يقدم فيلم The Woman King ملحمة سينمائية تتداخل بها عناصر الدراما والأكشن في مزيجٍ قوي يعد من أفضل ما قدم هذا العام، ويحمل معه القدر الكافي من المتعة والتأثر والتفاعل الملحوظ مع الشخصيات والمواقف التي يتعرضون لها، عملٌ جيد قد يكون في منظور البعض يحمل أجندةٍ ما أو يرمز لقضيةٍ ما تمثل دفاعاً عن فئة معينة بإستماتة وبإشاراتٍ مباشرة عن الموضوع بوضوحٍ شديد، ولكن علي النقيض يسهل تجريد فيلم The Woman King من هذه الإدعائات، والإستمتاع به كفيلم درامي حركي فقط يمتلك عنصري القصة والأكشن متوازنان بصياغة مناسبة للسيناريو وبتنفيذ إخراجي جيد لمشاهد الحركة المتعددة به.
قائمة أفلام 2022 المنتظرة من الجمهور
كما أنه يمتلك ميزةٌ هامة تتعلق بأنه قصة أصلية تستوحي القليل من الرمزيات التاريخية من شخصيات وأسماء وأماكن ، ولكن إستطاع صناع فيلم The Woman King إبتكار القصة من وحي أفكارهم الخاصة بإتكاء بسيط للغاية علي المصطلحات التاريخية والإشارات المتعلقة بها، ليخرج في النهاية بصورة مثالية لن تترك سوي إنطباعاتٍ إيجابية بمجرد التفرغ من مشاهدة الفيلم إلي آخره.
قصة فيلم The Woman King
تدور احداث فيلم The Woman King في الثمانينات عن مجموعة من المقاتلات الإفريقيات الاتي يتكفلا بالدفاع عن مملكة “داهومي” بكل ما آوتوا من قوة وبأس لا يوجد مثيل لها عند أحد، وحينما يداهم المملكة خطر جديد، تعتزم قائدة المجموعة “نانيسكا” قيادة مجموعة جديدة من المقاتلين من أجل التصدي لهذا الخطر الذي يهدد حياة سكان “داهومي” و يتسبب في القضاء عليهم.
مراجعة فيلم The Woman King
يتبع السيناريو الأسلوب المعتاد في تكوين عناصر أية عملٍ سينمائي، من ناحية تقديم الشخصيات التي تمت بأسلوب قتالي حركي يمتد علي مدار مشهد بأكمله، وكذلك بتدرج مناسب للأحداث وإيقاع تصاعدي منضبط بلا تمدد لأية لحظاتٍ زائدة عن حاجة الفيلم، ثم تقديم الحبكة التي منها يتشكل بطريقةٍ فعالة الجانب الدرامي يتخللها مفاجأةٍ ما تعطي الشخصيات دافعاً مختلفاً إلي جانب حدوث تحولٍ ما في مسار القصة، ووصولاً للختام الملحمي الذي ينهي الفيلم بطريقة مرضية للغاية.
وقد ساهم السيناريو في فرض حالةٍ من الإنضباط الدرامي متمثلة في مشاهد متعددة الكم وجيدة الكيفية في نيل تعاطف المشاهد مع الشخصيات خصوصاً “نانيسكا” والفتاة الصغيرة “ناوي” الذان يتشاركا الأهمية داخل الأحداث ، ومن خلالهما يتحرك الفيلم بطريقة مناسبة نحو ختامه، وحينما يتشاركان الشاشة للأسباب التي تقدمها القصة ولن يتم الخوض في تفاصيلها لتجنب الحرق نجد تدفقاً واضحاً للدراما التي تحدث التأثير المطلوب منها، وعليها يحدد المشاهد بسهولة موقفه مما يحدث ومن الشخصيات أيضاً.
يحسب للفيلم كذلك الإلمام بطباع الحياة الإفريقية وظواهرها ،والطريقة التي تتصرف بها الشخصيات حسب طباعهم الخاصة، ويمكن القول أيضاً أن العمل يظهر هذا المعالم بطريقة فعالة وواقعية أكثر بكثير مما ظهرت به في فيلم “Black Panther” التابع لعالم “مارفل” السينمائي نظراً لكون الأخير يمتلك صفة أنه فيلم خيال علمي وأبطال خارقين في نفس ذات الوقت، ولكن ما يميز فيلم The woman King هو واقعيته الشديدة في تجسيد الهوية الإفريقية بطريقة تشابه ما يمكن أن يتصوره أحد في مخيلته.
وقد ساعد علي ذلك البراعة الإخراجية ل”جينا برنس بايثود” علي مستوي الديكور وتصميم الأزياء وأماكن التصوير ، وكذلك العمل علي تقديم مظاهر عامة من وحي الحياة الإفريقية تعكس طباع الأفارقة وعلاقتاهم ببعضهم البعض، إلي جانب العنصر الأساسي المتمثل في تجسيد بأس وقوة المقاتلة الأفريقية التي نشاهدها في شخصية “نانيسكا” و”إيزوجي” وصولاً لشخصية “ناوي” فيما بعد، ويبقي الثناء الأكبر منصب علي تنفيذ مشاهد الأكشن بكل هذا الكم من الأفكار التي تضيف إلي الجانب الملحمي للفيلم بتأثيرٍ كبير.
وهذا يقودنا إلي الأداء التمثيلي الجيد من الجميع وخصوصاً من “ثوسو مبيدو” و”لاشانا لينش” النجمة الشابة التي تظهر في الفيلم كأنها أفريقية المنشأ وليست بريطانية بأدائها الجيد بالفعل، وعلي رأسهم بكل تأكيد البارعة الأوسكارية “فيولا دافيس” التي تعد الدراما ملعبها التي يصعب علي أحدٍ منافستها فيه علي الإطلاق، نظراً لقدراتها التعبيرية الفذة والموازنة بين العاطفة والبأس، وبين القلب النابض بالمشاعر والجسارة وقت الشدة والمعركة، أداءٌ قد يمنح “دافيس” ترشيحاً مستحقاً للاوسكار ربما لا يكون بقوة آخر ما قدمته وحازت عنه الأوسكار وهو فيلم “Fences” مع النجم “دينزل واشنطون”، ولكن “فيولا دافيس” جديرا بهذا التكريم علي الثقل التي تمنحه كل مرة لمسيرتها الفنية المليئة بالأدوار المميزة.
في الختام ، يعد فيلم The Woman King مثالاً حياً علي أنه من الممكن أن يتم تقديم القصص والروايات عن الشخصيات ذوي البشرة السمراء بطرقٍ مختلفة ومتعددة، لا أن تحمل تيمةً واحدة متكررة حتي ولو كانت طعماً مثالياً لترشيحات الأوسكار التي تعطي هذه النوعية من الأعمال إعتباراتٍ كبيرة علي مستوي الترشيحات.
