حين تُنهض ثورة مع الحقيقة والزّمن بين ما جود وما بُطل، مشاهدة مسلسل المتهمة جعلنا حرّاسا لها.
تعرف ساعة الرّمل تعاملها مع الزمن ووحداتها كعلم درّة بالتعامل مع كيان “نورهان” دقيقة في انفعالاتها تضيء العيون لإرساء الحقائق كاملةً، كتبت إشارات فقدانها المؤقَّت لذاكرتها لتكوِّن نظاماً سيكولوجيّا يبتهج بالتّجديد ويسخر من التّنميط.
اعتنت درّة بتقلّبات “نورهان”، تقود مغامراتها وتُعبِّر عن رأيها فيها بدفاع مستمرّ عنها، منذ تحديقتها الشّجِنة الأولى إلى متاهة نظرتها عند استيقاظها بذاكرة أغلِقَت أنوارها وهي تبذل مجهوداً تحاول إعادة إشغالها، غرفة المستشفى لم تَتّسع لشرارة عيون تتفقَّد وتفتقد.
كيف جعلتنا درّة في حصار الإتّهام مع “نورهان”! ليس سؤالاً بقدر ماهو إعجاب بهول الصّدق، استخدمت درّة منذ المشهد الأول تراكيباً مفهومة غُزِلت بحُنكة موحية بصدق الوضع، البيئة واللهجة، تعبيرها مُلئ بالوعود الصادقة.
حمِلت نورهان داخلها جوقة كاملة مع طبقات داخليّة للنّفس تُثير الحيرة ثم الذّهول كسروج عينيها من أجل الحياة، آبية للخضوع لأي جدول راهن مفروض، تلعب على حدود الشك، تُهادن الصمت تارة وتُهاجمه أخرى وتُقاسم البقاء الوجودي ألفته.
لوحة فسيفياء صنعتها “نورهان” بفلسفة الرّفض التي رافقتها درباً بدرب، في لحظات الصّمت حتى في عزلِها داخل غرفة خالية جدرانها حُطَّ عليها عوازل “فلّينيّة” في فضاء الصّمت ذاك إذا صرخت سيملؤه الأنين الجريح.
في لافتة “نورهان” الفسيفسائيّة أجابت درّة على أسئلة ستانسلافسكي السّبعة في منهجه، أصابتها بترتيب وتوظيب لم تغفل عنها الفواصل، بقت حَدِقة حتى اللّحظة الأخيرة.
الخلفيّة النفسيّة الدرامية لـ “نورهان” شائكة تمكّنت من احتضانها درّة بأداء شاهق، قيل في علم النفس عند تعرُّض الإنسان إلى موقف عَسِر أو صدمة فإنه إما يُضحي إنساناً هادئاً أو شخصاً شرساً يهوى الأذيّة، حصيلة الإثنين باعتدال المستوى هي “نورهان” ضبطت درّة إيقاع هدوئها ورِقّتها التي لا تدل على الضّعف مع دوافعها للإنتقام فحصلت على براءة الإنتقام.
كضبطها للنِّظام السيكولوجي الخاص بـ “نورهان”، جذبت ثلاثي زوايا مثلّث كاربمان الدّرامي لوجهتها.
فهذا الدّور يؤازر أسس خبرة درّة.
تدفّق الذّكريات إلى ذاكرة “نورهان” وتداخلها مع الأحداث جعل من ترابط الأحداث متعة بديهيّة فالمخرج تامر نادي جدير بهندسة الدراما، قادر على شحن الشخصيّات بنظام الـ “Puzzle” حيث لم يضطر لإجبار المُشاهِد على شيء بل جعل المُشاهِد شاهدا على كتابة الشخصيّات.