وسط العدد الهائل من رجال السلطة المحنكين في فيلم Vice الذين تولوا مقاليد إدارة شؤون الولايات المتحدة الاميريكية، لم يكن فيهم من يمتلك سيرة ذاتية مثل تلك التي امتلكها ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي (جورج بوش) فقد كان رجلا محدود الإمكانيات بلا اي طموح او هوية ولكنه استطاع فيما بعد أن يصنع لنفسه تاريخا حافلا بالإنجازات وأن يكون أحد العناصر البارزة التي كانت في سببا في تغييرات عدة شهدتها سياسة أمريكا في عهده بما كان لديه من صلاحيات كاملة اعطيت له من قبل (بوش) لقيادة البلاد بالطريقة التي يراها بذلك القدر الكبير من السلطة التي كان يمتلكها ويتخذها كحجر اساس لكل قراراته وافعاله حتي كان يلقب ذي قبل بانه (الحاكم الفعلي لأمريكا) وليس (جورج بوش) الذي لم يكن ليصنع ما صنعه (تشيني) خلال توليه الرئاسة في بداية الألفية.
مراجعة فيلم Vice
كل ما سبق كان سببا في اصابة مخرج فيلم Vice (آدم مكاي) بحالة كبيرة من الاهتمام الذي يصل الي حد الانبهار بشخصية (ديك تشيني) وقصة صعوده الي منصب نائب الرئيس مما دفعه لإجراء المزيد من الأبحاث عنه ووصوله لعدة تفاصيل تخص حياة (تشيني) الخاصة وكيف انه كان شخص انتهازي طامع للسلطة بالاضافة الي كشف تفاصيل علاقته بسياسة أمريكا التي كانت (من وجهة نظر ماكاي) تحتوي علي أسرار وخبايا لم تكن لتروي من قبل بل تكشف عن ارتباطه اللصيق بالمعترك السياسي للبلاد وإدارته لشؤونها بكامل قبضته المحكمة علي السلطة والتي كانت أعمق بكثير مما قد يتخيله أحد ممن يعي بالشأن الامريكي.
اختار (آدم ماكاي) التمسك باسلوبه الفريد الذي كان عنصر تفرد سيناريو فيلمه السابق THE BIG SHORT عام 2015 ليكون عناصر النص السينمائي لـ فيلم Vice الذي تميز بالإيقاع السريع و مرور الاحداث من خلال عدد هائل من المواقف والمواجهات والحوارات الجادة التي تميل الي السخرية احيانا مما تعكس ذلك الفرق الواضح بين وجهة نظر شخصيات الفيلم وبين الصورة الواقعية التي يعرفها المشاهد وشاهدنا بعينه بالإضافة الي الجهد الواضح في عملية الابتكار والتجديد علي مستوي السرد بدون تقصير او إهمال للعناصر الأساسية للقصة من تقديم للحبكة بشكل مناسب يكسر به الحائط الرابع احيانا و احكام تطورها الملحوظ وصولا الي تسلسل النهاية بالاضافة الي إبراز خلفيات الشخصيات بشكل مناسب غير مبالغ فيه زمنيا و ابراز التغيرات التي تطرأ علي أفكارهم وافعالهم مع مرور الوقت مما يضع النص ضمن قائمة الأفضل في العام الماضي رغم تواجد عيب صغير لن ينقص من قدر ما فعله (ماكاي شيئا) يتمثل في تنظيم الاحداث والتنقل من الماضي الي الحاضر بشكل مفاجئ دون تمهيد مناسب.
– ما يحسب ل(آدم ماكاي) كذلك استقراره علي عدد من الممثلين البارعين مما يجيدون مثل هذه الادوار المعقدة نسبيا ف(كريستيان بيل) يبرهن علي مدي إخلاصه للادوار التي يقدمها بل ويعطيها حقها فهو من قام بزيادة وزنه بضعة كيلوهات لكي يكون بهيئة مقاربة ل(ديك تشيني) فكانت النتيجة تربعه علي عرش افضل ممثلين عام 2018 وحصد جوائز عدة قبل الظفر المحتمل بالجائزة الام (جائزة الاوسكار) بفئة الممثل في دور رئيسي
كذلك الحال لكلا من ايمي ادامز (لين تشيني) وستيف كاريل (دونالد رامسفيلد) بالإضافة لسام روكويل (جورج دبليو بوش) الذين اجادوا قدر المستطاع في المساحة المتاحة لهم خصوصا الحسناء (إيمي ادامز) التي قدمت اداءا براعة لشخصية هاما ذات أثر كبير في حياة (تشيني) الخاصة مما يجعلها هي الاخري مرشح محتمل للاوسكار بفئة الممثلة في دور مساعد.
فيلم Vice نجاح استثنائي ل (آدم ماكاي) الذي نجح في أصعب تحديات مسيرته الإخراجية والكتابية وهي تقديم دراسة موثقة ممتعة سينمائيا لأحد حيتان السياسة وأكثرهم شهرة بأسلوب مبتكر يجمع بين الدراما والكوميديا يميل الي الفانتازيا في آن وإلي الواقعية في آن آخر.