مراجعات

مراجعة مسلسل منورة بأهلها : قضية قصاقيص صور – سوكومنص يا قمر

مسلسل منورة بأهلها

محمد أمين راضى هو أحد كتاب السيناريو الأقلاء حالياً الذين يكفى تواجدهم بالعمل لجذب الجمهور إليه بغض النظر عن مخرجه ونجومه نظراً لاختلاف أعماله عن الشائع وخروجها عن المألوف وفى مسلسل منورة بأهلها لم تختلف الحالة.

قصة مسلسل منورة بأهلها :

تدور أحداث مسلسل منورة بأهلها قضية قصاقيص ورق من مسلسل منورة بأهلها على مدار فترة زمنية طويلة تمتد من التسعينات إلى مارس ٢٠١٠ حيث يتم اكتشاف جريمة قتل فريدة من نوعها حيث قتلت الضحية مرتين بنفس الليلة مرةً بالسم وأخرى بضربٍ مبرح ومن خلال مجموعة من قصاقيص الصور يبدأ آدم وكيل النيابة رحلة البحث عن خيوط وأدلة تساعده للوصول إلى القاتل.

اعتمد مسلسل منورة بأهلها فى حبكته على الفانتازيا التى تتسم بالأسطورية فى شخصيتها والتى تمثلت بالقوى الخارقة للطبيعة لدى بعض شخصيات المسلسل كمهاب الذى يستطيع أن يرى مداخل الشر فى نفوس البشر من خلال صوره أو عليا التى تقرأ أفكار أصحاب الضمير والقلوب النقية وهو ما يعتبر ليس جديداً على أعمال أمين راضى الذى يحب إدخال عامل الخيال ومزجه بداخل واقعنا المعاصر.

مسلسل منورة بأهلها

مسلسل منورة بأهلها يحمل عدد كبير من القصص والخطوط وكل قصة من هذه القصص تقدم لنا شخصيات جديدة من جانب وتقدم جانب من الصورة الكبيرة وحل اللغز المتمثل فى الرباعى سلوى، عاصم، عادل ومهاب الذين كانوا يمثلون الثابت فى كل قصة بينما كل شئ آخر متحرك.

أسلوب السرد الغير خطى بالمسلسل والذى جعل من اسم القضية شعاراً له جعل يعطينا قصاصات من تاريخ الشخصيات وحكاياتهم المختلفة لنقوم بجمع القطع وتركيبها لنرى الصورة كاملة، وكأنها لعبة بازل مما أضاف الكثير من المتعة والغموض وبالرغم من كون ذلك الأسلوب له مخاطره ففى أعمال أخرى يتسبب بتعقيد الأمور أكثر من اللازم فيصبح من الصعب تجميع الصورة الكبرى بالنهاية ولكن النتيجة هنا كانت رائعة بالرغم من بعض المنغصات.

أبرز تلك المنغصات هو انخفاض معدل الاهتمام بالقاتل فى الجريمة الرئيسية لفترة طويلة من أحداث المسلسل وتعويض ذلك فى الاهتمام بألغاز دوائر العلاقات بين الشخصيات الرئيسية وكيفية تشكلها مع الوقت.

من المشاكل أيضاً بعض التصرفات الغير منطقية أحياناً فقط لتعطيل التحقيق من أجل هدف معين يريده الكاتب فيما بعد بالإضافة لعدد الصدف الكبير نسبياً  بقصصنا ولكن تبقى هذه المنغصات ما هى إلا مشاكل بسيطة بجانب مميزات المسلسل التى نجحت فى التغطية على أغلب هذه المشاكل.

بجانب أسلوب السرد فقصص المسلسل تميزت بالاختلاف عن الشائع فتضمن جرأة كبيرة باختيار المواضيع والطرح سواء على المستوى اللفظى الذى تضمن لغةً ليست بالمعتادة بعالم المسلسلات أو بصرياً فالمشاهد وصلت الدموية فيها إلى مرحلة اكثر قسوة وبشكل مبرر من أى عمل درامى مصرى، بل و تصميم الشخصيات ومدى بشاعتها وقسوتها لم يكن مألوفاً وهو ما كان عامل جذب طوال فترة المشاهدة.

شخصيات المسلسل تميزت بجودة كتابتها فبالرغم من العدد الكبير للشخصيات والقصص التى قُدِمَت بعشر حلقات فقط إلا أنها جميعاً كانت لديها تعقيداتها ودوافعها المختلفة، شخصيات شاهدنا تشريحها طبقة بعد الأخرى تدريجياً مما جعل الارتباط مع جميع الشخصيات فى أفضل صوره.

أضاف إلى جودة كتابة الشخصيات روعة الأداء التمثيلى الذى وصل إلى أوجه بالمسلسل لنرى نجوم المسلسل فى أعلى مستوياتهم بداية من أحمد السعدنى الذى كان وكيلاً للنيابة لعشر حلقات، ناهد السباعى فى دور جرئ سرق الأضواء من الجميع بحلقات ظهورها، غادة عادل وعودة للأدوار القوية مرة أخرى، ليلى علوى التى تقدم دور مختلف وصادم خارج النطاق المعتاد لأدوار الشر عامة والنسائية منها خاصة، باسم سمرة فى دور بالغ التعقيد أعطاه المساحة للإبداع وترك بصمة للمُشاهد لم يترك مثلها برأيى منذ دوره الرائع فى مسلسل “بنت اسمها ذات” وأخيراً التألق المفاجئ لمحمد حاتم الذى يقدم شخصية تخوض صراع مستمر منذ البداية وحتى لحظة موته فى أداء يؤكد على موهبة كبيرة.

