لا شك أن الشعور بفقدان أحدٍ ما من الأمور التي تجعل الإنسان حزيناً، وتشعل عواطفه المنكسرة، وتُهيج مشاعره الكامنة بين أضلاعه المتداخلة بمرارةٍ ينطفئ من خلالها شعاع الوجوه التي تتجهم ملامحها غماً وكآبة، وهذا ما يناقشه فيلمنا الحالي فيلم Pieces of a Woman.
هناك من يجد الصعوبة في التأقلم مع أوضاعه الحالية بعدما اختل توازنه النفسي وانطفئت جراء تلاشي قطعة ثمينة من روحه الدائرة علي تروس الانفطار الوجداني، حيث يكتز تفكيره بتبعيات ما حدث سابقاً، وتصادفه عديد المفارقات العصيبة التي تزيد من أوجاعه ويصعب تخطيها بأي وسيلة ممكنة، فيصير الفرد مُسقط الإرادة، قليل الحيلة، وحبيساً للانفعال والانطواء.
مراجعة فيلم pieces of a woman
أبعاد هذا الأمر تجعل من السهل ترسيخه سينمائياً بعدما شهدت الآونة الأخيرة زخماً كبيراً من الافلام المعروفة باسم “سينما الواقع”، والتي تعرض مقطفات من الحياة اليومية وتسرد الحقيقية الانسانية وتسلط الضوء علي المشاكل الاجتماعية عند الكثير من الناس، فيلم “pieces of a woman” الذي عرض يوم الخميس الماضي علي منصة “نيتفليكس” ينتمي للنوعية الأخيرة التي تعكس من خلال مراحل زمنية متعددة ترثي حال من ابتلوا بمأسي أليمة كالموت والفقدان فلم يذوقوا بعدها طعم الحياة الهنيئة، وتبدلت بعدها أحوالهم بما يبدد كل شئٍ يحلمون بتحقيقه من أجل استمرار السعادة وتحقيق كل ما يراد من غاية.
افضل افلام دراما 2020 التي ستشاهدها على الإطلاق
إن تيمة فيلم Pieces of a Woman مثيرة للاهتمام تلعب على وتر الدراما التي لا تميل للتراجيديا في آونةٍ كثيرة، مما يجعل صياغتها أمراً ليس بالسير ولا يحتاج إلى إسهابٍ أو مبالغة في المعالجة السردية، ولكن سيناريو “كاتا فيبر” عابته الرتابة والتكرار في الكثير من مشاهده مما أثر على إيقاع الفيلم، بالرغم من قوة الأداء التمثيلي الذي حتماً سيتم تكريمه في موسم الجوائز بشكلٍ أو بأخر.
قصة فيلم pieces of a woman
تدور أحداث فيلم Pieces of a Woman عن الزوجين “شون” و”مارثا” ” اللذان على وشك استقبال مولودتهما الأولى،قبل أن تحدث الظروف ويفقدا الطفلة أثناء عملية الولادة في المنزل، مما ترتب على ذلك دخول” مارثا”، في حالة من الاضطراب النفسي أثر بشكلٍ كبير على شعورها وسلوكياتها وتفكريها وامتد ذلك لفترةٍ طويلة دامت لعدة شهور عقب الحادثة.
ما سيجذب انتباه الكثيرين هي افتتاحية الفيلم التي استغرقت نصف ساعةٍ كاملة معتمدة على تقنية التصوير بلقطة واحدة، والغاية من ذلك كانت توصيف الحالة التي من خلالها ستنعم شخصيتي الفيلم الرئيسية بمن ستملئ عليهم حياتهما وتمنحهما خياراً أخر من أجل استمرار سعادتهما إلى الأبد قبل أن يتهاوي كل شئ ويتلاشى حلم نمو العائلة كالسراب ضمن بقية أحداث الفيلم، ذلك الشق أيضاً يمتاز بفلسفته الواقعية التي تتطابق كليتاً مع ما يحدث لشريحة معينة من البشر، وسهولة تتبع تفاصيله من أولها لأخرها نتيجة الإتكاء على توظيف اخراجي جوهري لأحد أهم عناصر السينما وأكثرها تعبيراً عن الحالة العامة للشخصيات والأحداث
عيوب فيلم Pieces of a Woman وسلبياته لاحت في فصول الفيلم المتوالية، حيث نرصد أثر ما حدث ل”شون” و”مارثا” وما ترتب عليه من نتائج ساهمت في تدهورهما نفسياً وتراجع أرصدة الود والحب بينهما رويداً رويداً، ولكن المشكلة تكمن في تكرار المشاهد بصفة كبري داخل الأحداث والنقاشات دون أن يؤدي ذلك إلى إبراز أية تغيراتٍ للشخصيات على المستوى النفسي والمعنوي سوى في لحظات النصف الأخير من الفيلم حينما ارتفع نسق الأداء التمثيلي تزامناً مع حل المعضلة التي تقوم عليها الأحداث.
مما ساهم ذلك في بطئ الإيقاع العام للقصة عدا الجزء الأخير منها الذي رفع من نسق الفيلم وحسم كل شئٍ يخص أحداثه التي بني أساسها بطريق مميزة،وأيضاً إنفصال المقدمة عن بقية العمل لغياب ذلكتأثيرها على ما حدث لاحقاً مما يوحي أن العمل منقسم إلى فيلمين مصغيرين، وذلك ربما لن يكون في صالح العمل من حيث الترشح للاوسكار هذا العام على مستوى السيناريو وأفضل فيلم، إلا في حالةٍ واحدة فقط لن يختلف عليها من قِبل من أحبوا العمل ومن أحسوا بخيبة أملٍ منه.ألا وهو تجسيد النجمة الشابة “فانيسا كيريي” التي حازت علي جائزة “Colpi Cup” كافضل ممثلة في مهرجان “فينيسيا” الماضي عن جدارة ، وجاء ذلك بفضل قدرتها علي احتمال الضغط النفسي والعصبي الذي صاحب الشخصية كما كتبت، وعكس الحالة الحسية ل”مارثا” ظاهرياً بما يمكن للمشاهد فهم ما يجول بخاطرها بشكل مباشر نتيجة اتقان “كيربي” لارتجال الانفعالات المناسبة علي مدار الاحداث وتفاعلها الصارم والجدي مع الأحداث بما يتطابق كليتاً مع نص الحبكة، ولهذا، يمكن القول أن “فانيسا كيربي” ستكون نداً حقيقياً ل”كاري موليجان” التي كانت في طليعة المرشحين للظفر بأوسكار الممثلة في دور رئيسي إلي أن جاءت “كيربي” وأشعلت المنافسة من جديد حاملةً معها ما يبرز أحقيتها هي الاخري بالفوز.بالرغم من كثرة المشاكل التي أحيطت به مؤخراً، يبقي “شيا لابيوف” واحداً من الممثلين الذين يظهرون نضجاً كبيراً في الاداء في الآونة الاخيرة، حيث تمكن من مجاراة “فانيسا كيريي” في المواجهات الحوارية بعكس ما كان حينما يظهر وحيداً ويحاول إظهار مده ضعفه وقلة حيلته التي تصل لحد البكاء بحرقة، مما أضفي ذلك نغمةً واقعية تعكس حالة الانسان حينما تقهره الظروف وتهب رياح الخسارة تغتنم ما قد يكون مصدر سعادة له ولذويه.“ألين بيرشتين” هي الأخري تعود من جديد والكل يتذكرها بالطبع في فيلم “Requiem for a dream”، دورها كأم “مارثا” ليس كبيراً ولكن في إحدي مشاهد العمل تمكنت من لفت الإنتباه بإلقاءٍ حواري غاية الروعة قد يضع إسمها ضمن المختارين للترشح لأوسكار الممثلة في دور مساعد بالرغم من قصر مساحة الشخصية.
في الختام، لا يمكن القول أن فيلم Pieces of a Woman فرصة مهدرة كإضافة جديدة لسينما الواقع الانساني، فبالرغم من عيوب السيناريو خصوصاً في الفصول التي تلت البداية، إلا أن الادائات التمثيلية ساهمت علي نحوٍ كبير في أن يحظي الفيلم بقابلية نسبية عند الكثيرين لمشاهدة ثنائي موهوب مثل “فانيسا كيربي” و”شيا لابيوف” لأول مرة معاً علي الشاشة.