مراجعات

مراجعة فيلم The Trial Of the Chicago 7 – يوم رفضت الديموقراطية أن تخنع للسياسات المزيفة

فيلم The Trial Of the Chicago 7

في واحدة من أشهر تصاريحه الخاصة، أكد “أرون سوركين” على أنه لا يوجد قصةٍ ما قد يصعب على أي كاتبٍ للسيناريو أن يخط قلماً فيها، فهي قد تكون مرأةً للواقع في كثيرٍ من الأحيان وعينٌ على الحدث والمشاهد الجارية وما يسبقها وما قد يليها علي جانبٍ أخر،ولهذا لا يوجد ما يسمى بمحدودية الإبداع والقدرة على تدبر السياق الصحيح لأية فكرة يراد تقديمها على الشاشة.

Netflix Buys Aaron Sorkin's 'The Trial of the Chicago 7' - Variety

تلك المقولة إن تم تدبيرها على هيئة نصيحة فهي من أفضل ما قيل تحفيزاً لمن تعتريهم الرغبة بالعمل بصناعة السينما من الشبان وذوي الفكر المتجدد، أما إن دلت على شئٍ آخر (وهو ما قد يهم الجميع هنا)،فهي تعكس طبيعة مدرسة “أرون سوركين” السينمائية التي تختص في تقديم أعمالٍ مستوحاة من أحداثٍ حقيقية، “سوركين” الذي يملك عيوناً ثاقباً علي التاريخ، ويعرف الكثير والكثير من تفاصيله دون أية عناءٍ في الإختيار أو صعوبة في إيجاد ضالته القصصية فيه.

The Everything Aaron Sorkin Ranking - The Ringer

فقد تمكن “سوركين” من حصد نتاج مغامراته في تلك التحديات الصعبة والمثقلة على مستوى الحدث والقصة بتقدير جماهيريٍ غفير و إشادات نقدية أدت به فائزاً ثلاث ترشيحات للأوسكار فائزاً بواحدة منهم عن جدارة واستحقاق عن فيلم “ماني بول”، وأحدث بعدم نيله الترشيح عن “steve jobs” ضجةٍ كبري وهياج ضد الأكاديمي صنف بعدها بواحدة من أشهر جرائمها وغفلتها التي لا يمكن أن يصدقها العقل أو يستوعبها أحد، وهنا في فيلم The Trial Of the Chicago 7  يكمل علي نفس المنوال ويهدي للجماهير في منازلهم واحداً من أفضل الأفلام التي عرضت علي منصة “نيتفليكس”، ومحققاً نفس الثناء والتقدير الذي يناله كيفما ظهر كاتباً أو حتي مخرجاً كما هو حاله مؤخراً.

مراجعة فيلم The Trial Of the Chicago 7 - يوم رفضت الديموقراطية أن تخنع للسياسات المزيفة 1يعود “أرون سوركين” بالزمن إلي الوراء وبالتحديد فترة الستينات، حينما شهد العالم واحدةً من أهم المنعطفات التاريخية وصراعٍ طويلاً مسلحاً دام سنوات طويلة وهي “حرب فيتنام”، وكيف عمت الفوضى بعدها أرجاء “أمريكا” بأكملها،وتعالت صيحات المعارضين تندد بحشد الحشود مساقين لحربٍ غامضة لا يعرفون عنها شيئاً، في فيلم The Trial Of the Chicago 7 يصور “أرون سوركين” كيف أبت الديموقراطية أن تخنع للهلاك وللسمع والطاعة دون محاورة أو مسببات، وإنطلقت تشدو خطواتها تحت راية واحدة وهدفٍ واحد هو وقف هذا المسلسل من نزيف الدماء وتبديد أكاذيب تلك البروباجندا الأمريكية التي كانت في النهاية هزيمة ماحقة لها، وفشلٌ ساحق لمحاولاتها البائسة قمع حرية التعبير عن الصواب من الرأي.The Chicago 7: A timeline - Chicago Tribune

