مراجعة فيلم Run – حينما يغدو الإنسان مصدر قلقٍ لغيره

ها هي ٢٠٢٠ على مشارف نهايتها، عامُ فقدت فيه “هوليوود” الوقت الكافي على غرار السابق من أجل إزحام صالات السينما المختلفة بعديد الانتاجات السينمائية بشتى أنواعها ولكافة ما يطلبه المشاهد ويقطع المسافات من أجل الاستمتاع والتسلية برغم محدودية وقت العرض، عامُ اجتهدت فيه المنصات في ملئ تلك الفراغات السينمائية وإطلاق العنان لمحتوى مناسب في ظل الأجواء المشحونة بالخارج منه السينمائي ومنه من ينتمي لنوعية العمل الدرامي المسلسل.

نرشح لك ايضاً: افضل افلام غموض وتشويق 2020

وفي ظل السيطرة الكبرى لأفلام المنصات على مدار الشهور القليلة الماضية، الجميع سينظر بطبيعة الحال إلى ختام مثالي لهذا الموسم الخالي الوفاض من الأعمال الكبرى، حتى وان كان المضمون تجاري بحت ولكم يتناسب مع الأزمة العالمية الحالية التي تثير احتقان الناس بلا أدنى شك، وهذا ما حدث بالفعل حينما أطل واحداً من الأسماء التي سجلت حضورها بطريقة مثالية وملفتة للانظار عام ٢٠١٨، وهو “أنيش شاجانتي” الذي أخرج عام ٢٠١٨ فيلم “Searching”.

“شاجانتي” الذي قاد أحد النجوم المغمورين في فيلم يدور في خلد البحث عن أحد المفقودين عبر وسائل الاتصالات المختلفة، ها هنا يبتعد عن التعقيد و سامة الحبكة بالتفاصيل، ليقدم وجبة سينمائية مثالية لمحبي الأفلام في المنازل لا تخلو من الإثارة والغموض وتجربة من صميم واقعٍ بات الخطر فيه أشرس من مجرد وهمٍ خيالي وهواجس خارقة وغير طبيعية، وهو الإنسان الذي يقسو على الآخرين بقدر تعاسته بحياته أو بعلةٍ أرخت بجائلها فوق نفسه تؤدي به لافتعال ما ينشر الفوضى ويعبث بمشاعر الغير دون هوادة، ساعة ونصف هي رحلة للفرار من جحيم الاضطراب والانا المصبوغة بأكثر التصرفات افتفاداً للادمية، ساعة ونصف تستحق تقييماً رقميا على موقع “Rotten Tomatoes” يتعدى ال٩٠٪.

قصة فيلم Run

تدور أحداث فيلم Run عن “كلوي” الفتاة المصابة بعدة أمراض كالشلل والسكر وأزمة الربو الشعبي، وتعيش مع والدتها “دايان” في منزل منعزل بسياتل تقوم فيه الأخيرة بمراعاتها في ظل رغبة كلوي العارمة بالذهاب للجامعة وتنتظر جواب القبول بفاغرغ الصبر، ولكن بمرور الوقت تكتشف “كلوي” شيئاً ما أثار في نفسها الشك من تصرفات والدتها وما تفعله من أجل مداوتها، وتسبب في انكسار الثقة شيئاً فشئ بين الاثنين وعلى نحوٍ غير متوقع خصوصاً مع تدفق الأسرار ومثولها واضحة المعالم نصب أعين “كلوي”.

مراجعة فيلم Run

لم يهدر السيناريو الوقت في بناء البداية في ظل محدودية وقت العرض، فتسارع الإيقاع منذ اللقطة التأسيسية للفيلم التي وُضح أهميتها فيما بعد كي ندخل عالم الثنائي “كلوي” و”ديان”، ثم انتقل بعد ذلك لتشكيل معضلة الفيلم والاستمرار في نسقه الصاعدي ووصولاً للنهاية، لم يشكل ذلك التردد الايقاعي السريع أدنى مشكلة أثناء عملية المشاهدة، فالقصة لم تكن بالزخم الهائل الذي احتاج لهدوء نسبي في بسط الأحداث بتفاصيل متعددة، فقد اختار “شاجانتي” ورفيقه “سيف اوهانيان” الحبكة على أساس وصول الفكرة لمن يتابع الفيلم بسهولة دون تعقيد.

كما ذكر سلفاً، يعتمد السيناريو علي إثارة مخاوف “كلوي” بطريقة أبعد ما يكون عن الخيال والهزل وقدم من خلال عدة تسلسلات مطولة معاناة البطلة بعد معرفة إحدى الحقائق التي قلبت موازين حياتها وباتت في صراع من أجل النجاة والفرار من تخت قبضة التسلط المسير بطريقة خاطئة، وذلك سهل علي الحميع تقبل مجريات الفيلم بالرغم من سهولة توقع كل حدثٍ منها، ولكن يبقي عنصر التشويق ما جمع الناس لمشاهدة الفيلم لفعالية عناصر الاثارة الموجودة فيه.حتي في تبرير ما بحدث وتفسيره، لا تجد ما يدنو تحت طائلة الازدحام القصصي وزخر الحبكة بالكثير والكثير من التفاصيل والاتوائات وما شابه، سيناريو “شاجانتي” يقدم المعضلات ويقوم بحلها بتزامن مع ايقاع الفيلم السريع، لا يقدم ما يحتاج لاكثر من ساعة ونصف، فنجح في أن يعيش من يشاهد الفيلم صراع “كلوي” مع شرٌ لم يكن في حسبانها ان يكون المانع الحقيقي لرغباتها او حياتها كانسانة من لحم ودم لا يمكن استئصال حريتها بأية شكل قط.
ربما سيعترض البعض علي نهاية الفيلم وكونها سريعة ليست بالمبررة، ولكنعا لا تسبب مشكلة كبري نظراً لتفرد الفيلم بلا أية أجزاءٍ منه وبغاية عدم الخروج عن ابنص والمدة المحددة لتلك القصة الملسطة التي حتماً ستضيف ل”أنيش شاجانتي” وتزيد من أهميته كواحد من صناع الأفلام الواعدين الذين سيكون لهم شأن كبير في المستقبل فيما بعد.البساطة في السيناريو يقابلها علي الجانب الاخر بساطة اخراجية يتخللها بعض اللمحات المرئية المميزة، هناك اختيار دقيق لكادرات التصوير التي تلقن المشاهد ما يثير القليل من القلق وترقبه لنتاج ما يحدث بعد ذلك، وتزامن مناسب لحركة الكاميرا مع مثول البطلة “كلوي” لبعض المفارقات العصيبة التي تعكس مخاوفها وصدماتها من ما وجدته وكشف عنه ما توالي الاحداث، لم يكن هناك ما يوشبه الخطأ علي مستوي المونتاج، فكل شئ ينم عن التبسط بكل الشبل الممكنة وايصال المشاهد للحظات الاثارة الموجودة بالفيلم بما يضمن فعاليتها وقابليتها عنده كليتاً.لكن يبقي تميز “شاجانتي” الأكبر هو إختيارات التمثيل، “سارة بولسن” بدا أنها تستفيد في كل مرة تتقمص الادوار الجدية بملامحها الصرامة والوجوم الحاد التي يعتري تلك الشخصيات نتيجة لأسباب معينة ولحظات فارقة أودت بصفاء الذات والعقل، “بولسن” تقدم هذه المرة تكراراً لما قدمته سابقاً من ارتجال انفعالي مناسب لطبيعة الشخصية، وتصنع لحالة حسية تفتت مع مرور الوقت وظهور الوجه الحقيقي المفاجئ الي حد كبير، وفي هذا النقطة بالتحديد تنجح “بولسن” في تسخير ذلك التحول في أدائها، مما يعطيها أيضاً علامة الاجادة للمرة الثانية علي التوالي بعد دور الممرضة “راتشيد” في مسلسل “Ratched”.

أحد علامات فيلم Run الإيجابية أيضاً هو الظهور المميز للفتاة القعيدة “كيرا الين” التي يحسب لها نقل إحساس واقعي تماماً عن شعور من انتباته علةٍ ما خصوصاً مع تزايد الخطر وافتكاكها للغموض الذي أثار انتباهها بعدما كانت مغيبة لفتراتٍ طويلة، هو ظهور لها لاول مرة ولكنها مغامرة من قبل “أليش شاجانتي” من أجل عمل شئ مختلف ونقل صورة واقعية عن أناسٍ معينين ربما لم يحدث ان قدمت بهذا الشكل الفعلي منذ فترة طويلة في سينما الاثارة والتشويق.

في الختام، بالرغم من غياب أية فرصة للعروض السينمائية في هذا العام الحزين، ولكن يبقى هناك من افلام المنصات ما قد يحظى باهتمام بليغ إن توافرت الجودة والمتعة في آنٍ واحد، وهذا ما تحقق في فيلم Run الذي يرسي فكرة مصغرة عن ما يتبع كون البشر مصدر قلقٍ وخطورة علي حيوات الآخرين .