مراجعات

الحريف – قاهرة الثمانينات بعيون محمد خان

عادل امام الحريف

فى الشارع
فيه ناس بتلعب كورة فى الشارع
و ناس بتمشى تغنى
تاخد صورة فى الشارع
فيه ناس بتشتم بعض
تضرب بعض
تقتل بعض فى الشارع
فيه ناس تنام ع الأرض فى الشارع
و ناس تبيع العرض فى الشارع
و فى الشارع
أخطاء كتير صبحت صحيحة
لكن صحيح هتكون فضيحة
لو يوم نسينا و بوسنا بعض فى الشارع

بكلمات أمينة جاهين و صوت الرائع أحمد زكى يبدأ محمد خان فيلمه فى إشارة مبكرة لمضمونه و جرس إنذار لكل مغيب عن الحقيقة أو مستسلم لها يدعو للاستفاقة من غفلته ، فالفقر و النوم فى الشارع لا يقل فى عيبه شئ عن البوس فى الشارع .

قصة فيلم الحريف :

تدور أحداث فيلم الحريف عن فارس ، الرجل المصري الذى يمكن وصف حياته المهنية بأنها مزدوجة فهو نهاراً يعمل بأحد مصانع الأحذية و لكن ليلاً يختفى فارس العامل و يظهر لنا الحريف نجم ساحات وملاعب الكرة الشعبية .قصة فيلم الحريف

– يقدم لنا فيلم الحريف الأحياء الفقيرة في القاهرة متعمقاً بالحالة الاجتماعية و المادية و النفسية لساكنيها من خلال عيون فارس ، و التى تم وصفها بدقة و كفاءة نادراً ما نراها من خلال رؤية محمد خان و سيناريو الرائع بشير الديك و على ألحان المبدع هانى شنودة .

– جعلنا خان نشاهد الواقعية متجسدة فى كل شئ ؛ ابتداءً من الحارة الشعبية و أماكن التصوير التى أصر خان على أن تكون واقعية بتدخل شبه منعدم للديكورات إلى عالم الساحات الشعبية و الرهانات بالإضافة لتقديم القهوة المصرية الأصيلة مع تصميم رائع لشخصياتها .

ببساطة يمكن القول أنه بالرغم من كونى من مواليد عام ٢٠٠٠ إلا أننى أستطيع أن أصف لك و بدقة حال الشارع المصرى فى الثمانينات بعد مشاهدة الفيلم وهو أمر نادر الحدوث على مشاهد عادى لم يعاصر شيئاً من تلك الحقبةكواليس الحريف

– قدم سيناريو فيلم الحريف شخصية فارس ؛ شخصية بها قدر غير بسيط على الإطلاق من التعقيد فمن ناحية هو شخصية محبوبة و طيبة بشكل عام إلا أن حالته المادية الضيقة و علاقته المضطربة مع زوجته و بعده عن طفله الوحيد يضعونه فى حالة ضغط نفسى و عصبى مستمر .
تتقدم الأحداث فى هذا الجانب لنشاهد فارس و هو يتعرض للنصب ، الطرد المتكرر من العمل ، بالإضافة لتلقيه عرض للعمل مع صديق قديم فى طريق مشبوه و اتهامه فى جريمة قتل تحدث فى نفس المبنى السكنى الذى يعيش فوق سطوحه .
كم كبير من الضغوط ، الطيبة ، الحزن ، و الغضب يتم تجسيده ببراعة شديدة و انسيابية لا تخرج إلا من موهبة فذة كموهبة عادل إمام و الذى قدم أحد أهم أدواره و أعماله الفنية بشكل عام فى هذا الفيلم .

لا يمكن الحديث عن الأداءات التمثيلية دون الإشادة بالدور الرائع الذي قدمه نجاح الموجى ؛ فبالرغم من صغر الدور و وقته الضيق على الشاشة إلا أنه استطاع سرقة الكاميرا فى كل فرصة ممكنة .نجاح الموجي الحريف

سيناريو فيلم الحريف بسيط للغاية و عندما تبحث عن حبكة أو صراع محدد يدور حوله الفيلم فغالباً لن تجد ، لم يصنع الفيلم من أجل تقديم قصة اعتيادية و لكنه قرر أن يقدم لنا الشارع المصرى بأقصى قدر ممكن من الواقعية .
نعم ؛ الواقعية و الرمزيات البسيطة كانت ما تسلح به صناع هذا الفيلم عند تقديمه ؛ و من خلالها استطاع مناقشة عدد كبير جداً من المشاكل و القضايا دون الوقوع فى فخ التشتت الذى نراه دائماً فى الأفلام التى تناقش أكثر من قضية و أقربها فيلم كفرناحوم على سبيل المثال .

– إشادة خاصة للسينماتوجرافى العظيمة و التى لن أبالغ بقولى أنها من أجمل ما رأيت على الإطلاق ؛ أعلم أن خان لم يستخدم أفضل الكاميرات أو أغلاها سعراً نظراً للإنتاج الضعيف ، لكنه عوض كل ذلك من خلال تصوير الحارة المصرية بكافة زواياها بكفاءة و مزج تلك الصورة مع الأفكار والمشاعر التي يتناولها الفيلم .خان الحريف

– ربما لا يشوب الفيلم الا الميزانية الضعيفة بشكل واضح التى انعكست على بعض عناصر و مشاهد الفيلم كمشاهد المباريات نفسها و المكساج الصوتى الضعيف بالإضافة إلى جودة الصورة .

– شاهدنا في الفيلم حالة عامة من الإرهاق والتعب تم عكسها بشكل رائع من خلال تصميم الشخصيات و الأزياء و المكساج الصوتى لصوت نهجان فارس و الكثير من المشاهد الصامتة التى اعتمد فيها خان بالكامل على كاميراه و قدرات ممثليه .

شاهدنا تجسيد رائع للصراع الدائم ما بين الرأس المالية المتجسدة فى “زكي الاسكندرانى” وكيل أعمال فارس والعامل البسيط ، فبالرغم من مكاسبه الكبيرة الا أنه لا يعطى لفارس الا القليل منها ؛ مزيفاً المكاسب و العروض و مستخدماً مختلف الألاعيب لسرقته و إرضاؤه بنفس الوقت ؛ ففى النهاية زكى سيكون خاسراً إن لم يملك فارس .

“انا هلعب مع الخسران”
بهذه الجملة يعلنها فارس صريحة انه يتحدى ذلك المنافس الجديد و يتحدى زكى بل و يتحدى نفسه شخصياً ليقدم مباراة اعتزاله و التى أرادها أن تكون خير خاتمة له و انتصار له فى زمن كثرت فيه الهزائم لمن هم أمثاله ."انا هلعب مع الخسران"

“ملعون أبو الفقر”
بهذه الجملة يمكننا تلخيص ما يريد فيلم الحريف قوله ، عدو فيلمنا ليس زكى الاسكندرانى الذى يختلس المال من فارس أو شعبان الذى يجره الى طريق فاسد و لكنه الفقر ؛ ذلك الذى لولاه لما كان لهؤلاء فرصة التواجد فى حياة فارس من الأساس.

بالمجمل فيلم الحريف هو أرشيف عالى القيمة لقاهرة الثمانينات بكل تفاصيلها لابد من إعطاؤه المكانة التى يستحقها فى كل فرصة متاحة .
تقييم الفيلم هو 9/10 .

محمد هشام
كاتب بموقع بيهايند و طالب بكلية الطب جامعة عين شمس من مواليد المنصورة، محب للسينما وكرة القدم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *