في بداية مراجعة فيلم those who wish me dead، لا بد من ذكر أنه في إحدي تصريحاته الخاصة، يقول المخرج والمؤلف “تايلور شيريدان” أنه مخرج شخصيات في المقام الأول، ويعمل جاهداً علي تكوين أبسط القصص والحبكات السينمائية من أجل التركيز علي دفع مكونات شخصيات العمل وأبطاله إلي الواجهة بكل وضوحٍ جلي، بتطبيق ما قاله “شيريدان” وبنظرةٍ فاحصة علي مختلف أعماله السابقة، سنجد أنه هناك ولاءٍ فعلي للشخصية برثاءٍ مرئي لها خارجياً وداخلياً منعكساً بشكلٍ كبير من خلال مختلف التعبيرات العاطفية بحسب طبيعة العمل وأحداثه أن دق التوصيف.
افضل افلام ومسلسلات HBO MAX 2021 – القائمة الأفضل هذا العام
تلك التوليفة الإبداعية لاقت نجاحاً نقدياً وجماهيرياً كبيراً ولم يباعد الفشل بينها وبين ذلك مسافةٍ واحدة، توليفة لاقت إستحسان الأكاديمية وترشحياً مستحقاً في “Hell or High Water”، ورسخت بدورها مكانة كبري لمخرجٍ فنان وهو “دييني فيلنوف” ضمن مقدمة صناع الإلام المبدعين بفيلمه “Sicario”، والأهم من ذلك أنها مكنت “شيردان” نفسه من نيل الثناء في واحدٍ من أعرق المهرجانات السينمائية العالمية وهو مهرجان كان عام 2017 بفيلم “Wind River”.
في فيلم those who wish me dead، يحافظ “تايلور شيريدان” علي نفس الطريقة التي يتخذها دوماً في أعماله التي تتخذ أغلبها الغرب الأمريكي مسرحاً للأحداث، الفيلم ذاته جيدا ويحمل قدراً لا بأس به من الإيجابيات، ولكن بالنظر للتحديات الشرسة والمفارقات الصعبة التي تضمنتها قصص الأعمال السابقة، يمكن القول أن الفيلم لم يكن ثرياً في الأسلوب المعتاد الذي يقدمه “تايلور شيريدان” وأيضاً كليشيه مكرر ليس بالفكرة الجديدة التي لم يقدم مثيلٌ لها من قبل.
قصة فيلم those who wish me dead
تدور أحداث فيلم those who wish me dead عن “هانا” قافزة الحرائق التي تعمل بإحدي أبراج القاطنة ببرية “مونتانا”، بمرور الوقت تصادف في طريقها الفتي الصغير “كونور” الذي فقد والده نتيجة هجوم قاتلين مأجورين يعدان “The Blackwells” يسعيان للخلاص منه لعدم إفشاء أسرار أحد رجال العصابات يدعي “أرثر”، وبينما تحاول “هانا” إيصاله إلي بر الأمان، يجد الثنائي نفسه في رحلة محفوفة بالمخاطر من أجل البقاء علي القيد والفرار من ملاحقة متتعبي “كونور” بالذات.
مراجعة فيلم those who wish me dead
علي مستوي تصميم الشخصيات، كان الإهتمام الأكبر من نصيب شخصية “هانا” التي تحمل ماضياً أسوداً جعلها تعاني من إضطراب ما بعد الصدمة، وفي الفيلم يرتكز “تايلور شيريدان” علي هذه النقطة بالتحديد من أجل التمهيد للتحول الذي سيحدث لاحقاً للشخصية والتي منها ستواجه مخاوفها وتفعل نقيض ما فعلته سابقاً، ولكن جاء ذلك علي حساب الشخصيات الآخر الذين لم يطرح الفيلم المساحة الكافية من أجل فهم دوافعهم علي النحو الأمثل، وخصوصاً الأشرار الذي تم توظيفهم في الفيلم لمجرد القتل وحصد الأرواح فحسب.
علي ذكر النقطة الأخيرة، أقرب مثال علي ذلك هما شخصيتي “توبي” و”تانر” في فيلم “Hell or High water”، حيث كانا يسرقان البنوك ويرتكبا الجرائم، ولكن سيناريو “تايلور شيريدان” أعطاهم الأبعاد الازمة التي مكنت المشاهد من فهم مبررات أفعالهم تلك ومن أين جائت، ولكن بالرغم من تلك السلبية، فالفيلم ككل مميزاً علي مستوي مشاهد الأكشن والإشتباكات التي يخيل للجميع أنها تشبه أجواء أفلام التسعينات التي كانت تدور أحداثها في الغرب الأمريكي، خصوصاُ أنها كانت تجري بالكامل في البرية الأمريكية لم تحيد عنها تلك المشاهد خارجياً علي الإطلاق.
بالرغم من كون القصة متوقعة إلي حدٍ كبير، إلا أن إيقاع الفيلم كان متوازناً، يمهد رويداً رويداً للحظاته النهائية بطريقة تصاعدية بحتة مفهومة الأركان، والمقصود بذلك بطبيعة الأحداث نفسها وما ترمز إليه، ويحسب أيضاً ل”تايلور شيريدان” اللجوء للأماكن الطبيعة والإختيار المثالي لمواقع التصوير الخارجية داخل أحراش “مونتانا” بخضرها الساحر وكثافة عشبها الغزير، ولذلك يمكن القول أن هناك تميزٍ إخراجي ربما نجح في تغطية عيب السيناريو الذي تم ذكره سلفاً.
تجسدياً، نجحت النجمة “أنجلينا جولي” في دور “هانا” وخصوصاُ في إبراز الضغوطات النفسية التي تتعرض لها “هانا” والإنفطار الذاتي جراء ما حدث لها في وقتٍ سابق، وذلك من خلال إنفعالات متقنة جامدة الملامح تارة ومتألمة منكسرة تارةً أخري، ولا تزال “أنجلينا” تحتفظ بكاريزمتها المعتادة التي لا تحسن الظهور فقط في أفلام الأكشن والحركة، بل في أفلام الدراما التي تتطلب مجهوداً كبيرا علي مستوي الأداء التمثيلي، وهذا ما إستطاعت “أنجلينا” أن تتقنه وعلي مدار الفيلم بأكمله ودون أية خمولٍ أو تكاسل يسهل ملاحظته.
أيضاً هناك ظهورٍ جيد للشاب الصغير “فين ليتل” في دور”كونور” الذي يبلغ من العمر 14 عاما، ونجح هو الأخر في عكس مظاهر البراءة والصدمة جراء ما حدث لوالده، وأيضاً النجم “جون برنثال” في دور الشرطي “إيثان” الذي بات من المحبب مشاهدته خصوصاُ بعد التألق الكبير الذي أظهره في مسلسل “the punisher”.
في الختام، ربما لا يكون فيلم those who wish me dead بنفس مستوي أفلام “تايلور شيريدان” السابقة، ولكنه تجربة جيدة في الكثير من عناصرها، وتشهد ظهوراً جيداً للنجمة الكبيرة “أنجلينا جولي” في أحد الأدوار الدرامية الصعبة.
