مراجعة فيلم no sudden move
من بين المخرجين الواعدين في “هوليوود”، يبقي إسم “ستيفن سوديبرج” من العلامات المضيئة في صناعة السينما الأمريكية نظراً لكونه علي درجةٍ كبيرة من الوعي الفني والفكري الذي يمكنه من خلق موادٍ مناسبة لأعمال سينمائية جيدة تترك أثرها وبإستمرارية ممتدة حتي أوقاتٍ بعيدة.
“سوديبرج” ،الذي يعد أصغر مخرج فاز بجائزة “Palme d’Or” بمهرجان “كان” عن فيلم “sex lies and videotapes” عام 1989 وهو في عمر السادسة والعشرين ، تعددت نجحاته علي مدار السنوات الماضية نظراً لقدرته الخاصة علي الإبداع بعدة فئاتٍ سينمائية مختلفة،و أيضاً إعتماد أساليب السينما التجريبية في أعماله بطرقٍ ذكية تجمع بين أساليب تلك المدرسة الفنية التي إتبعها عديد المخرجين من قبل وهوية السينما الحقيقية التي تحكي حكايةٍ معينة لا أن تكون أطروحة فنية عن شئٍ ما بغرض الخروج عن المألوف فحسب.
![مراجعة فيلم no sudden move - صراع الدوافع الخفية و المقامات العالية 3 فيلم no sudden move](https://www.behindzscene.net/wp-content/uploads/2021/07/gettyimages-1188858501-1024x1024-1.jpg)
كما يعرف البعض ويتم ذكره دائماً، يبقي تخصص “سوديبرج” في الأصل الذي تعرف من خلاله الجمهور عليه هيا سينما الإثارة والتشويق والسطو والجريمة، أشهرها بالطبع ثلاثة “ocean” التي كانت ولازالت أبرز سلاسل الأفلام وأفضلها تنفيذاً ومضموناً ممتعاً إلي حدٍ كبير، وما يميز “سوديبرج” في تلك النوعية بالتحديد هي قدرته علي مساحاتٍ محددة من أجل تعريف الجريمة ومبررات رعاتها ومرتكبيها في إعتناقهم لذلك الفكر الناشز عن الصواب وما يجب فعله.
لهذا، يطل علينا “ستيفن سوديبرج” بأحدث إصدراته السينمائية فيلم no sudden move الذي عرض بداية شهر يوليو علي منصة “HBOMAX” حاملاً معه قدراً ميسراً من تلك الأفكار المذكورة سلفاً، وخيوط رحلةٍ سينمائية في قلب “ديتوريت” المليئة بالصراعات الشرسة والموصومة ببصمات الدوافع الخفية والأخطاء المركبة التي تتكرر بطريقةٍ شنيعة.
افضل افلام ومسلسلات HBO MAX 2021 – القائمة الأفضل هذا العام
قصة فيلم no sudden move
تدور أحداث فيلم no sudden move في عام 1954 بمدينة “ديترويت” عن مجموعة من المجرمين الذين يتم تكليفهم بمهمة سرقة أحد الوثائق المهمة، ولكن تتعقد مهمتهم علي نحوٍ غريب وحينها يشرعوا في البحث عن من وظفهم لتلك الوظيفة التي كان يفترض بها أن لا تكون معقدة علي الإطلاق.
من سيشاهد الفيلم سيعتقد بسهولةٍ ودون حاجة إلي خبرة في النقد السينمائي أن الفيلم ينقسم إلي عدة فصولٍ متساوية في الأهمية أو فصلين فقط لا غير وهذا تصورٍ صحيحٍ هو الأخر، فالفيلم يرثي في بدايته الحبكة دون كثافةٍ في تقديم الشخصيات، وحينما تتعقد الأمور يتحرك السيناريو بعدة تسلسلات من أجل أن يصف طريق الرحلة التي يخوضوها الشخصيات في سبيل حل ذلك الموقف الصعب الذين تعرقلوا فيه والإستفادة منه قدر الأمكان.
تجلي ذلك في إيقاع الفيلم التصاعدي الجيد علي مستوي طريقة سرد القصة، ولكن بقي هناك مشكلةٍ أخري متمثلة في اللغة الحوارية بالفيلم التي شابها التعقيد وتمتلك المقدرة علي إخراج المشاهد من بوتقة الفيلم التي تمتلئ بمواجهاتٍ جيدة تنتمي فعلياً إلي أجواء أفلام الجريمة والعصابات الشهيرة في “هوليوود”.
ولكن يعوض ذلك إمتلاء القصة بعديد الإتوائات والمواجهات الممتعة بين رجال العصابات وبعضهم التي دوماً ما تنتهي بنهاياتٍ تمهد لما سيحدث بعدها بسلاسةٍ يسيرة، وذلك هو العنصر الأساسي الذي يجعل الفيلم وجبةٍ سينمائية جيدة يقودها ممثلين أكفاء مثل “دون شيدل” بصرامته الشديدة وعينيه المركزتين علي ما يريد تحقيقه و”بينثيو ديل تورو” صاحب الملامح الجامدة التي لا تعرف ما قد تحمله وتفكر به.
مع تواجدٍ مميز أيضاً للنجوم “براندن فرايزر” و”دافيد هاربور” و”راي ليوتا” و”مات ديمون” الذي أكتفي بعدة مشاهد ولكنها مهمة في فهم بعض الأفكار التي تضمنها السيناريو وتنتمي للعقلية التي يحب أن يتبعها المخرج “ستيفن سوديبرج”.
إخراجياً، يمنح ” سوديبرج” الفيلم تفرداً بصرياً مثيراً للاهتمام والإعجاب في الوقت ذاته، يأتي ذلك من خلال الإعتماد علي تقنية “Fisheye Lenses” أو “عدسات عين السمكة” التي تنتج تشويشاً بصرياً الهدف منه عكس حالة التشوش والتخبط المحيطة بشخصيات الفيلم “كيرت” و”رونالد” أثناء سعيهم من أجل تحقيق أكبر إستفادةٍ مادية من ذلك الموقف الذي توروطوا فيه، وأيضاً علي مستوي تصميم الإنتاج والأماكن الشبيهة بأجواء الخمسينات والتي تناسب فعلياً مع طبيعة الأحداث المُقدمة بالفيلم التي من الصعب إحتوائها في الزمن الحديث بطرقٍ أشبه بما يتم تقديمه بالماضي.
في الختام، فيلم no sudden move نسخة مستحدثة من سينما “ستيفن سوديبرج” الذي يحب العمل فيها ويعود إليها متي توافر السيناريو والفكرة المناسبة لذلك، أجواءٍ سينمائية ممتعة وأداءاتٍ تمثيلية جيدة ومواجهاتٍ من تلك التي يعشقها الجمهور تتخللها الإتوائات وتتصاعد بحدةٍ وشراسة وصولاً لخط النهاية، وكل ذلك يزيد من مكانة “ستيفن سوديبرج” كأحد أبزر صناع المحتوي السينمائي الذي من الواجب إعطائهم التقدير والإحترام المستحق لهم علي مجهوداتهم في إحياء السينما بعطاءٍ وفير وإبداعاتٍ لا تنضب في اية عنصرٍ من عناصرها.