فى عصرنا الحديث أصبح الفصل بين الخير والشر بالغ الصعوبة، وأصبح الخط الفاصل بينهما شبه منعدم جاعلاً الجانبين متداخلين بشكل قد يخدع أكثر الناس حكمة فقد تكون بذرة الشر مزروعة فى حلم جميل أو نجاح باهر أو ربما رغبة محمومة لطالبة فى بداية حياتها بالتميز والنجاح المبكر، الحماس الذى أصبح علامة مسجلة للشباب لتغيير العالم وتحويله لمكان أفضل.
قصة مسلسل The Dropout:
أحداث مسلسل The Dropout مبنية على قصة حقيقية وهى فضيحة شركة ثيرانوس ومؤسستها إليزابيث هولمز التى أسستها بعمر التاسعة عشر لصنع جهاز صغير متنقل قادر على تشخيص أى مرض من خلال قطرة دم واحدة لتتحول بوقتها لرمز للنجاح والتميز لكل فتاة تحلم بالتفوق والاستقلال ولكن تنقلب الأمور رأساً على عقب مع فشل الجهاز فى العمل.
https://www.youtube.com/watch?v=W7rlZLw9m10
مسلسل The Dropout يأخذنا إلى حياة إليزابيث منذ الطفولة لنشاهد عن كثب نشأتها ومراهقتها وهو ما لم يكن ممتعاً بما يكفى على مستوى تجربة المشاهدة و لكنه كان هاماً برسم الشخصية وتركيبها فيما بعد.
شخصية إليزابيث كانت منذ البداية مثيرة للاهتمام، هدفها واضح منذ الطفولة فالنجاح والأموال دائماً ما كانا نصب عينيها وكل خطوة كانت تخطوها كانت مجرد عامل مساعد للوصول إلى ذلك الهدف النهائى الذى لم يكن هناك مناص لتفاديه فى حالتها.
التغيرات التى مرت بها شخصية إليزابيث تم تقديمها وكأنها أطوار تتنقل بينها، خطوات تأخذها فى طريق مظلم وتسلب منها ما بدأت به من أحلام ومبادئ لتنتهى هذه الأحلام بالنهاية إلى شعارات رنانة لا تسمن ولا تغنى من جوع.
تقديم هذه الأطوار والتنقل بينها مثَّل أهم الجوانب الدرامية بالمسلسل كما مثَّل ركيزة أساسية بجانب الاهتمام الكبير بتقديم تطور الشركة وأهم الأحداث بتاريخها القصير كبدايتها كمشروع صغير، دخول سونى إلى الإدارة و التعاقد مع الوولجرينز حتى وصلت الشركة إلى صورتها الأخيرة.
الأسلوب الذى قدم به المسلسل التطور على الجهتين كان يقف على خط رفيع بين الطرح الدرامى للقصة والأسلوب الوثائقى الذى يسهل الشعور بوجوده بالأحداث دون أن يصبح ملموساً، أسلوب كان به قدر من المخاطرة ولكنه تم على أفضل وجه إلى مرحلة تجعلك تتساءل ما ان كانت هناك وسيلة أفضل لطرح القصة ولكن بقدر جودة الطرح تلك إلا أنها تسببت فى تسطيح أغلب الشخصيات الجانبية بشكل كبير حتى شخصية سونى لم تنجُ من التسطيح رغم جودة كتابة تفاصيل العلاقة الرومانسية والعملية بينه وبين إليزابيث.
شخصية إيان على عكس باقى الشخصيات الجانبية شاهدناها بكثافة منذ بداية المشروع وشاهدنا التغيرات التى حدثت بعلاقته مع الشركة وإليزابيث والتى انعكست على حياته الشخصية بشكل درامى ومؤثر انتهى بطريقة صادمة مما يجعله أحد أفضل شخصيات المسلسل.
أداء أماندا سيفريد بتجسيد شخصية إليزابيث رائع فقدمت الشخصية بتمكن واضح من أدواتها ودراسة واجتهاد للتنقل بين أطوار الشخصية وحالاتها المختلفة خاصة مع القفزات الزمنية المتتابعة التى يقوم بها المسلسل مما يزيد ثقل الحمل على الممثل الذى يصبح بحاجة لوعى كامل بحالة الشخصية الآن وتطورها بعد مرور فترة من الزمن.
أجمل مشاهد أماندا برأيى كانت مشاهد صراعها الصامت بين المراهِقة التى تم اقتصاص عمرها مبكراً من قِبَل الأحلام الكبيرة الوردية والمبادئ الخلاقة وإليزابيث هولمز المدير التنفيذى لثيرانوس والتى لا تعرف معنى الرحمة أو المبادئ؛ مشاعر كثيرة قدمتها أماندا بتلك المشاهد أبرزها كان ندم خافت مستتر خلف القناع المتمثل بالملابس السوداء والمكياج الكثيف والصوت المٌضخم؛ الندم على ذلك القرار المتسرع الذى اتخذته بلحظة حماسة غير مدروسة تسببت بسقوطها بالنهاية إلى الهاوية لتتحول من المرأة الأكثر نجاحاً فى أمريكا إلى صاحبة أحد أكبر عمليات الإحتيال فى التاريخ.
اقرأ أيضاً: افلام مستوحاة من قصص حقيقية – اقوى 100 فيلم مقتبس من قصص حقيقية
يقدم مسلسل The Dropout نموذجاً مثالياً للأثر السلبى لقصص الناجحين الهائلة كستيف جوبز وغيره وتأكيدهم بشكل دائم على الإيمان بفكرتك وإن لم يؤمن بها أحد بينما قلما يُذَكِّرون أن ليست جميع الأفكار تستحق الإيمان بها؛ مثل هذه العبارات هى التى تصنع لنا إليزابيث هولمز وامثالها من أصحاب الرغبة المحمومة بالنجاح الهائل السريع متخطين خطوات عديدة أساسية وضرورية؛ فكما وصف ناروتو الطريق لتصبح هوكاجى من قبل فهو طريق طويل لا يمكنك أن تتخطى به أى خطوات وان فعلت فاعلم أنك ستسقط عاجلاً أم آجلاً لأنك لم تستحقه قط.
بالنهاية صناع The Dropout قدموا أحداث قوية برتم سريع وكثافة كبيرة على مدار ثمان حلقات فقط بقصة يصعب تصديقها فى الأحوال الطبيعية إلا أنها قصة حقيقية بالفعل حدثت أمامنا مما يؤكد على أن عالمنا ملئ بقصص أكثر جنوناً من قصص السينما التى ندَّعى أنها مُبالغٌ بها.