مراجعات

مراجعة فيلم Ran .. وصية أكيرا الأخيرة ونهاية حقبة الساموراي

مراجعة فيلم Ran .. وصية أكيرا الأخيرة ونهاية حقبة الساموراي 1

كم أنت ساذج أيها العجوز .. ظننت أنك ستقضي ما تبقي من عمرك مطمئن مرتاح البال في قلعة بنيتها من الدماء وصرخات الأبرياء .. قتلت الأفاعي طمعاً في جحورهم وأذهلك بيضهم الأبيض فتركتهم يتسللون إلي أعشاش طيورك بمحض إرادتك ..

لتبث السموم في آذان طيورك التي ظننت أنك ستتكيء عليها في آواخر أيامك ويُعمي عيونها ذلك المجد الزائل الذي فنيت سبعين عاماً من حياتك تبنيه .. أيها الملك العجوز لم تكن رحيماً بالأبرياء والمساكين فلا تتوقع من الزمن أن يكون رحيماً بك .. اطربك كلام ذوي المصالح المعسول ونفرت من صراحة الموالين الذين أحبوك بصدق حتى نفيتهم ..

طيورك الأليفة تحولت إلي طيور جارحة تنهش لحمك ولحم بعضها طمعاً في السلطة .. ولم ينقذك من منقارهم سوى الجنون الذي أصابك ولكن المجنون في عالم مجنون كهذا هو العاقل .. لتهيم في الأرض الواسعة وتقابل من عانوا من ويلات قمعك وترى أطلال القلاع التي كانت تعيش فيها عائلات سعيدة في سلام يوماً ما قبل وصولك .. هذا هو عقابك الذي تستحقه أيها الملك الظالم .. ظللت حياً تشاهد النيران تلتهم راية عائلتك .. تلاحقك نتائج أفعالك حتي لم يعد عقلك يحتمل .. كل أرض تطأها تتحول إلي خراب .. كل شخص يحبك يدركه الموت ..

تتمني لو تنشق الأرض وتبتلعك وأنت علي قيد الحياة.

Tatsuya Nakadai and Pîtâ in Ran (1985)

أكيرا البالغ من العمر 75 تسلق أحد جبال شكسبير الشاهقة “الملك لير” بكل براعة وبني فوق هذا الجبل منزلاً جميلاً كالنجوم تسر الناظرين ولكن لا أحد يستطيع الوصول إليها .. ملحمة فنية تقترب من الثلاث ساعات أمتزجت فيها تراجيديا شكسبير مع رؤية أكيرا المتشائمة لنهاية العالم .. تلك الرؤية التشاؤمية التي ربما نتجت من اقترابه من الموت مرة عندما أقبل علي الإنتحار بقطع شرايينه لأنه لم يجد من يمول فيلمه بجانب وفاة زوجته أثناء التصوير .. ربما جعله هذا يتأمل في هذه الحياة ويجرد كل شيء حوله من قيمته ويحاول فهم واستيعاب طبيعة البشر وتصرفاتهم والمغزي من وجودهم ..

المغزى من التقدم التكنولوجي وصنع الأسلحة الحديثة .. المغزى من الصراعات والحروب .. فناء الحقب التي كانت عظيمة يوما ماً .. وصية أكيرا الأخيرة تضمنت النفس البشرية بكل صفاتها وتناقضاتها التي وصلت إلي درجة مرعبة من التدمير .. ويبقى السؤال أين الآلهة وسط كل هذا؟! .. هل هجرت هذا العالم؟! .. أم هي غير موجودة؟! .. أم لم تعد تستطيع حمايتنا من أنفسنا؟.

Akira Kurosawa, Tatsuya Nakadai, and Jinpachi Nezu in Ran (1985)

تعودنا دائماً سماع قصة الملك الذي أعطي كل ابن من أبنائه سهم وطلب منهم أن يكسره .. فكسره الأبناء بكل سهولة ويسر .. فأحضر حزمة وطلب منهم أن يكسروها فلم يستطيعوا في إشارة إلي أن الإتحاد قوة والتفرق ضعف .. ولكن ماذا لو لم يدرك الأبناء المغزي؟ .. يمكن كسر هذه الحزمة بعدة طرق أخري فماذا لو دخلت عناصر أخري مثل السلطة والفتنة إلي هذه القصة وتصرف الأبناء بشكل مغاير .. ومن هنا تبدأ رؤية أكيرا من خلال ملك ظالم يقرر التخلي عن ملكه بإرادته وتقسيم مملكته علي أبنائه الثلاثة .. يبدأ الإبنين الأكبر والأوسط في تملق والدهم وقول الكلام المعسول الذي يريد سماعه أما أبنه الأصغر فيصف ما فعله بالغباء والخرف نظراً لأن والده أسفك أنهاراً من الدماء دون أن يظهر رحمة أو شفقة فلا يجب أن يعتمد علي إخلاصهم حتي لو كانوا أبناءه لأنهم ولدوا في هذا العصر المظلم مفطومين علي السلطة والفتنة والفوضي .. صراحة وصدق الإبن الأصغر لم تعجب والده ليقرر التخلي عنه ونفيه .. يكتشف الأب فداحة خطأه وقصر نظره عندما يطرده الإبنان من مملكته أو التي كانت مملكته .. يقرر الإبنان أن يأمنا قوة والدهما ويتخلصا من حاشيته فيدبران لهم مكيدة وتبدأ معركة غير متكافئة بين جيوش الإبنان بالبنادق النارية الحديثة وسيوف الساموراي لتكتب بحبر من دم نهاية الساموراي تحت أنظار السماء .. فيصيب الملك مس من الجنون ويبدأ في مواجهة نتائج أفعاله .. ورغم امتلاء الفيلم بالمعارك والقتل وسفك الدماء خرجت هذه المشاهد بصورة جميل للغاية نتج من تمازج ألوان الرايات المختلفة وتراصص الجنود ومناظر الجثث الملقاة مما دفعني للإستغراب هل وصلت قتامة رؤية أكيرا إلي هذا الحد في آخر فتراته؟! .. هل يري فناء البشر شيء جميل لهذا حد؟!

Hisashi Igawa and Jinpachi Nezu in Ran (1985)

محمد عرفان (Arf Ofy)
السينما هى كيفية أن تعيش أكثر من حياة .. حياة جديدة مع كل فيلم تشاهده .. وهدفي هو ترشيح أفلام جيدة ومختلفة تحترم عقليتك كمشاهد .. وتسحبك معها إلي عالمها المليء بالسحر والأفكار والمشاعر كي تعيش تجربة لا تُنسي تنغمس فيها بكل حواسك.

1 Comment

  • Avatar
    أحمد 25 مايو، 2023

    جميل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *