يعد فيلم Babylon المشروع الخامس ل”داميان شازيل” إخراجياً والسابع له علي مستوي السيناريو والحوار، وهو الذي تمكن من فرض إسمه منذ عام 2014 كصانع للسينما واعد بعقلية إحترافية في صياغة القصص السينمائية و تقديم أجمل التجارب المذهلة بصرياً وإخراجياً، من منا لم يستمتع بفيلم “ًWhiplash” الذي أطلق من خلاله العنان لشيطانٍ تلبس الممثل “جي كي سيمونز” وقدم من خلاله واحداً من أفضل الأدوار المساندة المعقدة في الألفية الجديدة في صورة المعلم المجنون للموسيقي وعزف الدرامز.
من منا لم يعش الحالة الفنية والدرامية التي قدمت برائعة السينما الحديثة والنابضة بقلبها تدر جمالياتٍ لا حصر لها “La La Land” ورحلة الحلم المصطدم بالواقع، وبشخصيات يمثلوننا ويجسدوا طموحاتنا وسعينا ويتحلو بأفكارنا كأناس نريد أن نحلم ونحقق ما نريده، كل ذلك من صنع “داميان شازيل” المتميز في صناعة اللوحات السينمائية التي لا تنسي والمشاهد التي لا يمكن أن يقال عنها سوي بالأيقونية التي يمكن إقتصاصها من العمل وتدبرها منفصلة بتركيز تام علي تفاصيلها الدقيقة ومكوناتها التي تكشف عن سينما جديدة متطورة إخراجياً ومختلفة في محتواها القصصي عن أي شئٍ شاهده أحد من قبل.
عندما تجتمع السينما بالجمال… رؤية لفيلم La La Land
لذا كان ينظر لفيلم Babylon علي أنه مشروعاُ في غاية الأهمية ل”داميان شازيل” بعد غياب أربعة سنوات منذ فيلمه الأخير “First man” ، حيث أنه يروي جزءاً من تاريخ “هوليوود” يعد من محاور رحلة التغيير والتقدم المستمر للسينما من نوعية إلي اخري، ومن هوية إلي هوية أخري تحلي بها الكثير من صناع السينما الكلاسيكية خصوصاً في بداية فترة التسعينيات، مرحلة هامة يمكن أن يبتدع “داميان شازيل” علي إثرها الكثير من المواقف والأحداث التي تعكس أهمية تلك المرحلة وتأثيراتها المختلفة علي السينما بشكلٍ عام وعلي العاملين بها بشكلٍ خاص، وكذلك يسهل علي خيال”داميان شازيل” الإبداعي أن يقدم تلك الحقبة بطرقٍ كثيرة سواءاً غنائية أو درامية إستعراضية أو بأية طرقٍ أخري.
لكن بالرغم من التميز الإخراجي التي يتحلي به فيلم Babylon وبعض عناصر السيناريو التي تطرح بعض الرسائل المتصلة بالواقع، إلا أن هناك (وللمرة الثانية علي التوالي بعد فيلم “First Man”) مشكلات تعيب السيناريو والمعالجة الدرامية للعمل جعلته بعيد كل البعد عن منصات التكريم في موسم الجوائز كما جرت العادة وتواجد بها “شازيل” حاصداً للثناء نقدياً وجماهيرياً وفي موسم الأوسكار، وصنفت العمل أيضاً علي أنه تراجع إلي حدٍ كبير في مسيرة “داميان شازيل” الذي ربما فقد الطريقة المالثة و التي تجعل السيناريو والحوار إبداعاً رفيع المستوي ومتكاملاً في كافة تفاصيله.
قصة فيلم Babylon
يروي فيلم Babylon قصصاً عن العديد من الشخصيات في عام 1920 حينما تم تحويل السينما من أفلام صامتة إلي ناطقة بالحوار .
مراجعة فيلم Babylon
يتميز سيناريو فيلم Babylon بأنه دسم علي مستوي الأحداث بالكثير من خطوطها الزمنية التي تعكس التنقل من مرحلة الأفلام الصامتة إلي الناطقة كما تعبر فكرة الفيلم، ويعبر ذلك الزخم علي وعي “داميان شازيل” الكبير بالمرحلة الزمنية وقدرته علي نقل تلك الفترة بطريقة مباشرة أو من خلال الشخصيات المتأثرين بها سلبياً وإيجابياً، ولكن تكمن المشكلة في التنقلات الكثيرة زيادةً عن اللزوم والتحولات الكثيرة التي تحدث فجأةً للشخصيات دون تمهيد مسبق ومناسب.
فيلاحظ في بعض الأونة بأن الأحداث ليست مترابطة في آونة كثيرة، وتسلسل تقديمها والترتيب التي بنيت عليه المعالجة يعبيه بعض الفوضي التي لا توصل مشهداً معيناً بما يليه، وأن ما حدث ليه له علاقة بما يليه والعكس صحيح، وكما تم الإشارة إليها مسبقاً هناك تحولاتٍ رئيسية تم تقديمها تمس الشخصيات والتغييرات التي تطرأ عليهم بتقدم الوقت والسنين وتطور السينما إلي الأجدد والأجدد، فيمكن القول أن “داميان شازيل” إهتم بالجوهر الأساسي للقصة وقدمه ببراعة ولكن تنفيذياً وكتابياً هناك مشكلة كبري لم نعهدها في أفلامه السابقة، حتي وإن لم يوجد أية مشاكل في الإيقاع بالرغم من هذه العيوب المذكورة.
