مقالات

فالنتينو .. هل يبقى الزعيم زعيمًا؟

فالنتينو .. هل يبقى الزعيم زعيمًا

الجمهور العربيّ لا يتذكر اسم عادل إمام إلا بشعور عميق من نوستالجيا (الحنين إلى الماضي). بل إنَّ ما جعل عادل إمام موجودًا حتى الآن هو هذه الروح التي انطبعت في نفوس الجماهير بطبيعيَّة وجوده في المشهد؛ أيّ مشهد فنيّ تمثيليّ مهما كان. فعندما كانت السينما سوقًا رائجةً كان عادل إمام موجودًا لعقود طويلة، وعندما ركدت سوق السينما وظهر نجم المسلسلات منذ سنوات ظهر نجم عادل إمام في سماء المشهد أيضًا. وكأنَّه جزء لا يتجزأ من رقعة المشاهدة باللغة العربيَّة، كما أنَّ محبّته وقبوله طاغٍ على كل البلدان العربيَّة من المحيط إلى الخليج. وتشهد سجلات الأرقام أنّ عادل إمام ما زال حتى اللحظة النجم الأكبر أجرًا في تاريخ المشهد الفنيّ العربيّ.

لكنْ بعد كل هذه العقود هل سيستطيع الحفاظ على وجوده؟! هذا ما يسأله المتابعون كلّ عام وهذا ما يجده المتابعون في كل عام في صورة مسلسل جديد له. وهذا الوضع المسيطر تصنعه تلك العلاق المتينة التي وطدها عادل إمام مع الجماهير على مدار هذا الزمن المديد، كما تصنعها عوامل أخرى كثيرة بعضها ماليّ وبعضها يدرج تحت اسم “طبيعة الحال” أو النصيب والرزق وبعضها قد يتعلق بظروف سياسية حتى.
فالنتينو .. هل يبقى الزعيم زعيمًا؟ 1

مسلسل العام الذي يقدمه هو “فالنتينو” -وهي اسم الشخصيَّة التي يمثِّلها عادل إمام- بدا منذ أول مشاهده مُختلفًا ومُبشِّرًا رغم ما قد يعتقده البعض من أنَّ كل عام يكون مسلسله أسوأ من العام السابق. المسلسل من تأليف أيمن بهجت قمر، ومن إخراج رامي إمام (ابن عادل إمام). ويشارك فيه نخبة ضخمة من الممثلين مثل: دلال عبد العزيز، داليا البحيري، محمد كيلاني، حمدي الميرغني، طارق الإبياري، هدى المفتي، إنعام الجريتلي، بدرية طلبة.

وفالنتينو هو صاحب مدارس ورجل أعمال، ذو شخصيَّة ضعيفة أمام زوجته “عفاف” (دلال عبد العزيز) التي تسيطر على كل شيء في عمل فالنتينو وتترك له شيئًا من الوجاهة الاجتماعيَّة فقط، فهي الأصل وهو مجرد واجهة واسم يكتب على أختام الأوراق.

فالنتينو .. هل يبقى الزعيم زعيمًا
فالنتينو .. هل يبقى الزعيم زعيمًا

ولا تسيطر فقط عليه في العمل بل في البيت كذلك؛ تحدِّد له ما يلبس، وما يأكل، وما يشرب، وكيف يغلق باب الغرفة، وكيف يسير في الطرقات، ويفزعه صوتها في كل وقت بتنبيهات متلاحقة تظهر كم هو ضعيف أمامها. ويكتمل المشهد عندما نعلم أنَّ زوجته تعطيه مصروف يده رغم أنَّ المال ماله. ولنتصور هذا الكم من الكوميديا الذي يمكن أن تولده تلك الأوضاع، ويكتمل تصورنا للكوميديا بمشهد خفيف الظلّ تمامًا وفالنتينو يحاول استمالة زوجته بقراءة شعر لا يستطيع قراءته وهو يعرف أنَّه الطريق الوحيد لجعلها سعيدة ومُتقبّلة لوجوده.

فالنتينو وعفاف لديهما ثلاثة من الأبناء: أرشميدس (محمد كيلاني) وهو فيلسوف العائلة ويعمل مُدرسًا في مدارس أبيه، وهو شخصيَّة عاطفيَّة من نوعيَّة القول الشعبيّ “يحب على نفسه” وهو يعشق مدرسة في المدرسة تكبره بأعوام عديدة (وفاء صادق). والثاني هو رفاعة (طارق الإبياري) يحب العلم بشدة ويتميز بذاكرة حديديَّة يتذكر بها ما قد حدث من أعوام عديدة بالساعة والثانية والملابس والأقوال بنصِّها وكل شيء. والثالثة هي نبويَّة (هدى المفتي) وهي تعشق العلم أيضًا وتحلم باكتشاف أيّ كوكب جديد لتغادر إليه هاربة من كوكبنا هذا وهي تكره اسمها وتحب اسم نانا بدلاً عنه.

وفي مشهد بالغ السوء تقنيًّا من المخرج نرى فالنتينو وعفاف في السيارة يكشفان لنا المنافسة التي بين مدارسهما ومدارس البهاء التي تنافسهم على اختطاف التلاميذ. وعندما يصل فالنتينو إلى مدرسته نكتشف شخصيتين جديدتين هما أخت فالنتينو (إنعام الجريتلي) وابنها عاصم (حمدي الميرغني) الذي يعمل مُدرسًا في مدارس خاله. وهو شخصيَّة ضعيفة كوميديَّة لشخص هشٍّ يحاول بدء علاقة له مع الجنس النسائيّ، ودائمًا ما يتأخَّر عن عمله ويصنع المشكلات مع خاله الذي تحول والدة عاصم أنْ تتفادى الصدام بينهما.

وعلى صعيد آخر نرى الخادمَين في بيت فالنتينو (بدرية طلبة ورضا إدريس) يستغلان انشغال أهل البيت عنهما ويؤسسان مشروعًا للوجبات التي يصنعانها في بيت فالنتينو من دون علم أحد. وفي المدرسة نرى الكثير من العلاقات والتشابكات الأخرى.
فالنتينو .. هل يبقى الزعيم زعيمًا؟ 2

كل هذه الشخصيات والعلاقات المذكورة تنبئ بوليمة لا بأس بها من الكوميديا التي قد لا تكون كوميديا صارخة بل كوميديا هادئة أقرب لجو المرح وحسب. ولكنْ يقف أمامنا سؤال: هل صنع المؤلف كل هذه الخطوط والشخصيات كي يساند عادل إمام في أقلّ ظهور على الشاشة؟!

حتى الآن يؤدي عادل إمام بشكل جيد، بل قد يكون مُفاجئًا لكثير من التوقعات، وحتى الآن تسير كل عناصر المسلسل سيرًا مُبشِّرًا بالخير. والأفضل هو عمل المخرج الذي امتاز بالكثير من الحيويَّة والثقة في توجيه عناصر العمل. والسؤال الذي ستجيب عنه الحلقات الآتية: هل ستكمل عناصر المسلسل نجاحها لتقدم لنا دراما اجتماعيَّة كوميديَّة بسيطة وممتعة أمْ سرعان ما سيخفق الجميع وينهار البناء؟!

عبد المنعم أديب
كاتب وناقد مصريّ، مهتم بالفلسفة والفنون. درس اللغة العربيَّة وتخصص في الفلسفة، يعمل كاتبًا ومُستشارًا ثقافيًّا. صدر له ثلاثة كتب: شيطان في المدينة، حكايتهما، جسدكِ تسبيحات في الأكوان. وله أكثر من مائة مقالة في النقد الفنيّ، ومئات من القصائد، وما يقرب من عشرين بحثًا علميًّا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *