– أحسنت صنعاً يا بني.
= أحسنت صنعاً؟! نحن لم نفعل شئ سوى النجاة.
– هذا كافي يا بني.
فيلم حربي ليس مثل اي فيلم حربي آخر في تاريخ صناعة السينما فالأفلام التي تتكلم عن الحروب غالباً ما تعتمد على التشخيص وهي أسهل وأبسط وسيلة للتقرب من المشاهد، ولكن هنا نولان قد أخذ طريقاً قد يبدو مثيراً للجدل وجرئ بشكل أو بأخر الا وهو التركيز على الحدث أو بالآحرى التركيز على فكرة الحرب بذاتها، وهو ما جعل الكثير من المشاهدين يكرهون هذا الفيلم بشكل أو بآخر، فنحن كمشاهدين ربما لا يعنينا مشاهدة الأفكار نفسها بشكل مجرد بل نشعر بالتعلق إذا ما شاهدنا حكايات لبشر مثلنا وهذه الحكايات تعبر عن الأفكار التي يريد المخرج أن يوصلها، ولكن نولان هنا اخذ الموضوع بشكل معاكس فقد جعل الفكرة أو الحدث هو ما يعبر عن القصة الإنسانية وراءه وهو اسلوب جرئ يمكنني أن احترمه.
نولان قد اخرج لنا سيمفونية مليئة بالمشاعر، فالاحداث هنا تتصاعد مثل تصاعد الموسيقي في الأوبرا حتي تصل للذروة وانت جالس تستمتع بكل لحظة يقدمها لك المايسترو نولان، تري آلاف من الكومبارس وهم يتجمعون على شريط ساحلي ضيق والطائرات من فوقهم تزمجر في تشكيلات مثالية، والبحر من أمامهم ملئ بالسفن المحترقة، ثلاث طبقات من الأحداث ربما كان يحاول أن يقدم ما أطلق عليه A War Inception الأرض والبحر والجو، ثلاث وجهات نظر تتشكل وتتقاطع سوياً، أقل ما يمكنك أن تقوله على فيلم مثل هذا إنه فيلم طموح فيلم جرئ فيلم يحاول كسر التابوهات المعتادة في الأفلام التي تتحدث عن الحرب العالمية الثانية، حتي ولو كنت تعتقد أن هذا الفيلم هو قطعة من القمامة لا يمكنك سوى أن تحترم المجهود الجبار الذي بذل في صناعته.
الفيلم يتحدث عن أكبر عملية إجلاء حربي في تاريخ البشرية، ولكنك لست هنا من أجل القصة فالقصة انت تعلمها بالفعل، ولكنك هنا من أجل اخراج نولان، فنولان هنا يستعرض عضلاته يقول لكل مشكك فيه وانا من ضمنهم “انا هنا! انا الأفضل!” نولان المخرج المهووس بالسرد غير الخطي بداية من Following وبعده Memento وإلي Inception و Interstellar يمارس هوايته المعتادة في السرد غير المعتاد، ويدخلك مباشرة في الأحداث بدون سابق إنذار، انت لا تحتاج أن تعلم ماضي البطل مع حبيبته فلا يوجد بطل هنا، لا تحتاج ان تشاهد المعركة اللي أدت للإنسحاب، انت لن تشاهد جندي الماني واحد حتي، التركيز هنا بشكل كامل على عملية إجلاء دانكيرك، ما تشاهده هو حرفياً لقطة طويلة دون بداية، لقطة ذات طبقات متعددة ولكن هذه الطبقات تمثل الصورة الكاملة.
لا يمكنني ان اشدد على مدي واقعية هذا الفيلم اعتقد إنني لو كنت على شاطي دانكيرك لما كنت اختبرت الأحداث بهذا الشكل، أنا لا ابالغ لو قلت ان نولان يجعلك تشعر وكأنك داخل الأحداث تعيشها لحظة بلحظة، وما ادراك بمثل هذا اللحظات، ففي الحرب اللحظة يمكنها ان تتحول لدهر بأكمله وهذا ما اوصله لنا نولان، الفيلم عبارة عن تجربة فريدة من نوعها خاطفة للأنفاس ليس فقط على المستوي البصري الذي هو الأفضل في سنة 2017 وربما يكون من الأفضل على الإطلاق، لكن أيضاً على مستوي التصميم السمعي فكل شئ يبدو وكأنك تسمعه عن قرب ومصحوباً بموسيقي العبقري هانز زيمر، صوت طلقات الرصاص، انفجار السفن، المناورات الجوية، صراخ الجنود، وهو ما يذكرني انك لن تشاهد قطرة دماء، لن تشاهد أشلاء تتطاير، لا يوجد مشاهد دامية هنا، ومع ذلك انت تشعر بالرعب والتوتر وتسارع الأنفاس مع مرور كل لحظة في الفيلم، وقد استطاع نولان تحقيق المعادلة الصعبة وربما المستحيلة بتقديم فيلم حربي بتصنيف PG – 13، بدون الإعتماد على قصة بطل تراجيدية، ولا أن حبيبته تريد عودته للمنزل، ولا كليشيهات افلام الحروب التي تعودنا عليها.
عزيزي القارئ انت أمام تحفة فنية من تحف القرن الواحد والعشرين، فيلم ثوري اتمني ان أشاهد مثله مستقبلاً برغم إنني أشك ان احد ما يستطيع تقديمه مثل نولان، قصة قدمت بمثل هذا الشكل والأسلوب وبهذه الضخامة هو أمر مثير للإعجاب، يجب على اي احد ان يحترم ويقدر بل ان يحب هذا الفيلم، إذا لم تكن شاهدته فأنصحك ان تشاهده في أقرب فرصة ممكنة، وإذا كنت شاهدته سواء أعجبك أم لا فشاهده مجدداً وقدر تقديم مثل هذه القصة العظيمة بمثل هذا الشكل هدية لك من كريستوفر نولان.
التقييم النهائي : 9 من 10.