في بداية مراجعة فيلم i care a lot، يجب القول بأن عقب النجاح النقدي والجماهيري الذي حققه فيلم “Gone Girl” في عام 2014 ، كان من المنتظر أن يكون هذا العمل بوصلة طريق النجمة البريطانية “روزماند بايك” نحو القمة والإنضمام للقائمة المطولة من نجوم الصف الأول من الممثلات، خصوصاً بعدما نالت المديح علي أدائها الناضج لشخصية “آمي”، وتمكنت من حصد ترشيحاً مستحقاً للأوسكار بالرغم من حرمانها من الفوز بالجائزة وقت الحفل في السنة التي تلت موعد عرض الفيلم.
قائمة افلام جرائم قتل الزوجة .. رجالاً قتلوا أو حاولوا قتل زوجاتهم
ولكنها تبين بعد ذلك أنها لم تحسن أية إختيارٍ للمشاريع السينمائية التي تبرز قدراتها التمثيلية بوضوح، وتضمن من خلاله عدم دفن موهبتها التي لا يمكن نكران نضوجها الفني حتي ولو كان من عملٍ واحد فقط، وكذلك الإستمرارية في إستغلال المساحة المتاحة لها من أجل التطور الذي يضمن تحقيقها أيضاً حصد المزيد والمزيد من النجاحات، 9 أفلامٍ كاملة لم تكن بتلك التي تبرز قدرات نجمةٍ ترغب في صنع إسمها في “هوليوود” أو حتي تضيف لرصيد النجوم التي شاركوا حتي فيها.
مراجعة فيلم i care a lot
ولكن وبعد طول إنتظار، تُحسن “روزماند بايك” الإختيار هذه المرة بعملٍ جديد وهو i care a lot ينتمي لنوعية الكوميديا السوداء والإثارة أحسنت فيه “بايك” الظهور بما قدمته من تجسيدٍ لإحدي الشخصيات التي تتسم بالصرامة والخبث والقدرة علي الإيقاع بالأخرين وسلبهم حيواتهم، وتعتبر أيضاً بالغة التعقيد عن دور “إيمي” في “Gone Girl” من ناحية التصرفات ومن الناحية الحسية قبل ذلك.
ساعتين من الوقت حصيلة مشوارٍ لإمرإة ترغب في صنع كيانٍ لنفسها دون أن يمسها أحد مثلما هي تفعل بهم، إمراةٍ عقلها مبرمج علي التصرف بحنكةٍ ودهاء مهما إزدادت الصعوبات تقف حاجزاً بينها وبين ما تريده، ويا لهم من ساعتين كان من الأفضل مشاهدتهم علي شاشة السينما الكبري، نظراً لما يحمله فيلم i care a lot من متعة مضمونة عبر أحداث الفيلم بأكمله وتميزٍ كبير علي مستوي السيناريو والحوار وبقية العناصر الفنية الأخري.
مراجعة فيلم Promising Young Woman .. المرأة التي قلبت الطاولة علي الجميع دون ضوضاء
قصة فيلم i care a lot
تدور أحداث فيلم i care a lot عن “مارلا جرايسون” المرأة المخادعة التي تعرف كيف ترغم القضاة علي إعطائها الحق في الوصاية علي كبار السن الذين يعيشون بمفردهم من أجل أن تودعهم منشائآت رعاية المسنين ثم تبيع منازلهم وتحصل منها علي المبالغ الطائلة، ولكن حينما تحاول تطبيق ذلك علي والدة إحدي رجال العصابات الروسية السابقين، تتقعد المسألة حينها وتتصعب الأمور علي “مارلا” التي تدخل في دوامةٍ من التخبط نتيجة ثقتها وغرورها الزائد الذان يمنعاها من التخطيط بمزيدٍ من العقلانية.سيناريو “جا بلاكسون” إلتزم تماماً بمعايير ضياغة أي قصة سينمائياً، من حيث تقديم الشخصيات وإعطاء المشاهد لمحةٍ مبسطة عنهم، مروراً بالأحداث الرئيسية التي تقدم الحبكة وتتصاعد وتيرتها معرضةً الشخصية الرئيسية للمواقف التي من شأنها تغيير موقفه وحياته كلها إن جاز الأمر، ووصولاً للنهاية التي بإمكانها طرح رسالةٍ ما شريطة ألا تسودها بشكلٍ تام حتي لا يشوب العمل أية مبالغة في الكتابة بإنقضاء العمل.