أيضاً من سلبيات فيلم Babylon هو غياب اللحظات الأيقونية التي إعتدنا أن نشاهدها سابقاً في أفلام “داميان شازيل” ونتأثر بتفاصيلها ونسحر بجمالها ونتذكرها لفتراتٍ طويلة،ما قدمه “شازيل” وخصوصاً في بداية الفيلم ليس بالذي يمكن أن يدوم في ذاكرتنا لفترات طويلة، دقائق من العربدة والجنس الفاحش والجنون المزعج بالرغم من منطقية تلك الأحداث داخل سياق القصة، ولكن كان من الممكن أن يتم تخفيف ذلك ببعض الإستعراضات الجميلة التي بإمكانها أن تخفف وطأة وحدة ذلك المشهد الصارخ بكافة تفاصيله، ولكن الإنطباع العام عن مشهد البداية الذي يعد الماسترسين للفيلم هو الإنزعاج التام وعدم الإرتياح أثناء المشاهدة والإشمئزاز التام بدلاً من إستيعاب منطقية المشهد بتواجد بعض اللحظات الجميلة التي ممكن أن تعزز من أهمية المشهد داخل الأحداث ككل.
ولكن علي الجانب الاخر هناك عنصرٍ عام بالقصة قدمه “داميان شازيل” ببراعة وبطرح سردي وقصصي مناسب ، وهي الإسقاط علي الجانب الفاسد من “هوليوود” والتعامل غير الادمي وغير الاخلاقي مع العاملين بها علي انه قطع ماريونيت يحركوها مثلما يشاؤون، ويتخلو عنها كيفما يشاؤون وباكثر الطرق لا منطقيةً في دوافعها.
وأشار “شازيل” أيضاً من خلال مشاهد معينة مكتوبة بعناية وإخراجياً جيدة علي ان الداخل لميدان العمل ب”هوليوود” مفقود والخارج مولود، وأن هناك معايير متجددة من شأنها إنهاء مسيرة نجم بطرق مشينة وصادمة، وسحب بساط النجاح والشهرة من تحت اقدامه، تلخيصاً لما سبق يمكن القول أن السيناريو متفاوت الجودة من ناحية القدرة علي طرح بعض المواضيع واستحضار تواريخ مهمة في الصناعة، وعدم النجاح في تنظيم الاحداث والتدقيق في إرثاء التحولات التي تحدث للشخصيات الرئيسية بالفيلم.
اخراجياً، نحن أمام ابداع جديد ل”داميان شازيل” استطاع من خلاله توظيف الأدوات الاخراجية من أجل استحضار روح فترة التسعينات وأجواء صناعة السينما في ذلك الوقت من خلال الديكور والمؤثرات والمكياج والملابس، كما أن “شازيل” نجح في تصميم مشهد البداية الجيد علي مستوي التنفيذ الصارخ من ناحية الفكرة ، وتمكن من خلق تكوينات بصرية وتصويرية داخل مكانٍ ضيق تساهم في تعزيز جنونية المشهد وحالة المجون والعربدة التي افسدت عقول الشخصيات.
الاداءات التمثيلية في فيلم Babylon جيدة، نحن أمام نسخة جنونية صارخة للنجمة “مارجو روبي” التي كانت تتمايل مع إيقاعات الفيلم كحال شخصيتها “نيلي” الطموحة لإثبات ذاتها كنجمة، وقد تمكنت “روبي” من تقديم مشهدين اثنين يعبران تماماً عن تطور موهبة “روبي” في التمثيل أكثر من كونها فتاة جميلة تتراقص علي نغمات موسيقي “جاستين هيرفيتز” ، واحدٍ منهم بالذات يعد صورة معاكسة لتأثير تعامل الطبقة الغنية مع الاخرين بطريقة استعلاء وتفاخر وعدم اكتراث للاخرين.
اما عن الوجه الجديد “دييجو كالفا”، فقد كان أداءه في البداية فاتراً وكليشيهاً متكرراً تطور بعد ذلك مع التحولات التي طرأت علي الشخصية بمرور الأحداث، خصوصاً أن رحلة شخصية “مانويل” التي قدمها داخل الفيلم تبينت معالمها كثيراً مع مرور فصول الفيلم الأولي، ونجح “كالفا” في إدراك التغيرات الموضعة بالسيناريو ويبرز أكثر من خلال الإرتجالات الإنفعالية وعكس دوافع الشخصية ونواياها التي تقف أمامها عوائق كثيرة منها عاطفية ومنها متعلق ببعض سياسات “هوليوود” القبيحة التي أثرب بالسلب علي “ماني” وبقية شخصيات الفيلم.
في الختام، لم تفلح بعض الإيجابيات الموجودة في فيلم Babylon من دفع الفيلم بقوة داخل موسم الجوائز، ولكن هناك تقدير لمحاولات “داميان شازيل” في تقديم كرنفال سينمائي بصبغة كلاسيكية مستوحي من تاريخ “هوليوود” القديم، حتي وإن كان هناك بعض المشكلات في طريقة التقديم داخل صفحات سيناريو الفيلم.
