مراجعات

مراجعة فيلم The Green Mile .. اللحظة الأخيرة، إما أن تنشغل بكيف تعيش أو تنشغل بكيف تموت

مراجعة فيلم The Green Mile

هل سبق لك أن شاهدت فيلمًا وتأثرت به لدرجة أنه دفعك إلى البكاء؟

هل تعتقد أن الناس يمكن أن يكونوا شريرين؟ حسنًا، دعني أكون أكثر تحديدًا. هل تعتقد أن أي شخص يمكن أن يكون سيئا، أو شريرا، أو على أي حال تريد وضعه دون أن يكون فيه أي خير فيه؟

هل من الممكن أن نفضل الموت على العيش ؟ وكيف سيكون شعور من يعرف أنه سيموت ؟ وهل الموت فجأة أفضل ؟.

– كنت أقول دائما أني لا يمكن أن أفوت فيلم للكاتب “ستيفن كينج” و فيلم “The Green Mile” أو ( الميل الاخضر ) ليس إستثناء بكل تأكيد فهو من أفضل رواياته بعد “The Shawshank Redemption

اقرأ ايضاً كل ما تريد معرفته عن ستيفن كينج أسطورة الرعب

ما يجبرك على ذلك هو طريقته الخاصة في صياغة الأحداث والشخصيات ومقدرته على تقديم عمل مليئ بالإيحاءات .

بطاقة فيلم The Green Mile 

البطولة : توم هانكس ، ديفيد مورس ، مايكل كلارك دانكن ، دوغ هتشيسون ، سام روكويل ، جيمس كرومويل ، مايكل جتير ، بوني هنت

الإخراج : فرانك دارابونت

مؤلف القصة : ستيفن كينج

السيناريو : فرانك دارابونت

التصنيف : جريمة ، دراما ، فانتزي

المدة الزمنية : 3 ساعات و9 دقائق

التقييم : على IMDB 8.5/10 ، على Rotten Tomatoes 80% النقاد و 94% الجمهور

مراجعة فيلم The Green Mile .. اللحظة الأخيرة، إما أن تنشغل بكيف تعيش أو تنشغل بكيف تموت 1

الجوائز : جائزة People Choice أفضل فيلم، جائزة جمعية نقاد السينما لأفضل ممثل مساعد، جائزة إختيار النقاد للأفلام أفضل سيناريو مقتبس، جائزة Blockbuster Entertainment أفضل ممثل .

الترشيحات : جائزة الأوسكار لأفضل فيلم، جائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد، جائزة الأوسكار لأفضل كتابة لسيناريو مقتبس، جائزة الأوسكار لأفضل خلط أصوات .

مراجعة فيلم The Green Mile

-القصة بإختصار شديد وبدون أى حرق الأحداث ، كما هو ظاهر فى بوستر الفيلم، شخصيتين أحدهما سجان والآخر مسجون، و كما يقولون “ياما في السجن مظاليم”، جريمة هذا الشخص أنه أسود وأي جريمة تقع لابد أن يتحملها شخص مثله وخصوصاً في مثل حجمه الضخم، لكن الموضوع ليس بهذه البساطة فهو يتمتع بقدرات عجيبة بالإضافة الى قلب رحيم، هذا ما إكتشفه هذا السجان الذي إستطاع أن يعيش حياته بعد ان ساعده هذا السجين من الشفاء من السرطان حتى قبل ان تعرف زوجته، ويضطر بعد ذلك ان يرد له جميله بأن يبحث عن عدالته، هذه هي محور القصة والتي ستشاهد من خلالها شخصيات كثيرة ومتعددة .

-في هذا الفيلم نشاهد وكالعادة خلف الكاميرا رفيق “ستيفن كينج” المخرج “فرانك دارابونت” الذي كان معه في عدة أعمال وبالتأكيد فهو يعرف بالضبط ماذا يريد صديقه وإستطاع أن يستدرجك بلقطات رائعة ومن زواية محدوده فلم تتنقل الكاميرا كثيرا في الفيلم وكانت أغلب المشاهد في أماكن معينة .

– من بين ما شهدت من أفلام من تأليف العبقري “ستيفن كينج” ، هذا أكثر فيلم أو أكثر قصة حيرتني وجعلتني أفكر في مغزاها ، وهنا أود أن أذكر بعض ما استنتجته من فيلم The Green Mile حول النص ..

“ستيفن” من القلائل الذين أدركوا أن علم الغيب أو بالأصح معرفة ما يفعله الناس وما يخبئونه ليس بالأمر الممتع أبدا ، إنبهرنا بالبداية بقدرة جون العملاق بمعرفة ما يخبئه الناس ولكن ، هذا كان سبب تعاسته.. فضل الموت على العيش في وسط المجتمع المقزز ، وكل من شاهد الفيلم يدرك ذلك .

مراجعة فيلم The Green Mile .. اللحظة الأخيرة، إما أن تنشغل بكيف تعيش أو تنشغل بكيف تموت 2

-طوال الفيلم ونحن نشاهد فصيل الإعدام.. إعدام تلو إعدام..أي مشاهد سيصل إلى أقصى درجات الخوف، تفكر بالموت ولحظات الترقب، وكيف سيكون شعور من يعرف أنه سيموت، وهل الموت فجأة أفضل، ولكن في نهاية الفيلم فقط ندرك أن الموت رحمة، ندرك أن الموت شيء ليس مخيف لهذه الدرجة، شاهد بول جميع أحبائه وأصدقائه يموتون واحد تلو الآخر وبقي هو في شوق إلى الموت ويا لسخرية القدر بول الذي كانت وظيفته الإشراف على إعدام الناس، عاش حتى تمنى الموت تمناه من كل قلبه وبات يؤمن أن الرب يعاقبه لقتله معجزته .

-جميع أصناف البشر موجودة بهذا النص، الطيب والظعيف والساذج والظالم والقذر، مشاهد إنسانية تدفعنا إلى التسائل دائماً

هل ما فعله “بول” كان أقصى ما يمكن فعله لمساعدة “جون” ؟

هل “بيرسي” إنسان سيء لهذه الدرجة ؟

لماذا الناس ترفض مسامحة القاتل مهما كان وحتى مشاهدته يموت لا تكفيهم ؟

لماذا يستمتع الناس بمشاهدة الموت ؟

هل “بول” كان سيساعد جون لو لم يشفيه ؟

الكثير من الاسئلة سوف تخرج بها مع هذا الفيلم ولن تجد لها حل ، فقط مزيد من غرابة النفس البشرية .

“فرانك دارابونت” سيئ الحظ ، ولكن يحق له الفخر بهذا الفيلم وبإصلاحية شوشانك، تحف سينمائية تغنيه عن الجوائز، لم يكتب هذا السيناريو الرائع إلا وهو يعرف ماذا يفعل بالضبط، عرف “دارابونت” كيف يربط الاحداث والشخصيات لتلعب الصدفه دورها مع البساطة، ولم يعتمد على الإثارة الساذجه ولكن جذب المشاهد للخوض في تلك التجربه العجيبه ليرينا حالات السجناء وما تترك النفس الطيبه من تأثير في نفوس الآخرين مع لحظات مؤثره .

فيلم The Green Mile له قدرة غريبة على الشد والاثارة رغم شخصياته الهادئة وأماكن التصوير التي يسودها الصمت وتلفها رائحة الموت ورغم إنتشار لحظات الصمت التي تدعو المتلقي للتفكيير والتأمل بأسئلة الفيلم الكثيرة، يبدو أن هذه المعادلة لا يتقنها الكثيرين وهي تخصص من الثنائي “كينغ – دارابونت” بأن يجعلوا الإثارة والحركة تحدث في عقل المتفرج، ينتهي الفيلم وتمر الأيام ونحن نفكر بكلمات الشخصيات والحوارات والأحداث .

مراجعة فيلم The Green Mile
مراجعة فيلم The Green Mile

– الكاتب “ستيفن كينج” كعادته قدم مجموعة من الشخصيات الإنسانية الثرية، والمركبة نفسيا الى حد بعيد ..

بول : ذلك السجان طيب القلب، لكن ما فائدة طيبة القلب دون عمل الصواب ؟ فهو رغم مركزه في السجن لم يفعل الكثير للمشاكل والظلم الذي كان يراه بعينه ويغمضها .

جون كوفي : المتناقض شكلا وقلبا فرغم ضخامته وقدراته الخارقة ، فهو أرق من أن يؤذي نملة، شخصية بمنتهى الطيبة تجبره طيبته الزائدة على تحمل الألم وإستغلال الاخرين له .

إدوارد ديلاكرويكس : السجين الذي ينتظر إعدامه وهو الطفل بجسد رجل بالغ، الشخصية الأكثر مأساوية في هذا الفيلم، هذا الرجل الذي تعرض للقتل النفسي والجسدي أكثر من مرة على يد “بيرسي” الذي لم يدعه يتمتع حتى بحلمه البسيط عن مدينة الفئران التي أقنعه الجميع بوجودها في الواقع .

