مراجعات مقالات

صاحب المقام لا يستجيب لخطابات “إبراهيم عيسى”

صاحب المقام لا يستجيب لخطابات "إبراهيم عيسى" 1

بقلم : ميلاد نبيل

للكتابة متعة خاصة يشعر بها الكاتب ويتعايش معها، خاصة كاتب الرواية، يكتب بأريحية شديدة، لا رقيب عليه سوى قناعاته، ولا محرك له سوى موهبته، لا يتقيد بظروف إنتاج، أو بتوجهات مخرج أو منتج، لذا تظهر في أغلب الأحيان الأفلام المأخوذة عن رواية أقل في المستوى عن الرواية ذاتها، خاصة إذا كانت الرواية تتحدث عن مسألة حساسة مثل الصوفية _على سبيل المثال_ فبالرغم من نجاح فيلم “قنديل أم هاشم” على سبيل المثال، لكن تبقى الرواية التي كتبها القدير الرائع “يحيى حقي” أعمق وأمتع وأكثر قوة، ونفس الأمر بالطبع لكثير من أعمال الأديب الكبير نجيب محفوظ، والذي كان متأثرًا في كثير من رواياته بالتصوف كما هو الحال مثلا في “اللص والكلاب” و “الحرافيش”.
صاحب المقام لا يستجيب لخطابات "إبراهيم عيسى" 2

ربما كان “صاحب المقام” سيكون عليه “المقام” أكثر من ذلك إن سُردت قصته داخل رواية، إبراهيم عيسى _الذي له تجارب عدة في كتابة الرواية_ كان من الممكن أن يقدم ذلك وتصبح رواية ذات أهمية ما، لكن من المؤكد أن بريق السينما أغراه، وربما عائدها أيضًا سواء المادي أو المعنوي، فكان قراره أن يظهر “صاحب المقام” في فيلم سينمائي، وحتى هذا اللقب غير صحيح بشكل كامل _حتى الآن_ لعدم زيارة الفيلم لدور العرض السينمائية بعد.

قصد إبراهيم عيسى أن يحاول جعل الفيلم عميقًا، ويضع فيه رموز وإسقاطات، وكانت تلك مشكلة كبيرة، فالأمر حين يأتي طبيعيًا وغير مكلفًا يكون أصدق وأقوى، وجدنا ذلك بوضوح تام من خلال شخصيات مثل “روح”، “حكيم” و”حليم” حيث أراد أن يجعل من روح _الذي جسدته يسرا_ سفيرًا للضمير، ولم يُتقن رسمها بشكل حرفي، فهي من دلالة إسمها لا وجود لها، بينما بشهادة بعض العاملين بالمستشفى هي حية تُرزق، كما حاول أن يجسد من خلال حكيم وحليم _المتشابهان في الشكل والمختلفان في الرأي_ الصراع الداخلي ل “يحيى” الإسم المفضل لكاتب الفيلم.
صاحب المقام لا يستجيب لخطابات "إبراهيم عيسى" 3

الفيلم يدور حول ضريح أو مقام للشيخ “هلال”، يريد بطل الفيلم هدمه حتى يتمكن من بناء كمبوند، هنا ينصحه حكيم بعدم فعل ذلك لعدم إغضاب الأولياء، بينما الرأي الآخر “حليم” يشجعه على الهدم ويضع له خطة من خلالها ينشر أن الأضحية والمقامات هي عمليات نصب، وعند قيامه بأعمال الهدم يصاب بعدة مشكلات يفسرها له “حكيم” بأنه إنتقام من الولي، إلا أن “حليم” يحاول إقناعه بغير ذلك، إلى أن تدخل زوجته في غيبوبة دون سبب معلوم، وذلك أثناء حديثهم عن الضريح، هنا يشعر أنها رسالة له وأن تعديه على الأولياء هو من أتى بتلك المشكلات، ليقوم بعدها بالاقتناع ويبدأ في عملية محاولة إرضاء الأولياء
بالرغم من أن السيناريو يبلغنا بأن الضريح عند هدمه لم يجدوا به أي جثمان للشيخ هلال، وأن الأمر لا يعدو كونه نصب، إلا أنه تم الإنتقام من “يحيى” من الذي إنتقم إذن؟ وهل هذه طريقة أولياء الله الصالحين في الإنتقام ممن لا يريدوهم؟! ربما يحاول صاحب “صاحب المقام” أن يقول أن العقاب جاء على فكرة إستهانته بالأولياء بشكل عام بدليل أنه فيما بعد سيحاول إرضاء الإمام الشافعي وليس الشيخ هلال
لا يخفي على أحد تأثر مؤلف الفيلم بكتاب “من ملامح المجتمع المصرى المعاصر: ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعي” للدكتور سيد عويس، والذي رصد فيه ما يقرب من أكثر من مئة وخمسون رسالة من مريدي الإمام الشافعي يطلبون فيها رفع الظلم وعودة الضال.
صاحب المقام لا يستجيب لخطابات "إبراهيم عيسى" 4

من هنا حاول الفيلم رصد بعض المشاكل ومحاولة البطل حلها حتى يرضى عنه الأولياء وتنعم زوجته بالشفاء، وجاءت على سبيل المثال مشكلة الشاب المفقود غير منطقية بالمرة، فالأب _الذي قدم دوره بمهارة فائقة الراحل إبراهيم نصر_ يخاطب الإمام الشافعي من أجل إبنه الذي حاول أن يسافر عبر هجرة غير شرعية ويطلب من الإمام عودة إبنه، ثم نكتشف أن إبنه لم يسافر، وأنه متواجد داخل البلاد، ولم نفهم لماذا لم يذهب لوالده كل هذه المدة؟ وكيف بتلك السهولة ذهب مع البطل لأبيه ليحتفلوا بشكل مبالغ بعودته؟!

أما المشكلة التي ظهر فيها محمود عبد المغني كانت جيدة على المستوى التمثيلي لكنها إفتقرت أيضًا للمنطق خاصة عند سؤاله لزوجته “مين الواد ده” لترد “ده إبنك ياراجل” فكيف يقوم رجل _ مصري شرقي _ بإرسال خطاب للإمام الشافعي يطلب فيه شفاء إبنته بينما هو لا يتذكر إبنه، كما جاءت المشكلة التي ظهر فيها “محمد لطفي” _بأداءه المتكرر_ باهتة، ربما أفضل ما فيها ظهور محسن محيي الدين.
صاحب المقام لا يستجيب لخطابات "إبراهيم عيسى" 5

حاول صناع الفيلم إضفاء حس كوميدي على العمل من خلال ظهور كلا من “إيمان السيد” و”محمد ثروت”، فهو كان في غير محله تمامًا، وغير مناسب لطبيعة الفيلم، وبدا كأنه فاصل ممل، ربما كان الأمر محاولة لمغازلة الجمهور أو لمغازلة السبكي منتج الفيلم

وعلينا أن نعترف في النهاية أن الجدل الدائر حول الفيلم سببه الأكبر هو كون “إبراهيم عيسى” مؤلفه، إبراهيم الذي قدم “مولانا” و “الضيف” من قبل، كان من الممكن أن يقدم شيئًا أعظم من هذا إن إستعان بسيناريست قوي وبمخرج صاحب رؤية.

Behind The Scene
بيهايند هي كيان سينمائي مصري متخصص فى مجال ترشيحات الأفلام والمسلسلات وتقديم تغطية لكافة الاخبار الفنية في السينما والدراما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *