يشتهر مخرج فيلم Three Thousand Years of Longing الإسترالي بكونه صانع سلسلة أفلام “Mad Max” الشهيرة التي كانت سبباً كبيراً في معرفة الكثيرين بهويته و إنتظار ما يمكنه أن يقدمه من أعمال ومشاريع أخري إلي جانب سلسلة الأكشن خاصته، وبالفعل نجد في سيرته الذاتية العديد من الأعمال الناجحة مثل أفلام “Happy Feet” و “Lorenzo’s Oil” وكذلك “Babe” مكنته من حصد ما يقارب ستة ترشيحات لجوائز للأوسكار فاز بواحدةٍ منهم عن “Happy Feet” عام 2007.
ولكن مشكلة “ميلر” الوحيدة هو غيابه لفتراتٍ طويلة قبل أن يعود بعملٍ سينمائي يستطيع أن يحوذ به علي الإهتمام والثناء النقدي والجماهيري علي الرغم من أنه لا يعود سوي بفكرةٍ جيدة و إبداعية جديدة تقدم فعلياً الشئ المختلف، ولكن يبقي رصيد “ميلر” لدي الجمهور كبيراً مما ينسيهم تلك المشكلة تماماً، وهذا ما كرره هذا العام حينما طرح فيلم Three Thousand Years of Longing صيف العام الجاري 2022 ، وتمكن من إثارة إهتمام وتساؤلات المشاهدين من خلال الفكرة العامة والأحداث المصاغة من خلالها، والتي كانت جيدة إلي حدٍ كبير لا يشوبها سوي بعض العيوب المتعلقة بطريقة السرد وترابط الأحداث التي كانت ستزيد من قابلية العمل أكثر فأكثر.
أهم أفلام مهرجان فينيسيا السينمائي 2022 التي ستعرض لاحقاً
قصة فيلم Three Thousand Years of Longing
تدور أحداث فيلم Three Thousand Years of Longing عن أحد البروفيسرات وتدعي “أليثيا” التي تساهم في خروج جني من محبسه داخل إحدي التحف، ويحاول إقناع “أليثيا” بتمني ثلاث أمنيات ولكن من صميم قلبها.
مراجعة فيلم Three Thousand Years of Longing
يعتمد سيناريو الفيلم علي فكرة الرواية بالأثر الرجعي أو ما تعرف بال”فلاش باك”، حيث يستند الفيلم علي موقفٍ حواري كعنصرٍ أساسي تتحرك منه الأحداث للوراء، ثم عن طريق أفكار المونتاج المناسبة تعود القصة بالزمن وتبدئ في سرد تفاصيلها التي تخدم الرسالة أو الفكرة المراد طرحها، طريقة جيدة تلك التي رسمها “جورج ميلر” مؤلف الفيلم كذلك تتساير معها الأحداث بإيقاعٍ منضبط وبتسلسلٍ مقبول للأفكار متتالية، ولكن يبقي هناك مشكلة كبري تمنع الفيلم من الكمالية في عملية المعالجة وكتابة النص السينمائي.
آلا وهي ترابط خطوط القصة في كيانٍ واحد يوضح المعني ويبرزه، و حيث يعتمد الفيلم في الأساس علي خطين متوازين من الأحداث سواءاً في الماضي أو الحاضر، والإثنين غير مترابطين مع بعضهم البعض ويصعب إدراك إنعكاس واحدٍ منهم علي الأخر، كأن الفيلم كان من الممكن أن يكون حكاية خيالية دون المشاهد التي تجمع بين الجني و “أليثيا”، أو حتي عمل حواري يعتمد علي مواقف الشخصيات الحوارية وترديد المواقف علي ألسنتهم.
ولكن بالنظر للفكرة نفسها التي سوف نتحدث عنها دون الخوض في تفاصيل لتجنب الحرق، تجد أنها تنعكس من خلال الحاضر أكثر بكثير من الماضي، وهذا لا يعني أن الأخير هو عنصر دخيل علي الفيلم يعرقل المسيرة نحو الرسالة التي يرغب “جورج ميلر” في إرثائها، بل كل ما في الأمر أنه كان هناك قراراتٍ خاطئة في عملية توحيد عناصر القصة مع بعضهما البعض في النهاية بتمهيدٍ لذلك من خلال الأحداث التي شاهدناها، بدلاً من إنهاء الفيلم بتفككٍ قصصي وفوضي واضحة المعالم في الجزء الأخير منه، وذلك كان سيساعد فيلم Three Thousand Years of Longing كثيراً في إعلاء فكرته بصورةٍ أكثر جمالية وترابطاً المبنية علي مفاهيم الحب والرغبة الإنسانية والمشاعر الداخلية التي يسهل تغييرها مع موقفٍ معين قد يحدثٍ في أي وقت.
مشاكل السيناريو تلك تم تعويضها بعض الشئ بالعمل الإخراجي المميز الذي قدمه “جورج ميلر” خصوصاً ما يتعلق المؤثرات البصرية وديكورات أماكن العصور السابقة وكذلك ملابس الشخصيات، فيما يوضح بصمة مختلفة تماماً من قبل “جورج ميلر” عن أعمال الحركة والأكشن التي تحتاج لتقنياتٍ معينة في التصوير، هنا الأمر يختلف من خلال العناصر التي تم الإشارة لها سلفاً وربما قد تنال تكريماً ما في الأوسكار هذا العام عن جدارة بصرف النظر عن فشل الفيلم في تحقيق الإيرادات وعيب السيناريو الأساسي.
أيضاً، يشهد الفيلم تناغماً كبيراً بين النجمين “إدريس إلباً و “تيلدا سوينتون”، وإستطاعا سوياً إعلاء الحس الدرامي والعاطفي للأحداث وكذلك ما تشعر به الشخصيات خصوصاً حينما يتحاورا سوياً، ولكن التميز الأكبر يذهب ناحية “إلبا” الي كان بمثابة سفير المشاهد داخل الأحداث بكل تعقيداتها وطبقاتها المتعددة، وبما عاصرته الشخصية من مواقف وذكريات وشخصياتٍ آخر آحدثت التأثير البليغ عليها، فكان “إلبا” أحد الأسباب الرئيسية في التواصل الفعلي مع الفيلم وأحداثه ككل.
في الختام، يقدم فيلم Three Thousand Years of Longing لمحاتٍ مختلفة عن الحب و الرغبة والشعور الإنساني بمزيجٍ ساحر بين الحقيقة والخيال كان ينقصه ترابطاً أكثر من ناحية الأفكار، ولكنه توليفة متميزة من المشاهد الساحرة والأجواء الفريدة من نوعها، وظهور مختلف للمخرج “جورج ميلر” قبل عودته للعمل من جديد بسلسلة أفلام “Mad Max”.