تطبيق ذلك نجح أيضاً في إعطاء المتلقي فرصةٍ سانحة لتقييم موقفه من شخصية “مارلا” بطريقتين مختلفتين، سواءاً أكانت إمرأة ذو عقليةٍ إجرامية رأس مالها في الحياة خداع البشر وإرضاء كبريائها الناقم علي البشرية والحياة ككل، أو كونها سيدة من سيدات المجتمع التي لا ترضخ لظروف حياتها الشحيحة مادياً، وتلهث كالأسد وسط عالم الأغنياء الذين يأخذون فقط ولا يعيرون إنتباهً لأحد، وذلك العنصر يمكن إستنباطه في أية وقتٍ منذ بداية الفيلم وحتي أخره دون عناء، ولن يسبب أيضاً أية إنقسامٍ بين المشاهدين بطريقةٍ سلبيةٍ فيما يخص مضمون الفيلم.الكتابة الجيدة للأحداث ساهمت في خلو الإيقاع العام للفيلم من أية مللٍ أو حشو زائد لا طائل منه، والأهم من ذلك إدراج اللحظات التي تشكل المعضلة الكبري تجاه الشخصية الرئيسية في الوقت المناسب، مما ساعد ذلك علي الحفاظ علي إهتمام المشاهد بالفيلم وبما يدور فيه، و إرتفاع نسبة ترقبه العامة لما سيحدث ل”مارلا” فيما بعد حينما تتعرض فيه لعراقيلٍ ما تمنعها من مواصلة ما تفعله.أما عن النهاية، فقد كانت مدوية بحق، وتتميز بأنها غير تقليدية وتعكس ما يمكن أن يتوقعه أحد، هي ببساطة تتشكل في صورتين ممزوجتين بعناية من قبل “جا بلاكسون” من حيث طرح رسالة معينة كعادة الكثير من الأفلام، ووضع حداً فاصلاً يُكمل به قصة الفيلم ويختمها بطريقةٍ مثالية وصادمة إلي حدٍ كبير،ربما سيكون من الصعب ترشح السيناريو لجائزة أفضل سيناريو أصلي في الأوسكار هذا العام، ولكن إن حدث ذلك فهي مستحقة وبلا أدني شك وإنتصارٍ كبير لصناع هذا الفيلم الذي يعد حالياً أفضل فيلم في 2021 إلي أن يزدهر العام بعديد الإصدارات السينمائية لاحقاً.“روزماند بايك” ترتدي مجدداً قناع الخوف وإثارة الرهبة في نفوس من يشاهدوا أدائها التمثيلي، هذه الحسناء البريطانية في هذا الفيلم وعلي شاكلة “Gone Girl” لا يمكن أن تلقب سوي بأنثي أسد غير مروضة كما أباح السيناريو وذكره ليس مرةٍ واحدة بل مرتين إثنتين، قدرة فائقة علي الإرتجال الإنفعالي لملامح الصرامة والجدية والثقة المتزايدة ، وإتقانٍ تام في إلقاء الحوار الذي سيقنع الكثيرين بلا شك أنها تعمل فعلياً لمصلحتهم ولرعايتهم بشكلٍ كامل إلي أن تظهر حقيقة أفعالها لاحقاً.ليس هذا فحسب، بل أنها إستطاعت الحفاظ علي وتيرة ذلك الأداء من بداية الفيلم وحتي نهايته إلا في فتراتٍ معينة ليست بالكثير التي إحتاجت منها بالفعل تغييراً بسيطاً من الناحية العاطفية، ولكنها تنجح بيسرٍ وسلاسة في العودة إلي طبيعتها المعتادة بعد ذلك، هو ببساطة أداء أوسكاري بإمتياز ولا يمكن تجاهله بأية حالٍ من الأحوال وإن لم يتم ترشحهها عن هذا الفيلم، فهي سقطة غير مفهومة من قبل الأكاديمية علي هذا التجاهل للك الشخصية المروعة التي قدمتها “روزماند بايك” بجدٍ وشغفٍ عارم بها.في الختام، يبرهن فيلم i care a lot علي أن “روزماند بايك” نجمةٍ موهوبة تستحق الدعم والإشادة ، شريطة أن تصبح علي قدرٍ كبير من الوعي في إنتقاء الشخصيات التي تناسب طبيعتها وتستطيع إبراز قدراتها الخاصة التي ظهرت واضحة وجلية في هذا الفيلم الذي يقدم نموذجاً للمرأة الكادحة الساعية لكيانها الذاتي، ومثالاً علي ما يحدث حينما تكون الثقة في النفس زائدة عن حدها، فتنقلب إلي ضدٍ بعد ذلك وتكون عواقبها وخيمة بدرجاتٍ كبيرة.