هناك العديد من الأعمال التي يدرك صانعيها إنهم بمجرد البدء في تنفيذها إنهم يدخلون في إختبار صعب وقوي، وكلما كان الإختبار قوي كلما كانت فرص النجاح صعبة وتخلق العديد من الضغوط على أصحاب العمل دون إستثناء مما يجعلهم في حالة ترقب دائم لأي إنتقاد.
وكان الأمر كذلك بالنسبة لمسلسل الإختيار، فقد أدرك الثلاثي أمير كرارة وبيتر ميمي والمؤلف باهر دويدار منذ اللحظة الأولى للبدء في الإعداد للمسلسل إنهم أمام إختبار قوي، ولكنهم بشجاعة خاضوا تلك التجربة سعيًا وراء تقديم عمل لا ينساه الجماهير.
فالإختبار الأول كان في كتابة السيناريو، فكان من الصعب ان يكون العمل شاملاً لتفاصيل حياة الشهيد أحمد المنسي العملية المليئة بالأحداث بجانب حياته الشخصية، ولكن المؤلف باهر دويدار استطاع أن يجعل المتفرجين في حالة من القرب والألفة مع شخصية أحمد المنسي ، معتمداً على التفاصيل التي علمها عن حياته في الجيش وخارجه ، بالإضافة إلى وضعه لبعض الخطوط الدرامية بشكل موفق في الأحداث على الرغم من معاناة المسلسل من بعض التطويل إلا إنها السمة السائدة في الاعمال الرمضانية وتواجدها بات أمر طبيعي.
وكان ثاني الإختبارات هو لأمير كرارة، فعلى الرغم من كونه نجم قدم البطولة المطلقة في عدد من الأفلام والمسلسلات ، إلا إن الكثيرين كانوا يرون أنه متأثر بشخصية سليم الأنصاري في مسلسله الشهير “كلبش”، ولم يستطع الخروج من عبائتها، وهو ما خلق تساؤلات حول إمكانية أدائه لشخصية أحمد المنسي، إلا أن كرارة أستطاع تقديم واحد من أفضل أدائته التمثيلية في الإختيار، حيث قدم الشخصية بشكل رائع دون إنفعالات أو مبالغة وكان واضحًا للغاية إنه قام بدراسة جيدة للشخصية من عائلة أحمد المنسي، فتمكن من تقديم الشخصية بشكل رائع وهاديء وتجلى ذلك بوضوح في مشهد وفاة الوالد صابر المنسي، وحينها كان أداء كرارة واضحًا عليه النضج الشديد بتقديم إنفعالات الفقدان بهدوء شديد، ليتمكن من تقديم الشخصية كما يجب
ودخل بيتر ميمي في إختبار من نوع خاص في تصوير المشاهد الحربية الخاصة بالأحداث، ففي البداية قدم المخرج بعض المشاهد الحقيقية للأحداث بوضعها في قالب المسلسل بشكل ممتاز، حينما قام بتصويرها بنفس الطريقة التي ظهرت عليها في الواقع ليتمكن من خلق ما يطلق عليه عالم موازي جمع بين واقعيةة الأحداث وربطها بمشاهد المسلسل وقد تمكن من تحقيق ذلك بتفوق.
أما في مشاهد المعارك الحربية فإن بعضها لم يخرج بالصورة المنتظرة ولكن لا يمكن القول إنها سيئة، فقد تمكن من إظهارها وإظهار توابعها ونتئجها بشكل جيد، وفي الحلقة الـ 28 الأهم في المسلسل الخاصة بمعركة البرث، فإنها لم تخرج ملحمية بقدر أن خرجت بشكل مرضي جداً أستطاع من خلاله تجسيد واقع الأحداث بأسلوب جيد وإيقاع منتظم للغاية، فيمكن القول أن بيتر ميمي لم يخفق بل تمكن من تقديم ما هو مطلوب منه بإخراج صورة جيدة.
ومع كون العمل هو الاول في الدراما المصرية الذي يكون حربيًا من الطراز الأول، فقد كان هناك تخوف من عزوف الجماهير عن المسلسل نظراً لوجود أعمال تعتمد على الدراما والتشويق على الساحة وهو ما يخلق منافسة شرسة، إلا أن الإختيار بنجاح عناصر الكتابة والإخراج حجز مقعد متقدم بين إهتمامات المشاهدين في رمضان.
بل وحتى الموسيقى التصويرية كانت أمام إختبار قوي من اجل تواجد موسيقى مناسبة للأحداث الحربية، وتتمكن من تجسيد حالات التعاطف والحزن والغضب والوطنية، وهو ما نجح فيه تامر كروان بوضع موسيقى رائعة.
فكل تلك الإختبارات الصعبة جاء على رأسها إختبار صعب للجهة الإنتاجية، ولكن سينرجي خاضت المسلسل بشجاعة من أجل تقديم عمل قوي يليق بسيرة شهداء الجيش المصري وشخصية أحمد المنسي.
ومع كل تلك الإختبارات فإن فريق العمل ككل تمكن من تجاوز كل منها بهدوء حتى وصل بالمسلسل إلى بر الأمان، ليخرج إلى النور عمل يستحق المشاهدة، ولامس قلوب المصريين ووجدانهم ، لينجح في الإختبارات الصعبة ، وأصعبها كان رضا الجماهير عن العمل.