فيلم the hand of god
في بداية مراجعة فيلم the hand of god، يجب القول أنه من المعروف أن الإبداع في صياغة الأفكار التي تصلح روايتها سينمائياً لا يقتصر فقط علي الوصول لحدود الخيال والبحث عن الجديد والمختلف فحسب، البعض قد يرغب في العودة إلي أصله ويستمد الإلهام من وحي مواقف شخصية وأحداثٍ مؤثرة علي الجانب النفسي والإنساني والعاطفي مثل مراحل الطفولة أو المراهقة أو من خلال الفترات التي ساهمت في ولادة رغباتٍ ما في فعل شئٍ معين مرضي له بنسبةٍ كبيرة.
بالعودة إلي تاريخ السينما السابق، نجد أن أبرز الأسماء التي رسخت إسمها ونالت شهرتها العارمة وتقديرها في الوقت الحالي هو المخرج الإيطالي الراحل “فيديريكو فيليني” الذي قدم 1973 فيلمه الشهير Amarcord الذي تناول فيه في إطار واقعيٍ فترة المراهقة خاصته، وإتضح حينها أنها تيمةٍ ناجحة دوي صداها فيما بعد جماهيرياً وعند الأكاديمية التي منحت هذا العمل جائزة الأوسكار لأفضل فيلمٍ ناطق باللغة الأجنبية.
مراجعة فيلم drive my car – لمحات درامية عن معاني كثيرة بالحياة
ولأنه بمرور الوقت تعلمنا أنه من الممكن أن يبني صانع السينما أفلامه بناءاً علي إلهاماتٍ من أعمالٍ سابقة ويستمد شخصيات فنانيها من ناحية الأفكار والرؤي الفنية والإخراجية وما إلي ذلك، فسوف نجد هذا في فيلم the hand of god أحدث أعمال المخرج الإيطالي المعروف “باولو سورنتينو” المعروض حالياً علي منصة “نتفليكس” الذي بان عليه تأثرٍ كبير ب”فيليني” والمنحي الذي عمل به في السينما فترة الخمسينات والسيتينات إلي أن فارق الحياة.
حيث أن العمل مستمد من فترة المراهقة التي عاشها “سورنتينو” في صغره في مدينة “نابولي” الجنوبية عام 1980، وتعرض من خلالها للكثير من المفارقات الإجتماعية، والمصاعب النفسية التي تصل إلي حد الحزن والنحيب، وفي المقابل إستوعب من خلالها حقيقة أن ربما تلك الآلم التي لا تحتمل بداية طريق الإبداع والتفرد في مجالٍ ما سيكون بمثابة الطريق إلي إحداث الفارق في الحياة وربما تحقيق الشهرة والنجاح كما هو معروف به “سورنتينو” في الوقت الحالي.
قصة فيلم the hand of god
تدور أحداث فيلم the hand of god عن “فابيتو” الشاب الذي يحاول جاهداً إيجاد سلامه النفسي في وسط الصعوبات التي يجدها في حياته والحزن والإحباط الذي أصابه فترةٍ من الفترات بعدما تم إنقاذه بطريقةٍ غير مباشرة عن طريق لاعب كرة القدم الشهير ونجم نادي “نابولي” الإرجنتيني “دييجو أرماندو مارادونا”.
مراجعة فيلم the hand of god
يمكن إعتبار سيناريو فيلم the hand of god علي أنه منقسم لفصلين متساويين، الأول نتعرف من خلاله علي “فابيتو” ومحيط عائلته والناس الذين يعرفونه، والأخر ينطلق من تحولٍ معين نري معه “فابيتو” يكشف عما بداخله ويعلنها صراحةً حتي وصوله للحظة التي ستحدث فارقاً كبيراً في حياته، وذلك الأسلوب تطلب إيقاعاً تصاعدياً في الأحداث نجح “سورنتينو” في تطبيقه مشابهةً مع ذكرياته وحياته التي عاشها بنفس ذلك التصور والتسلسل.
بمقارنة نصفي فيلم the hand of god مع بعضهما البعض، نجد أن الثاني أقوي علي المستوي الدرامي وفعالٍ علي المستوي العاطفي، ومن خلاله يسهل تماما التعاطف مع شخصية “فابيتو” والإحساس بالإنشطار النفسي الذي يعاني منه، ليس هذا فحسب بل من خلال مشاهد مميزة عند المنعطف الأخير من فيلم the hand of god، نتعرف من خلالها أو من خلال “فابيتو”علي أحد أهم لحظة فارقة في حياة “باولو سورنتينو” التي أيقظت حسه الفني وجعلته يهوي صناعة السينما ويمتهنها.
بالطبع يبقي أفضل لحظات فيلم the hand of god هي التي كانت في منتصفه حينما يتعرض “فابيتو” لأصعبٍ لحظةٍ ستمر عليه في حياته، إنعكاس ذلك تجلي بأداءٍ مثالي من قبل الممثل الشاب “فيليبو سكوتي” الذي تميز بإرتجاله الإنفعالي الصادق والمؤثر نظراً لحساسية الموقف الذي سيمر به الجميع بطبيعة الظروف والقدر، وما يزيد من جمالية فيلم the hand of god أنه كما تم ذكره مسبقاً من الحزن يتولد الدافع للتحول إلي شخصٍ أكثر نضجاً، أكثر تركيزاً علي تحقيق أهدافٍ، وأكثر إرادةٍ تهزم الأحزان وتتغلب عليها بنضج العقل وسلامة النفس مما يثير طاقتها السلبية.
بعيداً عن “فابيتو”، يركز “سورنتينو” في الوقت ذاته علي الشخصيات الأخري ويعطيهم اللحظات المناسبة التي من الممكن أن تضيف للفيلم أبعادْ ليست محملة بالدراما كبقية أحداثه الرئيسية، ويسهل أيضاً التعلق بهم وبكل أفعالهم وتصرفاتهم التي من الممكن أن تتعالي معها الضحكات في آونةٍ كثيرة، وذلك أيضاً خدم التحول الذي حدث في النصف وأحدث تأثيره ليس فقط علي “فابيتو”، بل علينا كمشاهدين.
كل هذا التميز السردي والقصصي يقابله لوحاتٍ فنية قدمها “سورنتينو” إخراجياً من وحي عشقه وولعه ب”نابولي” مدينة السحر والجمال التي بالرغم مما حدث له وجسده في قصة “فابيتو”، الإ أنه من خلالها شعر بالحيوية والإنطلاق لصنع مسيرةٍ وحياةٍ مختلفة تهزم كافة الصعاب والمحن، بالطبع لا يوجد إسهاماتٍ مختلفة علي صعيد الإخراج لم نشاهدها من قبل، ولكن يكفي الكادرات التصويرية التي جسدت روح “نابولي” ومعالمها المختلفة، وركزت علي تفاصيل الفيلم المهمة بأن تمنح عمل “سورنتينو” تقديره المستحق في موسم الجوائز هذا العام وعن جدارة وإستحقاق.
في الختام، تتشكل السينما العالمية هذا العام بعديد الإسهامات الفنية رفيعة المستوي التي تعكس الواقع بأفضل الصور وأفضل التكونيات القصصية والسردية، وتحفة “باولو سورنتينو” هذه هي من إضافة مثالية للسينما الإيطالية علي وجه التحديد الذي قد نحس من خلالها بأن “فيديريكو ” حيٌ سينمائياً ولكن بإستحداثٍ دراميٍ جميل علي يد مخرجٍ وصانع سينما مميز مثل “باولو سورنتينو”