مقالات

عندما شَدَت ريهام عبد الغفور بهارمونيا “وش وضهر”

ريهام عبد الغفور

على بيارق الفناء تُعلِّق ريهام عبد الغفور سرمديّة حضورها المُبارِك لدروب الدراما.

عند مجيء وقت الغسق تومئ الأحلام الخاملة إلى حين وصول الشّفق تلك فترة الهدوء الجامح التي تتحرّر من المسبقات هي كبوصلة إلى الإحتمالات والإشارات بالشّرود صادق الإصغاء.
فكيف يُسمع الصّمت بآذان أعمق؟
هذا سؤال مُغيَّب، أعي جوابه جيّدا خلال مشاهدتي لمسلسل “وش وضهر” يكُرُّ فيض فطنته بسيل من بزوغ الحِكمة فيرنّ ناقوس الفروض الحياتيّة.
كمقصد هنري ديفد ثورو بمقولته ( إذا كنت لا تستطيع الرّقص على نفس إيقاع الآخرين فربّما أنت تسمع موسيقى أخرى ) فهو ذاك اللّحن المُصاحب للإختلاف البشري نفساً، ذاتاً وفكراً.

عندما شَدَت ريهام عبد الغفور بهارمونيا "وش وضهر" 1
ريهام عبد الغفور من مسلسل “وش وضهر”

 

بين الوقيتين “الغسق” و “الشفق” حالة روحانيّة مماثلة لحالة “ضحى” فبين الوقيتين هي الشروق وحالة إحياء الأمل من الرماد تأخذ من هذه الفترة ملامحها وتشبيهها بهذا الوقت المشجون لأنها لا تتراخى صبحاً ولا مساءاً حتى حرّرت ذاتها من الكوابح العرفيّة.
لم تبنِ ريهام عبد الغفور حدود قاطعة لشخصيّة “ضحى” لأنها أفعمتها بظلال المعاني البلاغيّة عن طريق سياسة الشاعر في الإطناب السجعي لتُبرز الأوصاف الغالبة بدلالة تتّبع تمايز الشيء بضدّه والجوارح بضلها بالصورة المُصدّرة والصورة الخافية كما يُمكن أن تحكي كلاما بحنجرتها طبيعيّا ويحدُث أن تصرخ بصمتها، تمتلك النباهة الكاملة لِلغو الصّمت، في حين فاق حضورها على الذكاء العاطفي وصولا إلى الإغتباط الدّاخلي فهي شخصية بسيطة البُنية الإجتماعيّة لكن أداء ريهام لها أرستقراطي.

عندما شَدَت ريهام عبد الغفور بهارمونيا "وش وضهر" 2
ريهام عبد الغفور من مسلسل “وش وضهر”

 

حبال نسيج النفس لـ “ضحى” معلّقة على النّموذج البنيوي “الهُو” و “الأنا” و “الأنا العليا” فتندفع تضحيتها وصلابتها المُصرّة على تصدّر تأمّلاتها بالـ “هُو” الذي يشير إلى العقل الباطن وتغدو قِيمها الشخصيّة المُرتبطة بالمجتمع بالـ “الأنا” ولا تُهمل مناجاتها صوت الضّمير وهو المقصود والمتمثِّل بالـ “الأنا العليا”، على إيقاع هارمونيا التّناغم والتّماثل.

عندما شَدَت ريهام عبد الغفور بهارمونيا "وش وضهر" 3
ريهام عبد الغفور من مسلسل “وش وضهر”

 

جوريّة الروح وليلكيّة البصيرة، هذا وصف مقتبس من لغة الورود فلا شبيه لـ “ضحى” إلا هي لكونها شخصيّة نامية ولأن للورد الجوري دلالة النّبل والخلود والثقة بالنفس فتلاحمت سماتها بها وزهرة اللّيلك عنوان للإنطلاق والعفويّة والأفكار ولتطلّعات “ضحى” أفعال تأمليّة ولأداء ريهام عبد الغفور عطر يُبهج الغفوات إلى اليقظات الكبرى.

عندما شَدَت ريهام عبد الغفور بهارمونيا "وش وضهر" 4
ريهام عبد الغفور من مسلسل “وش وضهر”

 

“وش وضهر” هو ارتياد إلى آفاق جديدة للواقع المحكي، مؤلّفي العمل من ورشة مريم نعوم ضد “الكاتالوج” الجاهز فعقب عن المسلسل معادلة موضوعيّة للطبيعيّة الإزدواجيّة وهبت العمل عنصرا عقلانيّا حيويّ ومرِن وتُرسم الصور بالألفاظ وتُلفظ الكلمات بالتمعّن هذا لأن المخرجة مريم أبو عوف تعتلي ناصية الحقيقة.

تيا البارود
كاتبة صحفية وناقدة فنيّة مهتمّة بالقيم الإنسانيّة والقضايا المجتمعيّة المطروحة عبر نافذة الفن