فيلم parallel mothers
بلغةٍ سينمائية بديعة في السرد وتوسعٌ جلي في التعبير عن المشاعر والدوافع الشخصية والوانٍ زاهية تتزين بها اللقطات بحيوية نابضة، يعود المخرج والمؤلف الحكيم “بيدرو المودوفار” من جديد بفيلم parallel mothers الذي تتجلي من خلاله أفكار “المودوفار” المعروفة عنه بأسلوبٍ درامي لين ومعاصر وبرؤية فريدة كالعادة للحياة الإسبانية تلتفت للذات البشرية وتعكس محطاتٍ مختلفة تتعرض لها بجل تأثيراتها المترتبة على قراراتٍ ما أو متبعٍ ما تنتهجه ابطال تلك الحكاوي السينمائية.
“بيدرو المودوفار” الذي لا يزال يحتفظ بمكانته الكبيرة وسط الجمهور، ويحاول دائماً تجديد دماء أساليبه السينمائية حتي لو انه يعرف عنه تحيزه لعنواين ورمزياتٍ معينة ثابتة لا تتغير بكامل أفلامه، وطريقته التي تثير الجدل فيما يتعلق بنظرته الواقع الإسباني والجوانب الثاقبة والحضارية التي تتمتع بها.
في فيلم parallel mothers الذي عرض مسبقاً بإفتتاحية مهرجان “فينيسيا” السينمائي هذا العام، يبرهن “المودوفار” علي ولائه وتعاطفه مع المرأة بشكلٍ عام، ويُشيد قصةً إنسانية عن الصعوبات والمشقات التي تواجهها في حياتها اليومية، ولكن دون مباشرةٍ في السرد يعززها إيلاجٍ للدراما واندفاعٌ للمشاعر التي تضفي إحساس الواقعية وحساسية الأمر المطروح وتأثيراته علي المستوي المعنوي والنفسي.
قصة فيلم parallel mothers
تدور أحداث فيلم parallel mothers عن إثنين أرامل “يانيس” و”آنا” يولدا طفلتيهما في نفس ذات الوقت، ويتعرض السيناريو للعلاقة التي تجمع بينهما سريعاً قبل الولادة وبعدها حينما يخوضا مسؤلية الأمومة والاعتناء بأطفالٍ صغار.
مراجعة فيلم parallel mothers
بساطة السيناريو تكمن في طريقة معالجة القصة التي تتناول بوضوح كافة المراحل والمواقف التي تتعرض لها الشخصيات بحيث يسهل التواصل مع الأحداث والتسلسل الزمني والمكتوب لها و كذلك مع الشخصيات علي مدار الفيلم بأكمله، فقط في لحظةٍ واحدة خرج “المودوفار” عن السياق المرتب للأحداث لغرضٍ معين، ولكنه عاد بالسيناريو الوضعية الصحيحة والترتيب المثالي الذي رسمه بدقة لتفاصيل قصته.
أيضاً كان هناك إكتفاء درامي من التجربة ككل نتيجة القدرة الهائلة علي شحذ الحالة العاطفية الذاتية بسلاسة في صياغة المشاهد والعمل علي مقاربة الشخصيات ببعضهم البعض بما يخدم الفكرة العامة كليتاً، وكذلك إرثاء التحولات الهامة في اللحظات المناسبة وخصوصاً حينما تتوطد علاقات الشخصيات بما يكفي لإحداث إنتقالة معينة تتحول من خلالها القصة إلي شكلية أخري تساهم في إضفاء الحس الدرامي أكثر عن ما سبق.
الملفت أيضاً هو إستغلال “المودفار” مساحة من القصة للإشارة إلي أحد القضايا الإجتماعية المتعلقة بإيجاد المفقودين من الرجال وتأثير غيابهم علي عوائلهم، ذكاء “المودوفار” في هذا الشق بالتحديد هو العودة لتلك التفصيلة في اللحظة التي أنهي فيها قصته الأساسية والوقت يسمح له بالتطرق لهذا الموضوع بطريقةٍ بالغة الإنسانية شكلت إحدي لخظات فيلم parallel mothers الميلودرامية العبقرية، ملخص ما سبق أن “بيدرو المودوفار” لا يزال يحتفظ بقدرته علي الموازنة بين عناصر القصة والرسالة بحيث لا يطغي واحدٍ منهما علي الأخر، ولهذا من المستحق تماماً ترشيح هذا العمل لجائزة السيناريو الأصلي عن جدارة.
هناك أيضاً تميز علي المستوي الإخراجي، وخصوصاُ من ناحية الألوان الزاهية التي تتسم بها المشاهد والموسيقي التصويرية وسلاسة الكاميرا ودقة إختيار الكادرات التي تصور الشخصيات وتبروز ردود أفعالهم سواءاً الفردية أو أثناء المواجهات الثنائية بين بعضهم البعض، فيحسب ل”المودوفار” تقسيم مجهوداته علي الجانب الإخراجي والكتابي ليتمكن من تقديم هذا الإبداع الدرامي المميز في كل شئ.
حتي في التمثيل أيضاً، فمعشوقته النجمة الجميلة “بينولبي كروز” التي لا تزال تحتفظ بنضارة الحياة وجمال الوجه تمثيلياً أجادت في إضفاء الحس الدرامي المنوط بالقصة تقديمه، والتعامل مع المواقف واللحظات الصعبة التي تمر بها شخصية “جانيس” بجدية كما يرسمها السيناريو، وكذلك إرتجال الإنفعالات المناسبة في الوقت المناسب لها، فهي تعتبر من أهم علامات فيلم parallel mothers الإيجابية حالها كحال موديل الأزياء “ميلينا سميت” التي شاركت “كروز” في بروز دراما الفيلم وتمكنت من فرض حالة من التناغم التمثيلي معها كانت كفيلة لإرتباك المشاهد بالفيلم بخلاف المميزات الأخري له.
في الختام ، سيظل “بيدرو المودوفار” أحد رواد السينما الأوروبية التي لا طالما ترفع شعار الواقعية في كافة تفاصيلها، ومهيمنة بالجوانب الحسية والإنسانية علي شغف محبي أفلام القارة العجوز في الإستمرارية بالبحث والتنقيب عن روائع سينما الغرب سواءاً الكلاسيكية ومتابعة كل جديد يبدع فيه صناع الأفلام الشبان والمخضرمين كحالة “بيدرو المودوفار”.