بيرسي وتمور : الشر بدون هدف عندما يتجسد في ثوب إنسان الشرطي الجبان الذي وصل لوظيفته بدفع الوساطات، يجد متعة غريبة في تعذيب الآخرين، الشخصية التي جعلتنا نتمنى عكس الآية وإعدامه بدلا من السجناء.

cheek to cheek ما زلت أذكر مقطع هذه الأغنية الكلاسيكية الجميله التي ظهرت بالفيلم ليشاهدها جون كوفي قبل اعدامه , والذي كتبها هو “ارفينك برلين” وقام بتقديمها المغنى “فريد استاير” بفيلم “قبعه عليا” 1935 ، كما ظهرت في عدة أفلام غير “الميل الاخضر” مثل “زهره القاهره الارجوانيه” (1985) , “راين مان” (1988) و “المريض الانجليزي” (1996) .

– فيلم تشع فيه جوهرة الحياة، يصور الإعدام ومراره السجون بطريقه مميزه جداً ويبرز معاملة الضباط للمساجين وعلاقاتهم المتضاربه، جمالية الفيلم إعتمدت على إدخال الفانتازيا التي تمثلت في “المعجزه” لإبتكار قصة غير إعتياديه تستحق المتابعه والفضل لعبقرية “ستيفين كينج” مع هذا الفيلم الذي لا يخلو من الواقعية والقصة المدهشة في الغرق بين الذكريات والاعتماد على أسلوب السرد المؤثر أيضا .

مراجعة فيلم The Green Mile
مراجعة فيلم The Green Mile

– تبدأ المشاهد بين مظهر الحقول الذهبيه وعدة رجال يتوجهون بحثاً عن شخص مفقود ليرجعنا الى الثلاثينيات في تصوير صامت للأحداث وكأننا نقوم بقراءة إحدى الروايات، ثم ننتقل الى تصوير حياه العجائز والتركيز على عجوز طيب وبسيط يبقى شارداً، ولكن هنالك قصه عجيبة لم تروى بعد، وعندما يشاهد العجوز مقطع أغنية Cheek to Cheek يركز الفيلم على عالم السجن ليرينا التجربه التي عاشها هذا العجوز باول ادجيكومب (توم هانكس) التي جعلت حياته بمثابه عقوبه ولعنه، إثر قدوم “الوحش” جون كوفي (مايكل دانكان) المحكوم عليه بالاعدام الى الميل الاخضر لقتله طفلتين بطريقه وحشيه , ولكن عند التعرف بكوفي ستشعر بانك قرب طفل صغير لا يؤذي احداً بالكاد يتكلم ويمثل “العملاق المحترم واللطيف”.

– برع الجميع في الأداء لأشخاص زمانهم في الثلاثينات مع تلك اللكنه المختلفه للرجال البيض والمخرج لم يغفل عن هذا الأمر , كان الطاقم ملائماً جداً ونلحظ هنا اداء متقن من “توم هانكس” و “مايكل دانكان” مع شخصيته العملاقه اللطيفه مرهفة الاحساس , وشكلت شخصيته المعجزة التي تغير حياه الانسان ، ونلحظ أهميه قصوى لجميع الشخصيات لكن ان دققنا النظر فحتى أصغر المخلوقات لها تأثير وهو الفأر “جنكيس” الذي اصبح بمثابه أخ وصديق للسجين “إدوارد ديلاكرويكس” (مايكل جيتير) وبطريقه ذكيه ركزت الكاميرا على الفأر للتعمق به ومتابعة تحركاته باهتمام حتى عند سحقه الذي شكل إحدى المشاهد المفاجئه التي إعتمد عليها “دارابونت” في هذا الفيلم .

– الفيلم يكاد يكون طويلا ، فيمكنك أن تقول أن هناك الكثير من الأشياء التي يجب قطعها ، ولكن وقت التشغيل الملحمي يعمل بشكل جيد بما يكفي لأن الفيلم مثالي جداً ويملأ الفيلم بممثلين / شخصيات تحب أن تعيشها مع الآخرين ، الفيلم مدته 3 ساعات وبضع دقائق وعادة ما يكون الفيلم بهذا الوقت إما شيقا وإما مملا ، لكن هذا الفيلم وهذه التحفة ، جعلت المتفرج يبقى أمام الشاشة دون أي غرام من الملل ، تسبح في عالم الحقيقة ، العالم الذي يبين مأساة الإنسان و معاناته مع الظلم .

فى النهاية ، الفيلم ككل كان مميزاً ليس لتصويره بل لقصته بل لحواراته بل لذلك الميل بل لطريقة سرد القصة من العجوز بول ، إنه فيلم عن ألم الحياة ، عن الأخطاء الصغيرة التي نرتكبها عندما نغمض أعيننا عن الظلم من حولنا .

التقييم الشخصي : 10/10

حسن محمد
كاتب سينمائى متميز، عاشق للسينما الكلاسيكية والمدارس السينمائية المختلفة.