قصة فيلم The Trial Of the Chicago 7

تدور أحداث فيلم The Trial Of the Chicago 7 في المؤتمر الوطني الديموقراطي الذي أقيم عام 1968، وكان مسرحاً لأعمال الشغب والاحتجاجات ضد تورط أمريكا في حرب فيتنام، حيث يتهم سبع أفراد وهم توم هيدن،آبي هوفمان ،جيري روبن، ديفيد ديلينجر ، ريني ديفيس ، جون فروينز ، ولي وينر بالتآمر لعبور حدود الدولة والتحريض على العنف أثناء المؤتمر، ولكن في وجود المحامي ويليام كونستلر (مارك ريلانس) الذي يقود الدفاع ضد فريق الملاحقة القضائية توماس فوران (جي سي ماكنزي) وريتشارد شولتز (جوزيف جوردون ليفيت) ترتب على ذلك محاكمة كبري استمرت لعدة أيام اضطر سباعي شيكاغو للدفاع عن أنفسهم وقيمهم في مواجهة نظامٍ سيادي قوي يعمل ضدهم وبكل جهدٍ من أجل إسقاط قضيتهم وكل ما يسعون خلفه.The Trial of the Chicago 7 Ending: What Happened Next? | Den of Geek

مراجعة فيلم The Trial Of the Chicago 7

سيناريو “أرون سوركين” تطرق إلي تعريف للشخصيات بصورة ليست مفصلة ولكنها قدمت كل واحدٍ منهم في صورة مشهدية يسهل الوصول منها إلي عقل كل واحدٍ منهم وأولوياته في القضية التي يقاتل ويحارب من أجلها، ونجح في الوقت ذاته في إبعاد صفة الملل عن تفاصيل المحاكمة التي تشغل مساحةٍ كبري في الفيلم بطريقة مثالية نبعت من الإختيار الحكيم للمواد المناسبة ضمن السجل الأصلي للحدث ونجحت في إرثاء رسالة الفيلم ومضمونه بشفافية تامة.The Real Story Behind Netflix's The Trial of the Chicago 7ليس هذا فحسب، بل بمونتاج سلس وتموضع سليم لمشاهد الفلاش باك، تمكن “سوركين” من إيجاد التوازن بين الماضي والحاضر الذي تجري أحداثه متتالية، وأيضاً ضمان ثبات الإيقاع السريع للعمل والشيق في الوقت ذاته، المثير للإعجاب أيضاً أن لكل مشهد في فيلم The Trial Of the Chicago 7 أهمية كبري وغياب فعلي لما قد لا يفيد العمل علي أية وجه.The Trial Of The Chicago 7' review: An astonishing, inspirational triumphوقد منح “سوركين” للفيلم جاذبية خاصة جعلت هناك تواصلٌ فعلي مع كل حدثٍ وسياقٌ يجري داخل صالة المحكمة وداخل تجمعات المتظاهرين، مما ضمن متعة كبيرة وتفهم دقيق لمغزي الفكرة يجعل من الصعب علي الأكاديمية ألا تمنح “سوركين” أوسكاره الثانية في السيناريو المقتبس، لأنه من الظلم ألا يكرم هذا المبدع المخضرم علي فنون السيناريو خاصته وقدرته علي صنع فيلماً من أقل فكرة وأصعبهم تنفيذاً ونقلاً للشكل المرئي، والأهم من ذلك نجاحه في عكس طبيعة وأجواء الفيلم وما يرمز إليه علي الواقع الحالي، مما يجعله أسبه بالوثيقة التاريخية التي تروي قصة كفاحٍ ضد الفساد المتفشي في السلطة وسعيها المقيت لتكمم أفواه من لا صوت لهم.The Trial of the Chicago 7' movie review: A stunning judicial abomination

ربما الثناء الأكبر سيكون علي السيناريو فحسب، ولكن “سوركين” نجح أيضاً في مهمته كمخرج، ربما لا يميل إلي إستخدام تقنياتٍ معينة علي مستوي العرض الصورة، ولكنه علي الأقل ينجح في تسليط بؤرة الكاميرا علي شخصياته وتفعالاتهم مع بعضهم البعض

ويضمن التنقل السهل بين مشهدٍ وأخر وتنظيمهم مابين فلاش باك ولقطات رئيسية عن طريق المونتاج، إجادة في كل شئ هيا خلاصة كل ما ذكر من إيجابيات ما قدمه “أرون سوركين”

والذي يعد بلا أدني شك مرجعاً حقيقياً للسينما المحبب مشاهدتها علي الدوام، التي تعرف طريقها إلي القصة الصالحة للتقديم سينمائياً.

Pre-Production on Aaron Sorkin's Trial of the Chicago 7 Shut Down /Film

لا يوجد أية أداءٍ تمثيلي يمكن أن يقال عليه مخيباً للآمال، بل يمكن أن يحدث تصنيفاً لمن هم الأكثر قابلية ووصولاً لقلوب المشاهد، هناك إثنان على وجه التحديد يجب إعطائهم المساحة المناسبة من الثناء والتقدير

الأول هو “ساشا بارون كوهين” الذي يعود من جديد لإبراز موهبته في أعمالٍ جيدة بعدما تراجع كثيراً من بعض “بورات” ولم يقدم الشئ الذي يذكر بكونه جيداً علي الإطلاق، إرتجالٌ مثالي لشخصية “آبي هوفمان” وتهكمه الساخر وقدرته علي حشد الناس خلفه بأسلوبه الحواري ولهجته الثورية وهيئته العابثة التي لا تنم عن كونه ناشطٌ سياسي ولكنه يثبت عكس ذلك

هل يمكن لساشا أن ينال تقديراً ما في الأوسكار ستبينه الأيام القادمة، وإن كان الموسم السينمائي هذا العام مفقودة هويته مصابة وراكدة تحت تأثير مرض الكورونا.See Sacha Baron Cohen As Abbie Hoffman In 'Trial Of The Chicago 7' Trailer - Leafypage

والثاني هو المتميز “مارك ريلانس” في دور المحامي “كونستلر” المعروف بازدراه الشديد للمحكمة وطاغيها الغليظ “هوفمان الذي أدي دوره ببراعة هو الأخر “فرانك لانجيلا”، إن سر نجاح “ريلانس” يكمن في إطلاق الإنفعالات والتعبيرات الوجهية المناسبة التي تتماشي مع إستفزازات “هوفمان” وتصاعد حدة المحاكمة مع توالي أيامها

وتعزز بذلك فوزه سابقاً بالأوسكار عن دوره بفيلم “بريدج أوف سبايز” لهذا السبب علي وجه التحديد، أيضاً لا يمكن إنكار مجهودات البقية مثل “يحيي عبدالمتين”، “إيدي ريدماين”، “مايكل كيتون”، “جيريمي سترونج”، “جون كارول لينش”، و”جوزيف جوردن ليفيت”، فهم بجانب الثنائي المذكور سلفاً يعتبرون من أهم علامات الفيلم الإيجابية التي يجب الإدانة بالفضل ل”أرون سوركين” عليها.

Review: Eddie Redmayne arresting in 'The Trial of the Chicago 7' | Datebook

في الختام، تمكن “أرون سوركين” من إنقاذ ما تبقي من 2020 بتقديمه لتحفةٍ جديدة يكافئ من خلالها كل من ينتظر عملاً جديداً يحمل إسمه مؤلفاً ومخرجاً في آنٍ واحد، إنها رحلة صمودٍ أمام دوام حالٍ متفشي كالسرطان، وأي سرطانٍ أشد وطأةً من حرب فيتنام التي كانت ولا زالت صفحة مظلمة في تاريخ “أمريكا” بأكملها، وكارثة يندي لها جبين كل من يدرك أن حدث وقتها هو الخطأ بعينه.

اسامة سعيد
كاتب وناقد سينمائى بموقع بيهايند وطبيب بشرى، محب للفن بشكل عام والسينما بشكل خاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *