لا يزال بيكسار يخطو خطواته نحو الإبداع وتقديم توليفة من الأفكار التي تُبهر الجميع منذ أولى لحظات فيلم Soul إلى آخرها ليدرك المشاهد أنه قد أنهى وجبة دسمة فاقت إعجابه، والحقيقة إن ديزني صدقت منذ إعلانها العام السابق عن فيلم جديد بعنوان “Soul“.
في فيلم Soul الذي يعرض علي منصة “ديزني بلس” نهاية العام الحالي، يبتعد المخرج “بيت دوكتير” الذي قدم من قبل فيلم “Inside Out” عن دنيا الواقع الموبوء صاحباً المشاهد في رحلة تأمل لأصول البشر ومفهوم القدر المحتوم منها ما يستطرق لبعض التفاصيل من وحي ما هو ملموس وحقيقي، ومنها ما يخترق حاجز الزمان والمكان تعطي للأمر وزناً آخر وبطريقة مختلفة لم يقدم مثيلٌ لها من قبل.
قصة فيلم Soul
تدور أحداث فيلم Soul عن “جو” مدرس الموسيقي بأحد المدارس الذي لا يحظى بحياةٍ مرضية لتطلعات الخاصة برغبته في أن يصبح مؤدياً لموسيقى الجاز، وحينما تواتيه الفرصة لتحقيق حلمه، يتنقل “جو” إلى بُعدٍ كونيٍ أخر يتم تكليفه فيها بمهمة مساعدة إحدى الأرواح الصغيرة لإيجاد شغفها من أجل النزول للحياة بداخل جسدٍ بشرى على كوكب الارض، وهناك يتعلم “جو” عديد العبر والدروس عن قيمة أن يكون هناك كيانُ للإنسان وروحٍ تدب في دواخلها العزيمة لإحداث فارقٍ وتأثيرُ في الحياة.
مراجعة فيلم Soul
يناقش Soul خلال الرحلة التي خاضها “جو باردنر” الكثير من القيم الهادفة والتي تضمن الشغف حيث عرفه بيكسار من خلال هذا الاقتباس : “ عندما يكون الإنسان مهتم بشئ يشعر كأنه في مكان آخر “مكان آخر نصنعه نحن لكي نعيش به فترة قصيرة ونمارس بها هوايتنا وسرعان ما ينتهي العالم “، وأيضًا الحلم والسعى إلى تحقيقه ،وأن جميع البشر قد وُلدوا وهم مُقدرون لتقديم رسالتهم في الحياة فلم يُخلق أي منَّا عبثًا ومهما شعر الإنسان أنه فاشل فلابد أن يُواصل نحو هدفه وساعيًا له.
لأن طريق النجاح يحتاج إلى جهد وصبر حتى يتحقق المراد وكما هو الحال دوماً فطريق النجاح قد يحتوى على ثغرات مثل الطريق الذي نسري عليه قد تُعيق الإنسان من تحقيق هدفه وربما إدخاله في مرحلة من الحزن، فمثلًا يشعر الإنسان بالملل خلال رحلة سعيه ويطرح على نفسه أسئلة يستقبلها عقله بكل ترحاب حتى يتسريح ولا يعود مرة أخرى إلى التعب والمعافرة “لمَ أنا هنا”.. “ماذا سأستفيد”.. “أنا لن أحقق شيئًا كما يقولون… أنا فاشل” وغيرها فيقوم العقل بالاقتناع أنه يجب علينا التوقف لأن النتيجة لن تكون مرضية بالنسبة لنا، ولأن العزيمة انخفضت فسيجد العقل دومًا المبررات والحجج التى تُجبرنا على عدم السير أي خطوة نحو الأمام مرة أخرى، ويشعر بعدها الإنسان أنه في عالم سوداوي مظلم وأنه لن يحقق حلمه مهما فعل من جهد فيسير نحو الاحباط والاكتئاب وينفصل عن عالمنا الواقعي.
ما سهل على الجميع تدبر الفيلم بأريحية هو التزام السيناريو بقواعد تقديم أي قصة كعمل فني، فهناك تمهيدٌ مناسب يتطرق دون مبالغة لحياة “جو” العملية وما يشغل تفكيره ويرغب في ممارسته، ثم الانتقال السريع للمرحلة التي تليها وسرد التفاصيل المتضمنة للتحديات الصعبة التي تواجه “جو” داخل هذا العالم الجديد الذي لا يعرف عنه أي شئ، ثم التحول بعد ذلك وبروز معالم الفكرة بوضوح بتوازن بين طرحها مباشرة أو دارجة داخل مشاهد بعينها. تلك الصورة المحكمة التي نتجت عن نجاح جميع محاولات إرثاء الفكرة الأساسية للعمل شملت أيضاً تطرق لفرعياتٍ آخر ومعالجة أمورٍ شتي تمس الناس أجمعين علي أرض الواقع،فنجد أمثلة تقدم عن أفكارٍ مثل كيفية أن هناك من يرضون بما حباهم به القدر بعيداً عن أحلامهم وطموحاتهم ويلمسون الجمال الجانبي لأوضاعهم الحالية، تجلي ذلك في مشهدٍ وحيد كان كافياً لمناظرة الأمر بما يحويه من حوار ٍطريف وأجواءٍ ممتعة.
أيضاً ينعكس ما ذكر مسبقاً علي رمزية بعض تفاصيل القصة المعروفة لدي البعض خصوصاً فيما يخص ما يدور في مخيلة شخصية الروح “22” وسعيها لايجاد شرارة الشغف خاصتها وأصول “جو جاردنر” وولعه بموسيقي الجاز، و كذلك واقعية مظاهر تعامل الشخصيات مع بعضهم البعض، وأيضاً تقدير جميع المعتقدات فيما يخص بعض المفردات التي ذكرت داخل أحداث الفيلم، لا عجب أن يترشح سيناريو “بيت دوكتير” للاوسكار علي غرار “Inside Out”، فهناك توليفة من العناصر ساهمت في انتعاشة غير مسبوقة في عالم الرسوم المتحركة علي مستوي المواضيع المطروحة وتوجيهها لجميع الناس دون تفرقة لأحدٍ علي حساب الآخر.
في النهاية، يرثي فيلم Soul في مدة لا تتعدي الساعتين رسالة مباشرة تقتضي بأن الفرد لا بد من ان يسعي لتحقيق هدفه وتجديده قدر الامكان وان فاته قطار الفرص السانحة، فليترك الامور تمضي كما هي عليها لعل القدر قد يحمل بعض طول انتظار الخبر السار الذي تطمئن له القلوب ويسير الانسان بعدها علي منهاج يحسن به أوضاعه شيئاً فشيئاً ويسهل عليه بعدها عيش كل لحظةً بلا همومٍ أو فتورٍ نفسي ومعنوي.
شارك في كتابة المراجعة : اسامة سعيد