عندما يجتمع الإبداع الفنى مع فكر كاتب و مخرج عبقرى و إضافة القليل من المتعة السينمائية الخالصة بكل عناصرها فسينتج لنا Nocturnal Animals بكل تأكيد .
القصة :
تبدأ القصة مع سوزان التى تقدم نوعية غير معتادة من الفن ، و التى يصل إليها رواية كتبها زوجها السابق إدوارد لتنقسم أحداث الفيلم بين خط الحاضر من بطولة سوزان ، و أحداث الرواية التى تقرأها بالإضافة إلى مشاهد من ماضى علاقة إدوارد و سوزان لتسير الأحداث فى الخطوط الزمنية الثلاث .
السيناريو :
بسيناريو من كتابته بالمشاركة مع اوستن رايت ؛ استطاع توم فورد مخرج الفيلم أن يقدم لنا قصة تجمع ما بين الحقيقة و الخيال ، الماضى و الحاضر ، الانتصارات و الانكسارات بتسلسل مميز و مثير للإهتمام استطاع ترجمته إخراجياً بالشكل المثالى .
لكى أكون قادراً على الحكم على سيناريو الفيلم فلابد من الحديث بشكل منفصل عن الخطوط الزمنية الثلاث التى تسير بها الأحداث لتوضيح مميزات و عيوب كل منها :
1- الماضى (علاقة إدوارد و سوزان) :
الخط الأقصر و الأقل تواجداً ما بين الخطوط الثلاث و الذى يوضح بداية العلاقة بين إدوارد و سوزان و تطورها مختتماً بإنفصالهما .
تميز هذا الخط الزمنى بمشاهد قليلة بفترات زمنية قصيرة على الشاشة و بالرغم من ذلك كان لها تأثيرها فى كل مشهد .
مشكلة واحدة واجهت هذا الخط و هى أوقات ظهور المشاهد و توقيتات توزيعها على الفيلم و التى كان بعضها غير موفق برأيى .
2 – الحاضر (سوزان) :
يركز هذا الخط على شخصية سوزان فى الوقت الحاضر لنرى نجاحها فى تقديم فنها و انفصالها عن إدوارد و زواجها بآخر ، و كذلك كم كبير من المتاعب النفسية و المصاعب بحياتها الزوجية التى تعانى منها و التى تمنعها من النوم .
على عكس خط الماضى فمشاهد هذا الخط كانت توقيتات عرضها على الشاشة مثالية و نتج عنها ترابط فكرى و معنوى مع خط الرواية التى كتبها إدوارد .
3 – الرواية
يحكى هذا الخط أحداث الرواية التى أرسلها إدوارد إلى سوزان تحت عنوان “حيوانات ليلية” .
أحداث القصة هى الأكثر الإثارة و حبساً للأنفاس و كذلك الأكثر جذباً للتعاطف .
عملية الربط بين أحداث الرواية و القصة الرئيسية بين إدوارد و سوزان كانت مثالية و نتج عنها الكثير من المشاعر التى تفرد توم فورد بطريقة صنعها و التى يصعب علينا إيجاد تجربة سينمائية أخرى مشابهة لهذه التجربة فى هذه النقطة .
مشكلة أخرى واجهها السيناريو و هى نهاية الفيلم التى يمكن وصفها بأنها اتجهت إلى الرمزية و ابتعدت أكثر عن مسار القصة من أجل توصيل الرسالة إلى المشاهد و إثارته لطرح التساؤلات .
الحوار :
اتسم حوار الفيلم بالعناية على مستوى الكتابة و التصميم ؛ فبالرغم من وجود الكثير من الرمزيات إلا أنه استطاع الحفاظ على نسق سير أحداث الفيلم دون الاتجاه إلى الرمزية أو الابتعاد عن المتعة أغلب الوقت .
الأداء التمثيلى و الشخصيات :
تصميم الشخصيات و تجسيد كل منها تم تقديمه بامتياز من الجميع ، و لكن رباعى البطولة قدم كل منهم أداءاً اسنثنائياً .
مايكل شانون :
يقدم شخصية الضابط الذى نكتشف لاحقاً أنه مصاب بالسرطان و نراه يقوم بمهمته الأخيرة ساعياً بكل ما يملك للقبض على المجرم .
تجسيد ممتاز للغاية من شانون سرق به قلوب و عقول المشاهدين .
آرون تايلور جونسون :
الشر كما يجب أن يكون ؛ شخصية ستحصل على كل ذرة كراهية بداخلك بتصميم رائع و حوارات مميزة و بالطبع أداء تمثيلى فوق الممتاز .
إيمى آدمز :
تستمر الجميلة الأوسكارية ايمى آدمز فى تقديم أداءات جميلة مقترنة مع اختيارات مميزة لأعمال ذات ثقل فنى مرتفع .
نراها هنا فى شخصية سوزان التى تعانى من الأرق الدائم و الاكتئاب نتيجة للذنب الذى يلاحقها مما اقترفته فى الماضى و الحياة الصعبة التى تعيشها فى الحاضر .
أداء ممتاز من ايمى آدمز لا أظن أن كثير من الذين شاهدوا الفيلم فهموا الأبعاد الكاملة لهذا الأداء المميز و الذى اتسم بالهدوء طوال فترة ظهورها على الشاشة .
جاك جيلينهال :
يقدم جيلينهال كل ما عنده ، و يثبت مجدداً ما لديه من امكانيات و طاقة تمثيلية جبارة فى التجسيد و الانفعالات ليقدم شخصيتين هما انعكاسان لبعضهما فى المرآة و لكن أحدهما تعيش فى الواقع و الأخرى فى روايته التى كتبها .
تجسيد رائع للشخصيتين و لكن مشاهد التفجر كانت من خلال شخصيته فى الرواية التى ظهر بها أغلب فترات الفيلم .
الموسيقى التصويرية :
لا يوجد برهان على روعة الموسيقى أفضل من كون هذا الفيلم أحد الأفلام القليلة التى بقيت جالساً أمامها حتى إنتهاء تتر النهاية كاملاً فقط للإستماع إليها .
الحقيقة أنه لو اقتصرت الموسيقى التى قدمت فى الفيلم على مقطوعة Table For Two لكان ذلك كافياً جداً لوصفها بالعظيمة .
الإخراج :
بالإضافة إلى السيناريو فالإخراج كان عموداً رئيسياً لتقديم هذه التحفة الفنية بهذا الشكل ، و ترجمة ما كُتب فى السيناريو إلى أحداث حية أمامنا على الشاشة .
استطاع توم فورد من خلال كل عنصر متاح له من الأزياء والمكياج إلى اختيار الأماكن و درجات الإضاءة بكل مشهد و كادر أن يقدم المشاعر المطلوب وصولها للمشاهد لتصبح التجربة بجانب كونها معنوية و فكرية فهى أيضاً شاعرية للغاية .
المونتاج أيضاً كان له دور جوهرى و أساسى فى الربط ، و مساعدة المشاهد فى كشف الرمزيات و الأفكار المقصودة فقط من خلال التجربة المرئية دون حوار .
بشكل عام و منعاً للإطالة فعنصر الإخراج كان متفوقاً على نفسه ، و حول الفيلم من كونه جيد على الورق إلى ممتاز على الشاشة .
الخلاصة :
الفيلم مميز جداً فنياً ، و ذكى جداً فى تقديم أفكاره للمشاهد من خلال رمزيات يمكن للمشاهد العادى بقليل من التركيز أن يفهمها .
تقييم الفيلم هو 9/10 .