهما “أنجيلا” علي مستوي الكتابة، والنجم الصاعد البريطاني و”سبايدرمان” العصر الحالي “توم هولاند”، حيث يقتبسا الفيلم من وحي رواية ل”نيكو والكر” يمكن تصنيفها علي أنها سيرة ذاتية، حيث تمر بعدة مراحل فيصلية في حياةٍ شخصٍ ساقته الظروف وظلامية الواقع المحيط به للسقوط ضحية التعاطي وإضطرابات ما بعد الصدمات المتوالية وغيرهما من منغصات الحياة وسلامة الإنسان النفسية والمعنوية.
رحلةٌ سينمائية ربما يعيبها عدة سلبياتٍ علي مستوي الكتابة واضحة لا خلاف عليها، ولكن بلا شك أنها من أكثر المواد الحديثة قرباً للواقع تسلط الضوء علي مدارٍ واسع من الأحداث علي نتاج الشك والريبة من أوضاع الدنيا وأفعال التي تفتقر للمنطقية والتصديق، وكيف أن ذلك قد يحكم بقبضةٍ فولاذية حول أعناق الاخرين تزيدهم نفوراً وتقلباً من وضعية مثالية لاخري سيئة تنتهي فيما بعد بنهاياتٍ مأساوية.
قصة فيلم cherry
يتناول فيلم cherry التطورات العديدة التي واجهت شخصية “شيري” منذ بدايته لعلاقة رومانسية مع “إيميلي” مروراً بعدها بفترة التحاقه بالجيش وما تعرض له من الآمٍ نفسية لحقت به جراء ما ذاقه من ويلات الحرب، ووصولاً لمرحلة الإدمان والإجرام التي أخرجت كامل الغضب والعنفوان الكامن في وجدانه المختل نفسياً.
ينقسم فيلم cherry لعدة فصول متساوية في الأهمية وترسخ بدورها تغيراً جذرياً علي الشخصية الرئيسية وتأثيره الحالي عليه بما يمهد للفترة التي تليها والتي تشهد هي الاخر نتاج التغيير السابق سواءاً في الأقوال أو الأفعال، نهجٌ سردي مناسب لتلك النوعية من القصص.
ولكن يعيب سيناريو فيلم cherry مشكلتين إثنتين، أولهما الطول الزمني لأحداث كل فصلٍ من حيث زخم المشاهد بعدة تفاصيل مكررة لن تحدث فارقاً كبيراً في إستيعاب المشاهد لما يحدث، والثانية هي هبوط الإيقاع التصاعدي للفيلم في عدة مرات والإحساس بالملل نتيجة استمرارية المشهد بتشابهاتٍ لنفس التفاصيل التي ممكن ان توضح المقصود منها في زمنٍ قصير دون إسهابٍ أو تطويل.
ربما تنقص تلك السلبيات من التقيم العام لفيلم cherry قليلاً، ولكن بالنظر إلي فحوي العمل من زوايا آخري، هناك عدة إيجابيات ستساهم حتماً في قابلية العمل بعض الشئ وأبرزها واقعية الفيلم التي تمت الإشارة إليها بالكثير من الرمزيات، وكذلك التكثيف من إبراز الجانب النفسي لشخصية “شيري” الذي يسهل علي المتلقي تحديد موقفه تماماً منها سواءاً بالتعاطف معها أو مقتها كليتاً، كل ما سبق يجعل من الفيلم تجربة سينمائية جيدة كان ينقصها فقط الحد من المبالغة في المدة الزمنية للاحداث وضبط الإيقاع السردي كي تصل لدرجة الكمال.
إخراجياً، يحسب للإخوة “روسو” الإجتهاد في تصوير اللحظات الرئيسية بالفيلم من حيث دموية المعارك الحربية، وانتقاء الزوايا المناسبة للكاميرا التي تعكس الحالة المزاجية ل”شيري” تزامناً مع اللجوء لطريقة كسر الحائط الرابع التي ترمز هي الاخري لما يدور في عقل الشخصية وتحس به، وكذلك التمهيد لكل مرحلة بشكل مناسب عن طريق المونتاج والاعتماد علي درجةٍ حادة من الالوان، وبهذا يسهل القول بأن الإخوة “روسو” بإمكانهما الإبداع في أي عمل سينمائي بمختلف الفئات المعروفة لدي الجميع.
لقد بات مذهلاً ذلك التطور الكبير الذي شهده النجم اليافع “توم هولاند” الذي تخطي حاجز الطيبة العارمة التي يتمتع بها بجانب كونه الرجل العنكبوتي صديق الجميع والأفنجر المدافع عن الخير ، أداء تمثيلي منفجر علي مستوي الانفعالي في النصف الثاني من الفيلم يسبقه هدوءٍ تام يعكس إضطراباً نفسياً ملحوظاً علي مستوي التعبيرات الوجهية.
ليس هذا فحسب، بل تمكن “هولاند” من توثيق الحالة المعنوية المنكسرة في آونةٍ كثيرة خصوصاً في مرحلة إنضمام “شيري” للجيش الامريكي، كأنه عاصر تلك المرحلة بالفعل في حياته وتأثر بها وبكل مساؤها، فعبر عنها من خلال ملامحٍ جامدة تارة، وحزنٌ وبكاء تارةً أخري، ورغبة متلهفة للفرار بحياته والنجاة من تبعات قراره الخاطئ، هو ببساطة أداء العمر ل”توم هولاند” الذي لابد أن يحصد تكريماً عنه في موسم الاوسكار القادم إن صح أحقية الفيلم بالمنافسة في ترشيحات فئة الممثل في الدور الرئيسي.
في الختام، نجح الإخوة “روسو” في قيادة أولي مشاريعهما الإخراجية نحو الظهور بشكل جيد بإستثناء بضعة عوامل سلبية يمكن بسهولة التغاضي عنها مستقبلاً، وأثبتا أنهما بإمكانهما تقديم الأفضل خارج عالم “مارفل” السينمائي وبصورةٍ رفيعة المستوي وذات جودة ملحوظة في الكثير من العناصر الفنية والسينمائية.