مسلسل منورة بأهلها
مسلسل منورة بأهلها

 

لم يقتصر تميز الأداء التمثيلى على طاقم الصف الأول فقط ولكنه يمتد إلى الصف الثانى والثالث وأخص بالذكر عصام عمر وعمر رزيق اللذين قدما شخصيتين بمنتهى الصعوبة لكل منهما تحولاتها الحادة ولحظاتها الصعبة تجسيدياً ورغم ذلك تعاملوا معها باحترافية شديدة تدل على وجود مواهب صاعدة تستحق الحصول على فرص أكبر فى ما هو قادم.

هذا التميز لم يأتِ من فراغ وإنما يدل على وجود عين خبيرة ذات رؤية رائعة وتوجيهات جعلت الجميع بأفضل أحواله وهنا أتحدث عن المخرج المميز يسرى نصرالله.

الإخراج بالمسلسل كان موفقاً برؤية رائعة امتزجت مع رؤية الكاتب وأخرجت لنا عمل موحد الهوية قادر على ترجمة كلمات السيناريو الى صورة تنبض بالحياة باختيار رائع للكادرات والإضاءة بكل مشهد حسب ما يتناسب مع حالة ومشاعر شخصياته بالموقف.

المسلسل لم يكتف بالجريمة ولكنه يقدم أبعاد رمزية بها بعض التجديد عن الإغواء والشيطان الذى لا يبدو كما يتصوره أغلبنا فلن يظهر لك بعيون حمراء وقرنين بل سيكون من يحنو عليك وقت ضعفك، يحميك فى كنفه، ربما يصنع لك بعض السوكومنص ذا الطعم الذى لا يقاوم مستدرجاً إياك مهما كنت نقياً لتصبح معه غارقاً فى الوحل غير قادرٍ على العودة

سوكومنص فى الكوباية .. سوكومنص فى الفنجان
تشربه مرة واحدة … تقول عليه جنان

مسلسل منورة بأهلها
مسلسل منورة بأهلها

 

أظهر يسرى نصرالله كذلك قدرة على تقديم علاقات تمتد لسنوات بالعمل بشكل مختزل وربطها بشئ مادى بسيط ملموس كمشابك الغسيل أو أغنية فرنسية؛ رمز يعيد شخصياتنا إلى حالة البراءة التى كانوا عليها قبل التخلى عن كل شئ والقدوم للعاصمة.

العاصمة التى قدمها المسلسل كمغناطيس للحالمين بما ترسمه من أمان وما تجذبه من أحلام حتى إذا نجحت باجتذابها تدمرها بكل قسوة وتترك صاحبها خاوياً مدمراً هو الآخر بعد أن كان قادماً مملوءاً بالحماس مخدوعاً بأضواء المدينة المبهرة فى مظهرها ليكتشف مدى زيف هذه الأضواء، لكن على الرغم من وحشيتها التى لم يتوانى الكاتب عن إبرازها فى كل فرصة متاحة مازال يرى الكاتب أن الأمل ما زال موجوداً وأن العودة إلى الفطرة مازالت ممكنة مهما كان عمق سقوطك فى الوحل أو مدى قذارته.

رغم ذلك التميز لم تكن التجربة خالية من المشاكل فالمونتاج رغم تميزه بترتيب المشاهد ووضع القطع بمكانها الصحيح إلا أن التنقل ما بين المشهد والآخر لم يكن سلساً وكان محسوساً خاصة بالحلقات الأولى.

أشكال الشخصيات كذلك والتى نشاهدها على مدار فترة تمتد لأكثر من 15 عاماً لا تتغير بدون أى محاولات تُذكر من المكياج فى الفيلم لتصغير أشكالهم بالماضى مما سبب ارتباكاً لبعض المُشاهدين.

كلمة النهاية كما هو معتاد بمسلسلات محمد أمين راضى مفتوحة مثيرة للجدل مما فتح باباً كبيراً للجدال والنقاش بشأنها وبشأن ما تعنيه لمصائر الشخصيات خاصة أنها جاءت بعد عدد من الالتواءات المتشابكة ولكن رأيى الشخصى أنها كانت مناسبة فتركت مساحة مناسبة لذكاء المشاهد ليشغل المسلسل عقله لفترة بعد انتهاءه كما أن القضية لم تغلق بعد مما يسلب منا الخيارات ويجعلنا بانتظار القضية القادمة “استوديو مصر”.

لا تأمل فى بقاع أخرى
ما من سفينة من أجلك
ما دامت قد خربت حياتك هنا
فى هذا الركن الصغير
فهى خراب أينما كنت

تقييم مسلسل منورة بأهلها قصاقيص الصور:
فى القضية الأولى من مسلسل منورة بأهلها نشاهد عمل فنى قوى ومميز تمتع بجميع السمات المطلوبة ليصبح أحد أفضل الأعمال الدرامية بالفترة الأخيرة ويؤكد أن اقتحام المنصات الرقمية لعالم الدراما وإعطاء الكتاب الحرية لاختيار عدد الحلقات يؤتى بثماره وينتج عنه قصص مميزة وجديدة تستحق الترقب والانتظار.
تقييم المسلسل هو 8.5/10

محمد هشام
كاتب بموقع بيهايند و طالب بكلية الطب جامعة عين شمس من مواليد المنصورة، محب للسينما وكرة القدم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *