مراجعات

مراجعة مسلسل بدون ذكر اسماء – قاهرة الثمانينات بأصدق صورة

مراجعة مسلسل بدون ذكر اسماء - قاهرة الثمانينات بأصدق صورة 1

مراجعة مسلسل بدون ذكر اسماء

فى وقت لم يجرؤ فيه أحد على دخول فترة الثمانينات يقرر وحيد حامد أن يعيد إحياء فترة من تاريخ مصر كانت قد اقتربت من الإندثار و من خلال عيون ذلك المخرج الذى يقدم تجربته الأولى و مجموعة من الممثلين خالية من نجوم الشباك و مليئة بالشباب و الوجوه الجديدة يُفتح المجال أمام الدراما المصرية لدخول الثمانينات مرة أخرى من أوسع أبوابها.

قصة مسلسل بدون ذكر أسماء:

 

تدور أحداث المسلسل فى قاهرة الثمانينات حيث نتتبع فيها مجموعة من القصص المختلفة لأشخاص و عائلات تعانى من أشكال مختلفة من الفقر و الذل و نشاهد أثر الزمن على كل منهم.

يقدم لنا المسلسل نماذج مختلفة من الطبقة الفقيرة فى مصر بفترة الثمانينات و نهم الجيل الجديد الدائم من أجل الخروج من حالة الفقر و العيشة المرة فى محاولة للتحرر و الانفتاح على حياة أكثر راحة و سعادة و مع كل قصة تختلف أساليب الصعود و ثمنه.

فى بيت الحلوانى الذى يعتبر أحد أفضل جوانب المسلسل و أروعها على مستوى الكتابة فتصميم البيت و شخصياته و العلاقات بينهم و مدى واقعيتها أعاد لى ذلك الإحساس الذى تشعر به عند قراءة روايات نجيب محفوظ و أسلوب تصميمه لشخصيات العائلة الرئيسية الذى يجعلك أحد أفراد هذه العائلة.

الشخصية الأبرز فى بيت الحلوانى بكل تأكيد هو احمد الفيشاوى بدور عاطف الناقم على حياة والده المتواضعة و عربية البسبوسة التى يعمل عليها معه طامحاً فى حياة أكثر رغداً و سعادة ليبدأ بالمحاولة فى الطرق المختلفة للوصول إلى طريق المال من محاولة التقرب إلى اللاعبين بالنادى للعمل بالصحافة و التصوير و نشاهد مدى تغيره مع الوقت حتى يصل إلى مرحلة اللاعودة و يعتبر خط شخصية عاطف من أفضل الخطوط كتابةً فى المسلسل.

بجانب عاطف فلدينا نوارة الأخت الكبرى التى سرق الزمن زهرة شبابها دون أن تُرزق بالرجل المناسب مما يجعلها يائسة من أجل الزواج فى محاولة للهروب من شبح العنوسة مما يجعلها تقبل بمعتمد رغم كل عيوبه التى لا تُطاق ، خط شخصية نوارة تم تصميمه بشكل ممتاز و ظل كذلك حتى نقطة السفر و التحول الكامل لشخصية نوارة و هو ما شَهِد بعض الكسل على مستوى الكتابة فشاهدنا نتيجة ذلك التحول و لكن لم نشهد خطواته.مراجعة مسلسل بدون ذكر اسماء - قاهرة الثمانينات بأصدق صورة 2

على الجانب الآخر من الجيل الجديد فلدينا الجيل القديم الذى أحنى الزمن ظهره و سلبه الفقر ما يملك من قوة و عزة ليترك لنا عم ربيع و سميحة؛ بقايا من البشر يجاهدون من أجل ضمان مستقبل أبنائهم قبل أن يدركهم الموت أو يناورهم الزمن فيفقدوا القدرة على مقاومة القدر و هو ما جسده الثنائى عبدالعزيز مخيون و ناهد رشدى ببراعة شديدة تستحق الإشادة.

مراجعة مسلسل بدون ذكر اسماء - قاهرة الثمانينات بأصدق صورة 3

القصة الثانية تتمثل فى سعيد القصاص؛ خريج كلية الهندسة الذى يبحث جاهداً عن فرصة للوظيفة فى محاولة للإبتعاد عن وظيفة والده الذى يعمل كقصاص حمير و لكن لم يلازمه إلا الفشل مما جعله عاطلاً حبيساً لمقهى القرية حتى جاءت الفرصة أمامه من خلال اللواء مجدى الذى يجد فى سعيد لقمة سائغة يقلبها بين يديه دون قلق و حين يفرغ منها يتركها.

خط سعيد فى حد ذاته كان الأقل جودة بين جميع الخطوط وبالرغم من تسليطه الضوء على أحد أبرز أشكال فساد ذلك الوقت إلا أنه شهد بعض التسرع خاصة فى تقديم التحولات الخاصة بشخصية سعيد نفسه فيتحول سعيد من مهندس يسمو إلى حياة نزيهة إلى تاجر مخدرات و أسلحة و بسرعة كبيرة و هو ما لم يكن مبرر بالشكل الكافى و لكن تبقى النقطة الأكثر إضاءة فى هذه القصة هى شخصية سطوحى قصاص الحمير الذى بذل كل ما يملك و ضحى بكل شئ بما فى ذلك كرامته من أجل أن يعمل ابنه بوظيفة كريمة شريفة و يتطلع إليه أهل القرية بنظرة احترام و لو لمرة قبل أن يموت و حتى بعد أن حظى بالمال لم يحظ بالإحترام و كأن الفقر هو وصمة لا تفارق صاحبها؛ أداء عظيم لن يُنسى من قبل محمد أبو الوفا رغم قصر مدة ظهوره فى المسلسل.محمد ابو الوفا - بدون ذكر اسماء

فى القصة الثالثة لدينا مجتمع المتسولين صاحب التصميم الأروع و الأكثر إثارة للإهتمام نظراً لكون دخول هذا المجتمع و تقديمه على الشاشة شئ نادر الحدوث كما أنه تم تقديمه كتابةً و تنفيذاً بشكل ممتاز و لدينا فى هذا الخط ثلاث شخصيات رئيسية.

الشخصية الأولى هى شخصية رجب الفرخ الذى كان يوماً ما شخصاً عادياً لتدفعه الظروف للهروب و الانحطاط إلى أقصى درجة ليسقط بالكامل فى الوحل بل و يتحول إلى جزء منه و بالرغم من رغبته الدفينة للتغيير إلا أنه يقنع نفسه بالرضا و يَقْنَع بما لديه؛ شخصية رجب الفرخ تعتبر هى الانطلاقة الحقيقية لمحمد فراج فى طريقه إلى النجومية و الأدوار المُرَكَّبة بعد تقديمه أداء مميز خاصة مع حصول دوره على مساحة كبيرة بالمسلسل.محمد فراج - بدون ذكر اسماء

الشخصية الثانية هى شخصية مبسوطة التى تجسدها روبى والتى تعمل كمتسولة هى الأخرى و لكن تبتسم الحياة لها لتعمل كمساعدة للمغنية كروانة التى يسرق منها الزمن بريقها و تجد نفسها على وشك الأفول مما جعل قصتها مثيرة للإهتمام بحد ذاتها بجانب قصة مبسوطة نفسها التى تمر بعدة منحنيات هى الأخرى مكتوبة بعناية مما جعل هذا الجانب ممتعاً للمشاهدة بالرغم من التطويل الزائد بمشاهد الغناء و الرقص.روبى - بدون ذكر اسماء

الشخصية الثالثة هى النعجة مالكة المصنع المهجور الذى يعيش به هؤلاء المتسولين الذين تعتبرهم كأبنائها و هم يعتبرونها كأمٍ لهم، شخصية معقدة لديها ماضٍ مثير للإهتمام و التحولات التى تمر بها حتى نصل لكلمة النهاية مكتوبة بشكل رائع و مُجسدة بامتياز فقدمت فريدة سيف النصر أداء استثنائى قد يكون الأفضل فى تاريخها الفنى. فريدة سيف النصر - بدون ذكر اسماء

تميزت نهايات القصص المختلفة بالواقعية الصادمة فلم نشاهد كل مخطئ يُحاسَب أو يحصل على جزاء أفعاله على العكس نرى أن أغلب القصص تنتهى بشكل جيد لأصحاب الأفعال السيئة و القبيحة فى إشارة إلى حجم الفساد و غياب القانون فى ذلك الوقت و رغم ذلك يقرر تامر محسن جعل مشهد النهاية مشرق يدعو للتفاؤل و كأنه شعاع ضوء وسط العتمة المحيطة من كل اتجاه.

بدون ذكر اسماء

قدم وحيد حامد فى تجربته الدرامية قبل الأخيرة صوراً متنوعة من الذل و التخلى عن الكرامة فمن الواسطة من أجل الوظيفة إلى قسم الشرطة من أجل العفو و يسلط الضوء على صراع الأجيال ما بين الجيل القديم الخاضع الذى اعتاد التضحية من أجل النجاة و الجيل الجديد المتمرد الأبىّ الذى لا يقبل بالذل و التنازلات.

اقرأ أيضاً: مراجعة مسلسل بدون ذكر أسماء .. مسلسل بدون أبطال

بالرغم من هذا الكم من الإيجابيات فهناك بعض المآخذ على سيناريو المسلسل أبرزها كثرة الصدف التى تؤدى إلى تشابك العلاقات بين الشخصيات بشكل زائد و التسرع فى التخلص من بعض الخطوط الفرعية و الشخصيات مثل المصوراطى و اللواء رشدى و المحامى عصام برهام الذين خرجوا من الصورة بشكل مفاجئ و دون تمهيد.

بدون ذكر اسماء

بعض الشخصيات أظهرت ميل زائد لم يتم تبريره نحو الأفعال الخاطئة و الفساد فلدينا عاطف الذى لم يتردد كثيراً ليدخل الجانب الفاسد من الصحافة أو سعيد الذى دخل عالم تجارة الأسلحة و المخدرات رغم استقامته فى البداية.

على الجانب الآخر فموسيقى محمد مدحت الخلابة قد أضافت الكثير لشخصية العمل و لكل مشهد ظهرت به خاصة أن توقيتات استخدام كل مقطوعة كانت أقرب للمثالية مما جعلها فعَّالة إلى أقصى حد.

خلف الكاميرات و وراء الكواليس لدينا العقل المدبر تامر محسن فى تجربته الأولى يمتع و يُبدع و يثبت منذ الظهور الأول أنه مخرج من الطراز الرفيع قادر على إستخدام جميع أدواته على أكمل وجه بشكل متناسق ليخرج العمل فى هيئته الأخيرة بأفضل صورة.تامر محسن - بدون ذكر اسماء

التجربة البصرية فى المسلسل رائعة فالديكورات و الملابس مناسبة تماماً للشخصيات و الفترة الزمنية وضعاً بلاعتبار مرة أخرى أن هذه الحقبة الزمنية لم يتم تناولها درامياً من قبل فكانت تجربة جديدة على صناعه.

تميز عنصر الإضاءة فى المسلسل بشكل واضح فلم تكن الإضاءة مجرد عنصر جمالى للصورة ولكنها تترك دائماً معنى و تصنع حالة و يمكن ملاحظة ذلك على سبيل المثال لا الحصر فى مشاهد بيت الحلوانى ما بين البدايات الزاهية المضيئة و النهايات الآفلة المظلمة.بدون ذكر اسماء

مسلسل بدون ذكر أسماء هو محاولة ناجحة لتقديم عصر الانفتاح و قاهرة الثمانينات بعيون مختلفة بداية من اللقطات الأرشيفية إلى القصص الدرامية المكتوبة بيد خبير عاش تلك الفترة و علم خفاياها لنراها صورة مُجسدة بعيون مخرج فى بداية مشواره لينتج لنا تحفة فنية ستعيش لأجيال قادمة.

محمد هشام
كاتب بموقع بيهايند و طالب بكلية الطب جامعة عين شمس من مواليد المنصورة، محب للسينما وكرة القدم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *