فلنَعُد بالزمنِ قليلاً،
ولنَتذَكرَ سوياً كيف كانت بداية كل شئ،
حينما شَرعَ “نيك فيوري” في تأسيسَ مجموعةٍ تَضُمُ عدداً من الأبطال الخارقين وذوي المهارات الخاصة تحت مُسمي”الأفنجرز”-أو “المنتقمون”- بهدفِ حمايةِ العالم من الأخطارِ المحيطة التي لم يتمكن العامة من التصدي لها و معرِفة إذا ما كان بإمكانِهم تَحمُل المسؤولية وقتَ الحاجةِ إليهم وأنهم هم وليس غيرهم من بمقدوره تحقيقِ تلك الرؤية بكل ما تحويه من أهدافٍ لخِدمة البشريةِ بأكملِها.
وبالفعلِ، نَجَحَ “فيوري” في بادئ الأمرِ، حينما تجمع “الأفنجرز” تحتَ لواءِ “ستيف رودجرز” –أو الملقب ب”كابتن أمريكا”- وتمكنوا من الظفرِ بإنتصاراتٍ ساحقة كان نتاجُها قوةِ الترابُطِ بين أعضاء الفريق الواحد والتناغم الشديد بينِهِم مما تسبب ذلك في إيقاظِ شرارة الأمل عند سائر الناسِ الذين تَبددَ خوفهم وتفجرت مشاعرهم تعبيراً عن إعتزازهم بوجودِ من يحفظ لَهُم الأمنَ ويُوفرَ لَهُم الحياة الأمِنة.
لَكِنَ الرِياحَ تأتي بما لا تشتهيه السفن، فقد حدثَ ما بعثَر صفوف الفريق وقلبَ الأُمورَ ِبرُمتها رأساً علي عقِب، وذلك حينما نُشبت خلافاتٍ حادة بين أبطالنا علي إثرِ خطأٍ غيرِ ِمقصود تَسببَ فيما بعد بخسائر جمة وإنقلاب الرأي العام ضدَهُم ، مما عَززَ بذلِك ضرورةِ بحثِ الحكومةِ لإتفاقيةٍ تَنُصُ علي تَحَكُمِ سُلُطاتِها بكافةِ أنشِطة الفريقٍ وإلزامهم بالعملٍ تحت إمرتها دون إتباع أوامر فردية لأي فردٍ بالفريقِ مهما بلُغت مكانته.
لكن ذلك لم يزد الوضعُ إلا سؤءاً، حينما إندلعت علي الفورِ ما يُسمي ب”الحرب الأهلية” و صعَّدت من حِدة تِلكَ الخِلافاتِ التي أدت إلي إنقسام “الأفنجرز” لفريقين متضادين في المبادئ والرأي يَتمسكُ أفراده بدوافعه الخاصة متفانياً في إثبات صحتها حتي ولو كان ذلك علي حسابِ الود والأُلفةِ التي جمعت بين أفراد الفريقِ في السابِق، ليتأكد حينها تلاشي كُلِ ما كانَ يؤمن به “نيك فيوري” وعَمِلَ علي تحقِيقه مُنذُ غُدوهِ أحد قادات “شيلد” الباِرزين.
بالعودةِ إلي الحاضر
نَجِدُ أنَ القدرَ شاءَ أن يُوقِظَ “الأفنجرز” بصفعاتٍ أليمة، حينما ظَهرَ “ثانوس” إذ فجأةً من العَدمِ وحطَ رحاله في كافة أنحاء المجرة باحثأً عن “أحجارِ الأبدية” الست لكي يُحقق مبتغاه في فرضِ التوازنِ بين العتاد البشري والموارد المتاحة لَهُم.
لكنه سرعان ما أُزيح الستارِ عن الوجه الأخر لخُطة “ثانوس”، إذ لقي بعض الشخصيات مصرعهم خلال المُشاركة بالحربِ علي “ثانوس” وغزوه الفضائي في مفأجاةٍ مدوية وفُقدانِ الأرضِ لنصفِ سُكانِها تاركينَ بقية الفريق في حالةِ ذُهولٍ تام مُفعم بتساؤلاتٍ لا حَصر لها جراءَ ذلك الحادثِ المأساوي.
وقد مرَ الوقتُ عصيباً علي الجميعِ حاولوا من خِلاله المُضي قُدُماً في حيواتِهم تاركين ما حدثَ مدفونٍ بداخل تجاويف عقولهم، لكِنهم أدركوا فيما بعد بأن “الشئُ إذا زادَ عن الحدِ إنقلب إلي ضدٍ” وإنهم غيرِ قادرين علي الإبحارِ أكثرُ مِن ذلِكَ في دوامات الذكريات التي لا تزيدَهُم إلا حزناَ وألماً علي فُراقِ أحبائهم.
لِذا، كانَ لابُدَ من إستغلال الفرص الممكنة و التعهد علي التَكاتُف ووحِدة الصفِ من جديد لإجل إعادة الأمورِ إلي نِصابِها الصَحيح وإستعادة البشرية وإنقاذِها من بَراثِنِ الهَلاكِ الأبدي: “مهما كانَ الثَمَن”.
قد يتسائل البعض:”لِما تلك المُبالغة المُفرطة في سَردِ تاريخ الافنجرز بماضيه وحاضره حيث أن الجميعَ علي درايةٍ تامة بكُل ما تحويه تلك المقدمة من تفاصيل؟”
التصريحُ الصُحُفي للإخوة “روسو”-مخرجي الفيلم- أثارّ فضولي ودفعني لتقليبِ صفحاتٍ من ذاكرِة عَالَمَ “مارفل” السينمائي لفَهم مغزي كلامَهُما وربطِه بماضي سلسلة أفلام ال”MCU” لمُشاركة القراءِ ما تمَ الوصُول اليه من نتائج قاطعة بشأن ذلك.
فقد أكد الثُنائي بأن الفيلم يرتكز كُليتاً علي مفهوم “الإتحاد” وأنها سلاح “الأفنجرز” الذي يُورثِ القوة المطلوبة لتصحيحَ مسارِ الواقع وردِ ما فعله “ثانوس” بخطة “الإبادة” خاصته.
والقوة هُنا ليست بالسِلاحِ أوالعِتادِ فحسب، بل هي قوة الفكرِ والإيمانِ بوجوبِ التوحُدِ من جَديد وفِعل المستحيل من إجل تحرير البشريةِ وإستعادة المفقودين.
فالمقصدُ من تلك الإطالة هو تذكِرةَ عُشاق ومُحبي السلسلة بأنَ كُلِ ما خاضَه الفريق من صولاتٍ وجولاتٍ سَوياً –الفضلُ في ذلك يَعُودُ إلي الإيمان بأهميةِ “الإتحاد” وكونه أساس النصر وتحقيق الأهدافِ مهما بَلُغت صعوبَتِها.
حتي في أحلك الظروفِ خصوصاً وَقتَ قِيام “الحربِ الأهلية” بينَ أعضاء الفريق وبعضهم، كانَ كُلِ فريقٍ علي قلبِ رجلٍ واحد من إجل نُصرة قضيته التي كان يؤمن بها ويناضل من أجلِها.
بالنظرِ إلي محتوي السيناريو، فمن السهلِ تصنيفه بكَلمةٍ واحدة لمن لا يرغًبونً في التعمُقِ الغزيرِ في التفاصيل وهي “مُتعدد الفئات السينمائية”، أما من يرد معرٍفة المزيد فعليه أن يدرك بأن النص إحتوي علي ثلاثِ عناصرٍ هامة:
1-كوميديا فعالة ٍوغيرِ مُبتذلةٍ نابِعة من رِحمِ لحظاتٍ خاصة عاشها الأبطال عَقِبَ مذبَحِة “ثانوس” المُدمِرة.
2-دِراماٍ عاطفية ذاتِ التأثير الفعال و النابعِ من مواقفَ عصيبةٍ صادَفت الفريق ونتج عنها تفاعُلاتٍ عِدة أسفرت عن قوة الشق الدرامي الخاص بالسيناريو.
3-مشاهِدَ قِتالية متنوعة ربما تُعدُ مِن أفضلِ ما قدَمَه الإخوة “روسو” وأكثرِهم إتقاناً وتَقليلاً للأخطاء الصغيرة المُرتكبة في أفلام الثُنائي السابِقة.
ليس هذا فحسب، بل شهد السيناريو زخماً مليئاً بالمفأجات المدوية والإتواءات المتعددة في صلب الحبكة التي نتج عنها تفاعل غير مسبوق من قبل الحاضرين بصالات السينما عن أي فيلم أخر داخل عالم “مارفل” السينمائي.
لِذا كانً لِزاماً علي الإخوة “روسو” تحذيرِ الجَميعَ بِعَدمٍ حرقٍ أية تفصيلةٍ تَخُصُ القصة لأهميتها القصوي وتأثيرها المتلاحق فور التعرُضِ لها أثناء مُتابعة سيرِ أحداثِ الفيلم.
لكن ما من شئٍ يَفُوقُ ما أسفرَ عنه تَسلسلِ النهاية الذي لم ولن يوجدَ ما هو مَثيلٌ لها في الأفلام السابقة وربما تُعد مِن أفضلِ فُصولِ الخِتامِ التي أثارت رُدود أفعالٍ إيجابية مُفعمة بالتصفيقاتِ الحارة والأحساسيس الرقيقة تعبيراً عن سعادَتِهم الا مُتناهية بتلكَ الدقائق المُثيرةَ لكل ماهو شاعريٍ في النفسِ البشرية.
إخراجياً، السيناريو كانَ في أياديٍ أمينة، فالإخوة “روسو” إستطاعا من جَديدٍ إثباتِ جدارتِهِما للمرةِ الرابعةِ علي التوالي بأن يَكونا رَهانِ “إستديوهاتِ مارفل” الرابح في تقديمِ تلك الملحمة السينمائية بأُسلوبٍ إستثنائيٍ يُلبي طُموحات الملايين المنتظرة لختامِ مسيرة الإحدي عشرةَ عاماً من الإبداعِ في مجالِ الأفلام المقتبسة عن قصص مصورة.
فقد كثفا مجهوداتهما علي الصعيدِ الإخراجي مستعينينَ بالتقدم المذهل في التكنولوجيا الرقمية المستخدمة لأغراضٍ سينمائية كوسيلةٍ للرفعِ من مستوي جودة التجربة البصرية، خصوصاً بأن الفيلمَ مُزخمٌ بعديدِ الَمشاهد التي تتطلب عملاً مضنياً في دمج لقطاتٍ مُتعددة بتقنيات الCGI المستحدثة داخل أفلام عوالم الأبطال الخارقين في الآونة الآخيرة.
يضافُ إلي ذلك النجاحُ الساحِق في تصويرِ مشاهِد الإشتباكاتِ والمعارك بصورةٍ مِثالية لكي يستثني للجميعِ متابعة تسلسلاتها بسُهولةٍ ويُسر.
لذا، كان من السهلِ علينا كأنصارٍ ومحبينَ لأفلام عالم “مارفل” السينمائي إعتمادِ شَهادةِ تقديرٍ مستحقة للأخوة “روسو” علي شغفهم منقطع النظير بتقديمِ مُحتوي السيناريو في أبهي صورةٍ وتفانيهم الشديد في تقديمِ النهاية التي يستحقها الجميع والتي سيَكونُ من الصعبِ نسيانُها مهما طالَ الزَمن وكَثُرت إنتاجاتِ “مارفل” المُستقبلية.
علي مستوي التجسيد، فالجميعُ كان حاضراً بقوةٍ في واحدٍ من أقوي تجمعات الأبطال الخارقين، والفضلُ في ذلِكَ يَعودُ للسيناريو الذي نجح في خلق المِساحة المُناسبة لكُلِ شخصيةٍ لتقديمِ ما يجعلُها تحظي بأهمية كبيرة في سياق الأحداث.
لَكِن هُناكَ من يَجِبُ أن أخصُهم بالذكر:
1-الثُلاثي الرئيسي “روبرت داوني جونيور-كريس إيفانز-كريس هيمسورث” قدما أداءاتٍ مُميزة تَفُوقُ ما قدموه في أفلامِهم الخاصة نَظَراً لضخامة الأحداث وتَعددِ ظُهور الشخصيات ضِمن نِطاقاتٍ مكانيةٍ مُتعددة خُصوصاً “داوني جونيور” الذي أظهرَ ما يُصدقُ به علي كلام الأنصار بأنه القائد الحقيقي لعالم “مارفل” السينمائي وروحه التي ستُخلدَ إسمه كأهم من قدموا أدواراً رئيسيةٍ ضِمن أفلام الأبطال الخارقين.
2-كارين جيلين “نيبيولا” التي رَسخَ لها السيناريو دَوراً يُعد من أبرزِ مُفاجئاتِ الفيلم نتيجة ما حَمِلته الشخصيةُ من أبعادٍ دراميةٍ مُتعددة وتَفاعُلاتٍ إستثنائية ضد ما شَهِدته الشخصيةَ من لَحظاتٍ جوهرية في القصة.
وقد إستطاعت “كارين” أن تنالَ إشادةٍ مستحقة من قِبل الجماهير رُبَما لم ولن تتوقع حُدوثِ مِثلُ ذَلِكَ وقتَ ظُهورِها بثنائية “”Guardians Of The Galaxy.
3- جيريمي رينر “هوكاي” و بول رود “الرجل النملة” الذين عوضوا الجميعً عن غيابهما في “INFINITY WAR” بظهورٍ فعالٍ خلال الأحداث ولَعِبوا دَوراً بارزاً ضِمنَ تِلك المَهَمةِ الصعبة التي يَخُوضُها الفريق لردِ ما فَعله “ثانوس”.
رُبما يَعيبُ الفيلمَ ذَلِكَ الظُهور الخافت لأحد الشخصيات المُفترضِ لها بأن تشغَلَ حَيزاً كَبيراً في القِصة (لن يتم الكشف عنها لتجنب الحرق)، لكن النصَ إكتفي بظهورٍ خافت ليس بذلك التأثير مقارناً ببقيةِ عناصرَ الفَريق.
وها قد وَصلنا إلي لحظة الخِتام!!!!
لحظةِ إنتهاء مسيرة إثني عشرَ عاماً من الإنجازات السينمائية التي أتحفتنا بِها “مارفل” علي مدارِ تلك الفترةِ الكبيرة والتي لاقت إستحسان الجميع ونجحت في جذب شريحةٍ عريضةٍ مِنهم كانت ولا زالت تتعلقُ بذَلِكَ الكَمَ الهائل من الشخصيات مُتذَكرةً لكُلِ صَغيرةٍ وكَبيرةٍ تَخًصُ ذلك العالمَ المَرسومُ بعناية فاقت كُلِ التَوقعُاتِ وأصبحت تَحُوذُ علي قدرٍ هائلٍ مِن الأهمية .
لِذلك، الخِتامُ سَيَكونُ بتحية إجلالٍ لِلقائمينَ علي تِلكَ الرَوائِع السينمائية التي سَتَظلُ خالدةً في الأذهانِ دَوماً مصحوبةً بمطلبٍ من الجَميعَ بأن يُصدِر فَرقعٍة بيده ولكن ليست هذه المرة بغرض الإبادة بل تعبيراُ عن الإنتهاء من خوض تِلك التَجرُبة العَظيمة وبِدءِ الإستعدادِ لِمرحلةٍ جَديدةٍ وقِصص أُخري مِن قِصصِ “مارفل” المحفورة في صفحات القصص المصورة.