مراجعات

مراجعة فيلم Licorice Pizza – عن فترة المراهقة وبعض الصورٍ الواقعية لها

فيلم Licorice Pizza

قبل الخوض في تفاصيل مراجعة فيلم Licorice Pizza ، دعونا نتحدث في البداية عن تصنيف العمل ونوعية السينما التي يقدمها هنا المخرج الكبير “بول توماس أندرسون” ، ببساطة ينتمي فيلم Licorice Pizza لمسمي سينمائي يدعي أفلام المراهقة أو “Coming Of Age Movies” التي تسلط الضوء علي مرحلة حياتية تخص المراهقين والشباب في الأعمار ما بين العشرين والثلاثين عاماً ، و تعكس إهتماماتهم الخاصة مثل محاولات التأقلم مع الحياة من حولهم ، وبلوغ سن الرشد، والتعرض للتنمر ، و الحب والتمرد علي بعض الأمور والتقاليد ، وغيرهم من المفردات التي تستند إليها حبكة العمل وتصوم بصياغتها بأسلوبٍ سينمائيٍ خالص.

فيلم Licorice Pizza

المخرج “بول توماس أندرسون” يقدم هنا تجربته الجديدة بطريقة تلك المدرسة السينمائية بطريقتها النمطية والمعروفة ممزوجة علي الجانب الأخر بأسلوبه المعتاد في السرد السينمائي الذي سنتطرق إليه لاحقاً داخل تفاصيل المقال ، وهذا يعد نقلةً نوعية في مسيرة “أندرسون” الشهيرة بأعمالها الدرامية المعقدة التي لا تخلو من الرمزيات المتعددة وتركيبات الشخصيات خصوصاً من يعانون من الضائقة النفسية والعيوب الأخلاقية، وكذلك التعددية في المواضيع المتناولة.

فيلم Licorice Pizza

 قبليني قبل أن يصيبني السقم – مراجعة فيلم Phantom Thread

سردية سينمائية رفيعة المستوي تتجلي فيها كافة عناصر أفلام المراهقين و بأجواء خفيفة الظل تطرح صوراً واقعية شافية عن حياة تلك الفئة العمرية بإسهابٍ تصاعدي قصصي مقارب لكافة تخيلات هذه المرحلة ، وبزخمٍ كبير من الأحداث وبشغف ممزوج ببعض النوستالجيا من “بول توماس أندرسون” الذي علي يديه تتوازن الجوانب القصصية والبصرية في نتاجٍ سينمائي متكامل يفرض نفسه كعملٍ سيحظي بكل إهتمامٍ يستحقه بالفعل.

Licorice Pizza, de Paul Thomas Anderson, estreia em dezembro | MHD

قصة فيلم Licorice Pizza

تدور أحداث فيلم Licorice Pizza عن الشابين “جاري فالنتاين” و”آلانا كاين” الذان تجمعها صداقة قوية تتحول بعضها إلي حبٍ متبادل ومرحٍ متواصل في وادي “سان فرناندو” فترة السبعينيات.

فيلم Licorice Pizza

مراجعة فيلم Licorice Pizza

الأسلوب الذي يتبعه “بول توماس أندرسون” في أغلب أعماله ويطبقه هنا هو الإهتمام بتصميم شخصيات الأبطال من ناحية كتابة كافة تفاصيلها الدقيقة، وإعطائها خط سير محدد بدايته ونهايته، فتنسج من خلالها خطوط القصة المرتكزة علي ما يوفره “أندرسون” للمشاهدين، والأهم من ذلك القرارات التي تتخذها الشخصيات سواءاً كانت عفوية أو ناتجة عن أفكار معينة.

يقاس علي تلك الطريقة أسلوبية سيناريو فيلم Licorice Pizza فنجدها مطابقة لها تماماً ،نحن أمام ثنائي “جاري” و”آلانا” الأول شاب صغير السن كعادة أي مراهقٍ في نفس العمر يحاول أن يحقق طموحاته ويعيش الحب ويكتسب كيانه الخاص، فنجده يقدم علي فعل بعض الأشياء الذي يقرها بذاته فينتج عنها بعض المواقف سواءاً تخص علاقته ب”آلانا” أو من ناحية رغباته الخاصة خلاف الحاجة الرومانسية.

Someone Needs To Explain Paul Thomas Anderson's 'Licorice Pizza' To Me

نفس الأمر ينطبق علي “آلانا” الفتاة التي تكبر”جاري” في العمر بحوالي عشر سنواتٍ تقريباً و من الطبيعي أن نجدها تحاول هي الآخري دخول مرحلة ما بعد المراهقة وتخوض عديد التجارب من أجل الوصول لنقطة ثباتٍ تكون بمثابة نقطة إنطلاقٍ لها في الحياة سواءاً كانت حتي مع “جاري” أو غيره،وعليه تقوم هي الآخري بإتخاذ بعد القرارات التي يترتب عليها نتائج معينة.

فيلم Licorice Pizza

أيضاً نجد “أندرسون” يوازن بين أمرين إثنين هما سبب بروز السيناريو بكل ما سبق من مكوناتٍ له، حيث أنه يساير الأحداث بطريقة أفلام المراهقة المعتمدة علي تصوير جوانب حياة الشاب المراهق من خلال “جاري”، وفعل النقيض من خلال “آلانا” التي تخطت حاجز تلك المرحلة بفروقٍ وقتية وزمنية كثيرة، بالإضافة للتطبيق الفعال لفلسفة “بول توماس أندرسون” الذي يعتاد عليها، نجد أن الفيلم توليفة سينمائية دسمة تنعش أفلام المراهقة بطريقةٍ جديدة إلي حدٍ كبير تحترم الموروثات الأساسية، وتشكل معها بعض اللمحات السردية المميزة الذي لا يمكن إرثائها سوي من صانع أفلام محترف مثل “بول توماس أندرسون”.

Licorice Pizza review: Paul Thomas Anderson uses juvenile memory less as a conceit than he does an excuse | The Independent

إخراجياً، يتضح أن “بول توماس أندرسون” تترسخ في مخيلته تفاصيل الحياة المدنية بفترة السبعينيات، وتتجسد ببراعة وبإستغلال مثالي للأدوات السينمائية من خلال الديكور الكلاسيكي والأغاني الموسيقية القديمة وتصميم الإنتاج والألوان الزاهية ،تصور إخراجي متميز يعكس مدي الحنين للماضي بمظاهره الفريدة وصيحات الموضة والترف وقتها.

فيلم Licorice Pizza

يشهد فيلم Licorice Pizza الظهور الأول لكلاً من “آلانا هايم” و”كوبر هوفمان” نجل الممثل الراحل “فيليب سيمور هوفمان” في مخاطرة كبيرة من قبل “بول توماس أندرسون” من وجهة نظر البعض ولكنها أثبتت في النهاية أنها كانت محسوبة لا يمكن لها أن تكون سوي من وحي بصيرة “أندرسون” صاحبة الباع الطويل في الصناعة، فنجد “آلانا هايم” تجسد بواقعيةٍ تامة مشاعر الحب والشباب وحب الحياة والترفيه عن النفس دون أن تنسي البحث عن مصيرها وتمام سعيها المستمر في إيجاد ما تريده.

Licorice Pizza' first reactions arrive as Alana Haim gets huge praise

كذلك كان “كوبر هوفمان” الذي بجانب موهبته السينمائية المحتمل تطورها بدرجاتٍ كبيرة في المستقبل يتمتع بهيئة المراهق المتمرد والجرئ سواءاً في قراراته أو في علاقته مع “آلانا”، أداءٌ جيد للغاية قدمه “كوبر هوفمان” دون أية مبالغة في التعبيرات والإنفعالات وبمثابة الصورة الحقيقية لمن هم بنفس ذات العمر، وتمكنٍ كبير من فرض نفس الحالة التجسدية علي مدار أحداث الفيلم ككل.

فيلم Licorice Pizza

في الختام، صدور فيلم Licorice Pizza متأخراً علي منصات الإنترنت تسبب في عدم دخوله قائمة أفضل أفلام عام 2021 الشخصية، لأنه ببساطة إستحداث فني متمير لأفلام المراهقة ، وإبداع جديد يضاف لسجل “بول توماس أندرسون” الملئ بالإنجازات السينمائية التي تحظي بتقدير الجميع علي الجانب النقدي والجماهيري.

اسامة سعيد
كاتب وناقد سينمائى بموقع بيهايند وطبيب بشرى، محب للفن بشكل عام والسينما بشكل خاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *