- افتتح لادج لي فيلمه الروائي الأول والذي فاز بجائزة لجنة التحكيم بمهرجان كان مناصفة مع الفيلم البرازيلي “Bacurau” ، بمشهد عبقري لأحد شخصياته والذي يدعي عيسي وهو طفل في مطلع العقد الثاني من عمره حيث يذهب ليحتفل مع الشعب بفوز منتخب بلاده بالكأس العالمية في أحد ميادين باريس الساحرة وبينما تصيح الجموع بكل ما تملك من قوة تهتز كاميرا لادج لي وتصحبها موسيقي حزينة مرسلا لنا رسالته الأولي بأن هذا ليس إحتفال بل كبت والإحتفال بمثابة منفذ للهم الذي يسكن بلاده الجميلة من الخارج ومؤكدا علي ذلك وفي نهاية مشهده يضع إسم فيلمه علي تلك الوجوه المبتسمة ” البؤساء ” وهو الإسم الذي يعود إلي رواية الكاتب الشهير “فيكتورهوجو” منذ قرن مضي ولكن تمت معالجتها بشكل يناسب ما عايشه لادج لي في الحي الذي عاصر ما يقدمه لينقل لنا معظم مشاهد الفيلم بتلك الكاميرا المهتزة التي تنقل لك الإضطراب تحضيرا لما هو قادم.
- تدور أحداث الفيلم في يومين، الأول يتم فيه تقديم الشخصيات بشكل عبقري ويبرز سمات الجميع بما فيها من ثقافة ووعي وديانة وعرق والثاني يوم صاعق لن تستطيع أخذ أنفاسك وأنت تشاهده لما يحتويه من إنحناءات مفاجئة لتصل نسبة الأدرينالين بجسدك لذروتها، بسلاسة تبدأ الأحداث بشرطي لا يميل إلي لون فرنسا الأساسي وهو الأبيض ولا يقترب من بشرة الأفارقة السمراء وهما ألوان زملائه بشرطة الحي والذي سيعمل معهم، ووينقسم الحي لما هو أشبه بالقوة الشعبية والتي تعمل تحت حماية الشرطة بدورها، عمدة يدفع له الجميع المال للحماية وهو أسمر البشرة و غجر يتنقلون بسيرك وهم بيض البشرة و بعض تجار المخدرات التي يتوسطوا من اليمين إلي اليسار و شاب بعدما خرج من السجن قد دخل الإسلام واصبح شخص جدي، عيسي الذي يمثل سكان الحي الفقراء، وباز الطفل الوحيد الذي يمكث بالساعات لإلتقاط ما يحدث في الشوارع بالكاميرا الطائرة خاصته، لا تقلق فا أنا لست لادج لي فقد قدم كل ذلك ببساطة حتي ينشب الصراع ومنه قد تصبح شاب فرنسي عاش تلك الفترة ومر بصراعها.
- يناقش الفيلم الصراع الطبقي الذي يعتري الشعب الفرنسي وتداخل الثقافات وفقا لما يعايشه الشعب والعنصرية التي تنتشر بإختلاف العرق والصراع الذي ينشب لتنوع الديانات والمهزلة الإقتصادية القائمة في أحد أجمل وأرقي مدن العالم والأسلوب القمعي الغير مبالي بالشعب من الأساس لدرجة أنه يسمح لحكم قبلي أن يسير الأمور نيابة عنه، يقدم لادج لي هذا بصورة مبهرة ورغم تعدد شخصياته لم يلقي اللوم إلا علي البيئة التي وضعت أفرادها في تلك الأوضاع ومن ثم لا يسأل عن الفساد صانعه فربما هذا الفساد أسمي ما وصل إليه في حياته، يبدأ الصراع في بقعة معينة يقترب لادج لي بالكاميرا من شخصياته وكأنه أحدا أفراد الصراع ومن ثم يبتعد بعين الإله مبرهنا أن الله يري كل الفساد الذي يدور في الأرض وأن المطر سيأتي يوما ويزيح تلك القذارة كما برهن سابقا “مارتن سكورسيزي” فلكل طريق نهاية ولكن ما اخبرنا به لادج لي كانت مجرد بداية لسلسة النهايات التي علي وشك البدء.
- تمثلت عبقرية الصاعد لادج لي في عدة نقاط وكان منها أنه لن يعول علي الإنتاج ولم يمكث وحيدا باكيا لكي يصنع فيلما، شاب تعج رأسه بالأفكار والتي ظهرت متتالية في أساليب عرضه لفيلمه والتي قد بناها علي رواية تم استهلاكها لكي يجذب له الأنظار بأقل قدر ممكن من الإجهاد ومن ثم معالجته العبقرية لأحداث الرواية لما عايشه هو بناء علي تجربته االخاصة والتي نتج منها فيلما بصوت الشعب ليس إلان، تم تقديم الطبقية في 2019 إلي الأن في جوكر تود فيليبس و طفيلي بونج جون هو، والبؤساء ولم يقدم فيلم فيهم عبقرية لادج لي من حيث الرؤية، مال تود لشخص مريض وكان هامش أحداثه الطبقية ومن ثم الثورة، وركز بونج علي المشكلة الأساسة حيث أن الطبقية هي المشكلة وأن ما الطبقات إلي أدوات مع انتقاد كلا منهم، أما هنا فقد قدم لادج لي صورة قبيحة لذاك الإطار الجميل الذي يزين فرنسا، شعب بالكامل لا يجمعه إلا شاب اسمر ينافس علي لكرة الذهبية “كيلياان مبابي” إشارة لطموح المهمشين في الوصول ليس إلا وإستخدام كعنصر عام وبسيط يجمع الجميع وهو الحديث عن ظاهرة بالبلاد حيث لا يملك أحد منهم سوي الحديث.
- كما أن لادج لي قد احسن صنعا في بناء شخصياته تزامنا مع الأحداث وقد عزز ذلك بالذاتية التي أشار إليها لبعض شخصياته والتي جعلت من افعالهم شئ طبيعي نظرا لما يحيط بهم، تخيل أنك بحرب والأعداء تعد النووي وئانت لا تملك سوي الخيل، هل ستمكث؟ الحرب خير من الإبادة حينها، وها هو لادج لم يترك لنا سبل للتساؤلات بعد تجربته ستصارع أنفاسك علي الثناء بما رأيته لما فيه من محتوي فني مقدم بميزانية لا تذكر، وما تصل إليه ذاتك من إشباع ذهني.
- يعتلي الفيلم قائمة مفضلاتي بالعام إلي الأن لتلك الأسباب التي ذكرتها ولنهايته الجميلة إضافة لأجمل إفتتاحية في العام إلي الأن، وللأسلوب الذي ناقش به قضاياه الطبقية والثقافية والإجتماعية والعرقية وذلك بعرض فني دسم وممتع بصريا وبالرموز الكثيرة التي يسهل علي الجميع إدراكها كإدارة الجمعيات الخاصة بين سكان الحي الفقراء نظرا للتدهور الإقتصادي وغيرها من الإشارات التي تم وضعها بشكل مبسط وللتحولات التي تمت لشخصياته بشكل تدريجي وغير مفاجئ ولإخراجه الجميل لفيلم بهذه القيمة في بداية مسيرته.