مراجعات

الغرفةُ التي صدرت قصوراً من الإبداع .. مراجعة فيلم Room

مراجعة فيلم Room

“العالم أشبه بكوكبِِ كله من التلفاز ، كل شئ في نفس الوقت ، لذا لا أعرف إلى أي اتجاه أنظر وأنصت” -“جاك”

الغرفه ، ذلك العالم الذي نشأ به جاك ، أربعة جدرانِِ مسقفة بشكلٍ مائل كما هي عادة الغرب في بناء مساكنهم ، مساحة صغيرة تقدر ببضع أمتار تحتوي على أساسيات الحياه ، الفاصل بينها وبين العالم الخارجي بابُ موصد بقفلِ إلكتروني لا يستطيع العبور خلاله سوى “نيك الكبير” ، “ما” الفتاة التي تم اختطافها من قبل مغتصبِِ قام بإيداعها الغرفة سبع سنوات قام فيها بإمتلاك جسدها قهراً ، عامين وجاء “جاك” إلى هذا العالم الضيق الذي لم يعرف سواه لخمس سنواتِ كامله ، لم يرى سوى أغراض غرفةِ كئيبة ولون أزرق ينبعث من نافذة سقف الغرفه ، أنها السماء التي هي سقفُ لعالمِ يتجاوز وسعه نظر الصغير “جاك”.

“جاك” الفضولي الذي خصته الكاتبة كي نرى القصة بعيونه والذي عكفت أمه على تعليمه كي يسير على نهج أقرانه ممن هم خارج عالمه الصغير ، ها قد حان الوقت كي يعلم “جاك” بأن هناك عالمُ آخر أقل قسوة من الذي يحيا بداخله ، عالمُ يتسع للمليارات من البشر الحقيقيون الذين يختلفون عما يراهم في التلفاز ، بشرُ يشبهون “جاك” ذو الشعر الطويل الذي يبدو انه لم يُقص منذ ولادته وكأنها إشارة إلى انه لا يفقد ما يمكنه إبقاؤه فيكفيه انه يفتقد الحياة قهراً..

“ما” دبرت حيلة بالإتفاق مع صغيرها كي تجعله يفر من هذا الجحيم في مشهدِِ احتبست فيه الأنفاس ، وقد نجح “جاك” وخرج إلى العالم الذي وصفته له أمه و حين ازاح الغطاء الذي أُلتف به وفتح عينيه على العالم في نظرة تعجز الكلمات عن وصفها فهي بإختصار نظرة طفلٍ عمره خمس سنوات يرى العالم لأول مره وهذه النظره تعكس موهبة “يعقوب تريمبلاي” الذي نقل من خلالها الإحساس بصدقٍ قلما نجده عند من هم في سنه 

تفاجئ “جاك” بعالمٍ أخر لم يكن يتوقع أن اندماجه بداخله سيكون بتلك الصعوبه فكان “جاك” حرفيا يُولد من جديد ولكنها ولادة مستعصيه فكانت خطواته تتثاقل وقدماه لا تقوى على السير بأرضِ غير التي أعتاد السير عليها ورئتاه تستنشق هواء الحرية كأنه غبار عاصفةِ تجتاح الأرض “فـ من ولُد بقفصِِ يعتقد أن الطيران جريمه” هكذا كان حال جاك فعقله وجسده كانا يعاقباه على أنه أخرجهما من عالمهم السابق ، فكانت عملية اندماجه مع الواقع الجديد في غاية الصعوبه فعندما أستطاع الإنفكاك من يد “نيك الكبير” أستلقى على الأرض قابضا بذراعيه على قدميه في أستنساخ لوضع الجنين في بطن أمه وكأن “جاك” يقول أنني لازلت جنيناً وبالنسبة لهذا العالم أنا لم أُولد بعد، فعندما تم إنقاذ أمه ونقلا للعيش مع جدته وزوجها كان لا يرغب في الإختلاط سوى مع أمه رافضاََ أي جديد يطرأ عليه في إشارة إلى ان هذا العالم لا يوجد به ما يستحق أن تتغير من أجله..

فما كان من “ما” إلا أن تخلت عن جزء من عاطفتها كأم فاستغلت مرضها و تركت “جاك” وحده في العالم الجديد حتى يضطر إلى التعامل مع أشخاص غير أمه في محاكاة لما يحدث مع الرضيع حين يأتي موعد فصاله ولكن هذا لم يأتي بسهوله فكان “جاك” يختلي بنفسه قابضاً يده على سنتها التي أعطته إيها في الغرفه في محاولة للتعبير عن أن “جاك” قد يكتفي بسنة أمه عن هذا العالم فجاك يحب العزلة لا كرهاً في الناس ولكن هروباً بنفسه

وبما أنه لابد للناس من الناس بدأ “جاك” التجاوب مع واقعه تدريجياً حتى نجح في ذلك وأثناء ما كان يركل الكرة مع أحد أقرانه من العالم الجديد أتت أمه فـ أرتمى في جسدها معلناً أن للمرء أكثر من عالم أحدهما يقع في حضن أمه..

تلك القصة المستوحاة من قصة اليزابيث فريتزل التي أحتجزها والدها أربعة وعشرين عاما في قبو المنزل العائلي في النمسا وأنجبت منه طفلاََ ، أستطاعت الكاتبة من خلالها إظهار العالم بنظرة مختلفة بعيون “جاك” الذي عاش تجربة أجبرته على ذلك ، تلك القصة التي أظهرت أن الحرية إحدى أهم أساسيات الحياه وأنها شئُ يستحق المقاومة من أجله ، وأن ما يفرق العالم الحقيقي عن عالم “جاك” وأمه هي الحريه

فـ في المشهد الأخير الذي يعد تلخيصاََ لمغزى تلك القصه حين عاد “جاك” إلى الغرفه زائراً بعدما نجح في تجاوز صعوبة الإمتزاج مع عالمه الجديد وأخذ يتفحص غرفته ويتحسس أغراضها في لحظة يمتزج فيها الحنين بالرغبة في الوداع 

حين حدث أمه بلغة تحوي داخلها عمقِِ بقدر سطحية الطريقة التي قيل بها قائلاََ في إشارة إلى الغرفة “إنها مفتوحة الأبواب.. فتعجبت “ما” من قوله فقال إنها لا يمكن أن تكون الغرفه وهي مفتوحة الأبواب ” في إشارة إلي أن الأبواب المفتوحه تفقد السجون هويتها

تحسس “جاك” الجديد الذي تحرر من قيود ماضيه كل شئ ، الكرسي ، الدولاب ، الحوض ونظر إلى أمه قائلا.. “الآن يمكنني توديع الغرفه” .

هكذا كان العالم من وجهة نظر “جاك” في إحدى أهم الأعمال في السنوات الأخيرة وأكثرها عمقاً وفناً ، كما قامت “بري لارسون” و الطفل “يعقوب تريمبلاي ” بأداء تمثيلي رفيع نقلا من خلاله المعناة من الورق لأجسادهم مما أعطى العمل مصداقيه لم نعتاد عليها كثيرا في السنوات الأخيرة.

بقلم : احمد يوسف 

Behind The Scene
بيهايند هي كيان سينمائي مصري متخصص فى مجال ترشيحات الأفلام والمسلسلات وتقديم تغطية لكافة الاخبار الفنية في السينما والدراما